يعد الاستثمار الإسلامي من أهم ركائز الاقتصاد في الشريعة، ويتمثل في مربع الاستثمار، الذي هو: ( الاتجار، والإيجار، والاشتراك، والاسترباح)، ويندرج تحت كل واحد منها أدوات استثمارية، يمكن أن تثري الحياة الاقتصادية وسوق المال المعاصر، سواء ما تعلق بالبنوك التي وقفت عند حد التمويل في الغالب، أو غيرها من المؤسسات المالية الإسلامية، أو كان على مستوى النشاط المالي للشركات أو الأفراد.
والتجارة في الفقه تقابل البيوع التي تحدث الفقهاء عنها في كتبهم، فالاتجار، أو التجارة، هي تبادل السلع والبضائع بين الناس وفق أصول الشريعة؛ حفظا للحقوق، ورعاية للمصالح.
وعرفت بأنها: تقليب المال بغرض الربح. والتاجر: هو الذي يبيع ويشتري. كما في (تاج العروس للزبيدي).
وعلى هذا، فالتجارة يقصد بها أنواع البيوع في الفقه الإسلامي.
أقسام البيوع التجارية
وتنقسم البيوع التجارية – على سبيل الإجمال- إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: بيع عين بعين: وهي المقايضة، أو مبادلة سلعة بسلعة أخرى ( بيع المقايضة).
القسم الثاني: بيع ثمن بثمن: وهو مبادلة نقد بنقد، وهو ما يسمى ( بيع الصرف)
القسم الثالث: بيع العين بالثمن: وهو بيع العين بالثمن، وهو ( البيع المطلق). وهو نوعان:
النوع الأول: البيع العاجل أو الحال، وهو بيع عين بمال مسلم في الحال.
النوع الثاني: البيع الآجل، وهو بيع عين بمال مؤجل.
القسم الرابع: بيع الثمن بالعين، وهو بيع عين مؤجلة بثمن معجل، بحيث يدفع الثمن حالا، ويتأخر تسليم السلعة، وهو على نوعين:
النوع الأول: أن يتم دفع الثمن كاملا عند التعاقد، وهو ( بيع السلم).
النوع الثاني: أن يتم دفع الثمن كاملا، أو مجزءا على فترات، أو مؤجلا، وهو ( بيع الاستصناع).
القسم الأول: بيع المقايضة
وهو مبادلة سلعة بسلعة دون أن يكون النقد وسيطا بينهما.
وقد عرف نظام المقايضة قديما، واستعمل عبر التاريخ، خاصة في تبادل السلع الأساسية التي لا يستغني عنها الإنسان، إلا أنه قد ظهرت بعض العيوب في بيع المقايضة.
عيوب المقايضة:
من أهم العيوب التي ظهرت في المقايضة، ما يلي:
1 – وجود صعوبات في إيجاد مقياس واحد يتفق عليه بين البائعين في تبادل السلع.
2 – عدم توافق رغبات البائعين في وقت واحد، فهناك اختلاف كبير جدا في الرغبات بين البائع والمشتري، لم يجعل بيع المقايضة مرغوبا فيه.
3 – عدم توافر وسيلة محددة كي تكون صالحة لاختزان القيمة والحفاظ عليها.
4 – عدم توافر وحدة مال مناسبة للدفع الآجل.
5 – صعوبة تجزؤ بعض السلع التي يحتاج إليها الناس، فبعض السلع ربما تكون غير قابلة للتجزئة، مما يجعل المقايضة صعبة في بعض الأحيان.
المقايضة في العصر الحديث:
قد يظن كثير من الناس أن بيع المقايضة كان نظاما قديما قد انتهى، لكن استعمل بيع المقايضة في العصر الحديث، وذلك في ثلاثينيات القرن العشرين، مع انهيار الاقتصاد العالمي، حيث لجأ الناس إلى العودة لنظام المقايضة؛ من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسية اليومية.
الإنترنت يعيد المقايضة
ومع ظهور الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي عاد نظام المقايضة من جديد وبقوة، فهناك شبكات ومواقع خاصة لتبادل السلع والخدمات بين الناس، ليس في المدينة الواحدة، أو البلد الواحد، بل بين دول وقارات العالم، واستفاد نظام المبادلة من الإنترنت، حيث أصبح أكثر مرونة، وقلت صعوباته، إلا أنه تبقى بعض المخاطر التي تحوط بعملية المقايضة.
بل هناك تجارب كثيرة الآن ناجحة في نظام المقايضة تحصل على أرض الواقع، ويبقى الإنترنت وسيلة للإعلان عنها، ففي بعض الأحياء يتم الإعلان عن وضع السلع التي يستغني عنها كل إنسان، في مقابل أن يحصل على سلعة أخرى.
ومن التجارب في بيع المقايضة هو مقايضة الكتب، حيث يتم التبادل بين من يحبون القراءة، فكل من اشترى كتابا وقرأه، يمكن له أن يبادله بكتاب آخر مع قارئ آخر.
بيع المقايضة في الفقه:
عرفت مجلة الأحكام العدلية بيع المقايضة في المادة (122) بقولها: بيع المقايضة؛ بيع العين بالعين، أي مبادلة مال بمال غير النقدين.
شروط بيع المقايضة:
لما كانت المقايضة أحد أنواع البيع، فإنه يشترط لصحتها كل ما يشترط لصحة البيع من شروط الانعقاد وشروط الصحة وشروط النفاذ وشروط اللزوم.
أحكام خاصة ببيع المقايضة:
جاء في (درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1 / 113 ط دار الجيل ،لعلي حيدر) أنه يشترط في المقايضة أمران:
الأول: عدم النقدية، بأن لا يكون المالان نقدا، لأنه إن كان المالان نقدا، فهو بيع صرف، أو كان أحدهما نقدا، والآخر سلعة فهو بيع.
الثاني: أن يكون كل من المالين المتبادلين عينا، كمبادلة فرس معين بفرس معين، فإن كان بيع فرس معين بخمسين كيلة من الحنطة دينا، لا يعد مقايضة، بل يكون بيعا. انتهى بتصرف
الثالث: التقابض في المجلس معا، جاء في الهداية بهامش فتح القدير 6/ 297 ط الفكر :
قال: ( ومن باع سلعة بسلعة، أو ثمنا بثمن، قيل لهما: سلما معا) لاستوائهما في التعين، فلا حاجة إلى تقديم أحدهما في الدفع.
الرابع: أن تكون المقايضة فيما لا يجري فيه ربا الفضل:
وذلك لما أخرجه مسلم في صحيحه: ( 3 / 1211 ) عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله ﷺ:” الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد.
استثناءات في بيع المقايضة:
ويستثنى في بيع المقايضة بعض الأحكام التي يجب توافرها في عقد البيع، من ذلك:
1 – أنه لا يجري في المقايضة الأحكام الفقهية التي تتعلق بالثمن، أو الالتزامات التي ترجع إلى الثمن، لأن بيع المقايضة ليس فيه ثمن أصلا.
2- أنه لا يجب الدفع قبل التسليم، لأن في المقايضة يتم التسليم معا بين البائع والمشتري.
3 – لا تسري غالب أحكام الغبن بدعوى تكملة الثمن بسبب الغبن الفاحش.
4 – لا تسري أحكام مصاريف العقد في المقايضة، إذ مصاريف العقد تكون على المشتري مالم يكن هناك اتفاق بخلاف ذلك، والأصل في عقد المقايضة أن مصاريف العقد على كلا البائعين، مالم يكن هناك اتفاق آخر بينهما.
5 – كما لا تسري أحكام الشفعة في بيع المقايضة، بخلاف البيوع الأخرى.
وبيع المقايضة ما زال العمل به جاريا منذ أن عرفته البشرية إلى يومنا هذا، وسيبقى إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، ونحن نستعمله في حياتنا، لكن دون أن نسميه بيعا، فإن كان مع صديقك شيء ومعك شيء آخر، فتقول له: خذ هذه وأعطني تلك، فتلك صورة من صور بيع المقايضة، وإن لم يسم بيعا.
د.مسعود ضبرى.