بعد اطلاع مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من ٢٥ جمادى الآخرة إلى ١ رجب ١٤٢١هـ الموافق ۲۳ – ۲۸ أيلول(سبتمبر) ۲۰۰۰م، على البيان الختامي للندوة الفقهية الاقتصادية لدراسة قضايا التضخم(بحلقاتها الثلاث بجدة وكوالالمبور، والمنامة) وتوصياتها، ومقترحاتها، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه وعدد من الفقهاء،
قرر ما يلي:
أولا: تأكيد العمل بالقرار السابق رقم ٤٢(٤/٥) ونصه:
(العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة، لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها بمستوى الأسعار).
ثانيا: يمكن في حالة توقع التضخم التحوط عند التعاقد بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها وذلك بأن يعقد الدين بما يلي:
- الذهب أو الفضة.
- سلعة مثلية.
- سلة من السلع المثلية.
- عملة أخرى أكثر ثباتا.
- سلة عملات.
ويجب أن يكون بدل الدين في الصور السابقة بمثل ما وقع به الدين لأنه لا يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلا.
وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الأجل بعملة ما مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى(الربط بتلك العملة) أو بسلة عملات، وقد صدر في منع هذه الصورة قرار المجمع رقم ٧٥(٦/٨) رابعا.
ثالثا: لا يجوز شرعًا الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي:
- الربط بعملة حسابية.
- الربط بمؤشر تكاليف المعيشة أو غيره من المؤشرات.
- الربط بالذهب أو الفضة.
- الربط بسعر سلعة معينة.
- الربط بمعدل نمو الناتج القومي.
- الربط بعملة أخرى.
- الربط بسعر الفائدة.
- الربط بمعدل أسعار سلة من السلع.
وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير وجهالة فاحشة بحيث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود. وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها تنحو منحى التصاعد فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يطلب أداؤه، ومشروط في العقد فهو ربا.
رابعا: الربط القياسي للأجور والإجارات:
- تأكيد العمل بقرار مجلس المجمع رقم ٧٥(٦/٨) الفقرة: أولا بجواز الربط القياسي للأجور تبعًا للتغير في مستوى الأسعار.
- يجوز في الإجارات الطويلة للأعيان تحديد مقدار الأجرة عن الفترة الأولى والاتفاق في عقد الإجارة على ربط أجرة الفترات اللاحقة بمؤشر معين شريطة أن تصير الأجرة معلومة المقدار عند بدء كل فترة.
ويوصي المجمع بما يلي:
- بما أن أهم أسباب التضخم هو الزيادة في كمية النقود التي تصدرها الجهات النقدية المختصة لأسباب متعددة معروفة، ندعو تلك الجهات العمل الجاد على إزالة هذا السبب من أسباب التضخم الذي يضر المجتمع ضررا كبيرا، وتجنب التمويل بالتضخم سواء أكان ذلك لعجز الميزانية أم لمشروعات التنمية. وفي الوقت نفسه ننصح الشعوب الإسلامية بالالتزام الكامل بالقيم الإسلامية في الاستهلاك، لتبتعد مجتمعاتنا الإسلامية عن أشكال التبذير والترف والإسراف التي هي من النماذج السلوكية المولدة للتضخم.
- زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدان الإسلامية وبخاصة في ميدان التجارة الخارجية، والعمل على إحلال مصنوعات تلك البلاد محل مستورداتها من البلدان الصناعية، والعمل على تقوية مركزها التفاوضي والتنافسي تجاه البلدان الصناعية.
- إجراء دراسات على مستوى البنوك الإسلامية لتحديد آثار التضخم على موجوداتها واقتراح الوسائل المناسبة لحمايتها وحماية المودعين والمستثمرين لديها من آثار التضخم وكذلك دراسة واستحداث المعايير المحاسبية لظاهرة التضخم على مستوى المؤسسات المالية الإسلامية.
- إجراء دراسة حول التوسع في استعمال أدوات التمويل والاستثمار الإسلامي على التضخم، وما له من تأثيرات ممكنة على الحكم الشرعي.
- دراسة مدى جدوى العودة إلى شكل من أشكال ارتباط العملة بالذهب، كأسلوب لتجنب التضخم.
- إدراكًا لكون تنمية الإنتاج وزيادة الطاقة الإنتاجية المستعملة فعلا من أهم العوامل التي تؤدي إلى محاربة التضخم في الأجل المتوسط والطويل، فإنه ينبغي العمل على زيادة الإنتاج وتحسينه في البلاد الإسلامية، وذلك عن طريق وضع ا الخطط واتخاذ الإجراءات التي تشجع على الارتفاع بمستوى كل من الادخار والاستثمار، حتى يمكن تحقيق تنمية مستمرة.
- دعوة حكومات الدول الإسلامية للعمل على توازن ميزانياتها العامة(بما فيها جميع الميزانيات العادية والإنمائية والمستقلة التي تعتمد على الموارد المالية العامة في تمويلها)، وذلك بالالتزام بتقليل النفقات وترشيدها وفق الإطار الإسلامي.
وإذا احتاجت الميزانيات إلى التمويل فالحل المشروع هو الالتزام بأدوات التمويل الإسلامية القائمة على المشاركات والمبايعات والإجارات. ويجب الامتناع عن الاقتراض الربوي، سواء من المصارف والمؤسسات المالية، أم عن طريق إصدار سندات الدين.
- مراعاة الضوابط الشرعية عند استخدام أدوات السياسة المالية، سواء منها ما يتعلق بالتغيير في الإيرادات العامة، أم بالتغيير في الإنفاق العام، وذلك بتأسيس تلك السياسات على مبادىء العدالة والمصلحة العامة للمجتمع، ورعاية الفقراء، وتحميل عبء الإيراد العام للأفراد حسب قدراتهم المالية المتمثلة في الدخل والثروة معا.
- ضرورة استخدام جميع الأدوات المقبولة شرعًا للسياستين المالية والنقدية ووسائل الإقناع والسياسات الاقتصادية والإدارية الأخرى، للعمل على تخليص المجتمعات الإسلامية من أضرار التضخم، بحيث تهدف تلك السياسات لتخفيض معدل التضخم إلى أدنى حد ممكن.
- وضع الضمانات اللازمة لاستقلال قرار المصرف المركزي في إدارة الشؤون النقدية، والتزامه بتحقيق هدف الاستقرار النقدي ومحاربة التضخم، ومراعاة التنسيق المستمر بين المصرف المركزي والسلطات الاقتصادية والمالية، من أجل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاستقرار الاقتصادي والنقدي، والقضاء على البطالة.
- دراسة وتمحيص المشروعات والمؤسسات العامة إذا لم تتحقق الجدوى الاقتصادية المستهدفة منها، والنظر في إمكانية تحويلها إلى القطاع الخاص، وإخضاعها لعوامل السوق وفق المنهج الإسلامي، لما لذلك من أثر في تحسين الكفاءة الإنتاجية وتقليل الأعباء المالية عن الميزانية، مما يسهم في تخفيف التضخم.
- دعوة المسلمين أفراداً وحكومات إلى التزام نظام الشرع الإسلامي ومبادئه الاقتصادية والتربوية والأخلاقية والاجتماعية.
توصية بشأن حلول التضخم:
رأى المجمع بشأن الحلول المقترحة للتضخم تأجيلها وعرضها لدورة قادمة.
والله الموفق؛؛
مجلة المجمع(العدد الثاني عشر ج ٤ ص ١٠، والعدد الخامس ج ۳، ص ١٦٠٩).