هيئة فتاوى الشأن العام

اغتصاب السجينات ونسب أبنائهن بسبب الجرائم القسرية

السؤال:

السادة المفتين

ما حكم الاغتصاب الذي تقوم به بعض السلطات المستبدة ضد النساء اللائي يعتقلن غصبا في سجون الظالمين، وهل على المغتصبة في هذه الحالة عدة تستبرئ رحمها؟ وإذا اغتصبت المرأة في تلك السجون وولدت، لمن ينسب ولدها، سواء خاصة إن كانت متزوجة؟ وما واجب المجتمع تجاه تلك النساء المغتصبات؟

الجواب:

إن مما يندى له الجبين، وتتلعثم في مقامه الكلمات، وتحل بنا فيها الحسرات أن نكتب عن حكم المؤمنات المغتصبات في سجون الظالمين في بلاد المسلمين، وقد كان الفقهاء يكتبون عن حكم المغتصبات في الحروب جراء فعل الكافرين، أو أن تختطف المسلمة في ديار الكفر؛ فيغتصبونها، ولكن اليوم نسطر في تاريخنا الحزين أن تغتصب المؤمنات الطاهرات العفيفات في بلادهن من بلاد المسلمين على أيدي من كان من واجبهم حماية الدين والعرض، فإذا ببلادنا تبتلى بحكام لا يخشون الله، ولا يخافون عقابه، وساعدهم في ذلك زبانية النظام من أناس فقد الإيمان والشرف والنخوة والرجولة، فإذا بهم يعتدون على أخواتهم اللاتي حقهن أن يستروهم وأن يدافعوا عليهم، وإننا نكتب في تلك المسألة بمداد من الحزن والأسى على ما آلت إليه بعض بلاد المسلمين، من بعض الحكام والمسؤولين الذين تسلطوا على رقاب الناس بالظلم والعدوان وانتهاك الحرمات.

وإننا نبين ما يتعلق بتلك القضية من مسائل وأحكام؛ حتى يكون ممن ابتلي وأهليهم على بصيرة من أحكام الله فيهم.

مما حل من البلاء العظيم ما قام ويقوم به المجرمون من الجرائم التي تقشعر لها الأبدان ولا ينبغي أن تقبل عفوا و لا شفقة ولا رحمة ولا كفالة من جرائم الاغتصاب، اغتصاب السجينات المغيبات قسرا ، وهذا من أعظم البلاء الذي ابتليت به السجينات حتى إن كثيرات منهن فكرن بالانتحار وبعضهن أجهضن جنينها سترا لما ابتليت به

أولا- حكم المغتصبة:

المرأة المغتصبة هي امرأة مظلومة، سيقت إلى جريمة الاغتصاب قهرا، لا إثم عليها في ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه” رواه ابن ماجه. ولا يأخذ الفاعل حكم الزاني؛ لأن الزنا يتم بالتراضي بين الطرفين، وإنما يأخذ حكم الحرابة، بمجرد الاختطاف، حتى وإن لم يقم بالاغتصاب، فإذا فعله تأكد حكم الحرابة في حقه؛ لأنه جمع بين جريمتي الزنا والخطف، فيستحق عقوبة المحارب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، خصوصا ممن عرف عنهم الإمعان في جريمة الاغتصاب وتكرارها دون دين أو حياء، ولذلك لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ ‌يُحَارِبُونَ ‌اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33]. فيختار الحاكم من هذه العقوبات الأربعة ما يراه مناسبا ردعا لأمثاله وتحقيقا لعقوبته، وما يحقق المصلحة العامة من حفظ النفوس وصيانة الأعراض وشيوع الأمن في المجتمع.

ثانيا- عدة المغتصبة:

اختلف الفقهاء في عدة المغتصبة، فذهب المالكية إلى أن المرأة المغتصبة تستبرئ بثلاث حيض، وذهب الحنفية والشافعية إلى أنها لا عدة عليها. والراجح وجوب الاستبراء؛ خشية أن تكون حاملا.

ثالثا- زوال البكارة بالاغتصاب:

وإن كانت المغتصبة بكرا، ففي زوال وصف البكارة عنها رأيان للفقهاء:

الأول: يزول عنها وصف البكر؛ لأنها جومعت بنكاح صحيح أو فاسد أو زنا، ويدخل فيه الاغتصاب، وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعية والحنابلة.

الثاني: أن الاغتصاب لا يزيل وصف البكر، فتبقى بكرا؛ لأن البكر هي التي لم تجامع بنكاح ولا غيره، أو بفجور، كما عند أبي حنيفة، وهي عند المالكية التي لم توطأ بعقد صحيح أو فاسد جرى مجرى الصحيح.

والراجح أن المغتصبة لا يزول عنها وصف البكر، ولا تعامل معاملة الزانية، وذلك أن الزانية تفعله برضا فعوقبت، والمغتصبة مكرهة؛ فلا تعاقب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البكر:” إذنها صماتها” رواه مسلم، والمغتصبة لا يزول عنها الحياء بالاغتصاب، كما أن زوال العذرية لوثبة أو حيض أو نحو ذلك لا يزيل عنها حكم البكارة، وكذلك المغتصبة.

رابعا – رتق غشاء البكارة للمغتصبة:

الأصل أنه لا يجوز رتق غشاء البكارة؛ لما في ذلك من الغش والفساد، ويتأكد ذلك في حق الزانية، أما في حق المغتصبة التي لا ذنب لها، وهي المعتدى عليها، فمع الاختلاف الوارد بين الفقهاء في هذا، فإن الراجح جواز رتقه؛ وذلك لما فيه من حماية الأسر من عوامل الانهيار، وتحقيقا لمقصد الستر، المفهوم من عدة أحاديث، منها ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ومن ستر على مسلم في الدنيا؛ ستر الله عليه في الدنيا والآخرة” رواه ابن ماجه، ولغيره من النصوص والوقائع التي حث فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على الستر في حال الزنى، فما بالنا بالاغتصاب. قال الباجي:” ولا يلزم الولي أن يخبر من حال وليته إلا بما يلزم في ردها، وهي العيوب الأربعة: الجنون والجذام والبرص وداء الفرج، وأما غيره من العيوب فلا يلزمه ذلك”. وقد أفتى المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة عام 2007م، بجواز رتق غشاء البكارة المتمزق بسبب حادث أو اغتصاب أو إكراه بشرط التأكد من براءة الرحم.

خامسا – من ولدوا في السجون لمن ينسبون؟

وإذا ولدت المرأة طفلا نتيجة الاغتصاب، فإن نسبه يختلف باختلاف الأحوال، على النحو التالي:

الحالة الأولى: أن تكون المرأة المغتصبة متزوجة:

وفي هذه الحالة ينسب الولد لأبيه؛ لحديث:” الولد للفراش” رواه مسلم، ولأنه لا يعلم على وجه اليقين أن الولد جاء نتيجة الاغتصاب، فقد يكون من أبيه، إلا أن يلاعن الزوج لنفي الولد عنه؛ لتيقنه أن الولد ليس ولده، أو التأكد من كون المرأة حين سجنت لم تكن حاملا، وطلب الزوج نفي النسب عنه، دون الرجوع إلى اللعان، بل يمكن في هذه الحالة الاستعانة بالتحليل الطبي، وإذا سكت الزوج عن نفي النسب؛ إثم ديانة، ولحق النسب قضاء.

الحالة الثانية: أن تكون المرأة المغتصبة غير متزوجة:

وفي هذه الحالة لا ينسب الولد إلى المجرم المغتصب، وإنما ينسب إلى أمه، ولا مانع أن يعطى اسما ولقبا من الألقاب العامة التي لا تتصل بعائلة أو عشيرة بعينها ، وعلى الأمة أن تعتني برعاية هؤلاء كما تعتني برعاية اليتيم، بل ربما أكثر لأن اليتيم يجد من يعطف عليه، وهذا قل أن يجد من يعطف عليه، وهنا تأتي مسؤولية الدولة والمجتمع في رعايتهم وحفظهم من الضياع والتشرد.

سادسا – من نقلوا إلى دور الأيتام و أعطوا أسماء أخرى :

جريمة أخرى من جرائم نظام الاستبداد الذي لم يعرف له التاريخ مثيلا، ألا وهي أن السجان في كثير من الحالات لم يكن يترك هذا الطفل لأمه بل كان ينقل هؤلاء الأطفال الذين ولدوا من جرائم الاغتصاب الى دور الأيتام وبأسماء وهمية ومع إغفال أسماء أمهاتهم الحقيقيات ، والواجب هنا البحث من خلال التحاليل والقرائن عن أمهات هؤلاء الأطفال إن بقين على قيد الحياة ويرد كل طفل إلى أمه لترعاه وتحنو عليه كما يجب على المجتمع والدولة الإسهام في رعاية هؤلاء أيضا.

وفي حالة زوال هذا الابتلاء ورحيل الحكومات الفاسدة، فعلى من أتى بعدهم من أهل العدل أن يشكلوا لجانا لدراسة تلك الحالات، ووضع الحلول الاجتماعية، وأن تقوم الدولة برعاية تلك المغتصبات رعاية تامة، مع وضع برامج علاجية، سواء أكانت طبية أو نفسية، وأن يقوم الدعاة بتثقيف الناس وتوعيتهم وحثهم على رعاية أخواتنا المغتصبات، وأن يتقبلهم المجتمع، وأن يتعامل معهم معاملة المظلوم لا الظالم، والمجني عليه لا الجاني، وأن يوفروا كل سبل الحياة الكريمة، ذلك أضعف الإيمان في تعويضهن عما ابتلين به من البلاء العظيم.

والله أعلم

هيئة فتاوى الشأن العام

الشيخ محمد الحسن الددو أ.د/ محمد عثمان شبير د. محمد يسري د. أحمد سعيد حوا د. عبدالحي يوسف
د. رأفت الميقاتي د. فاتح آيدين د. مصطفى داداش د. بلخير طاهري د.محمد سالم الدودو
د. مسعود صبري  

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى