
ورد هذا السؤال إلى موقع الإسلام سؤال وجواب وقد تفضلوا بالاجابة عليه على النحو التالى:
السؤال:
عندما دخل علينا شهر ذو الحجة سألت عن صيغة التكبير الصحيحة وحكم التكبير الجماعي، فوجدت إجابة على الموقع الإلكتروني للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، ولكني استغربت من أمرين رأيتهما متناقضين.
أولهما:
أن الشيخ ابن باز رحمه الله أجاز استخدام الصيغة المتعارف عليها، كما فعل كل أهل العلم وهي: “الله اكبر، الله اكبر، لا إله الا الله، الله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد”، موضع استغرابي أن هذه الصيغة لم ترد في القرآن، ولم ترد في السنة، وعلى حد علمي البسيط أنه لا يجوز لنا أن نخصص قولا محددا أو ذكرا معينا في موضع معين لم يرد هذا التخصيص في الكتاب أو في السنة، وأن تخصيص هذا الذكر المعين في العيدين وعشر ذي الحجة لم يرد في القرآن أو في السنة، وإنما ورد التكبير، أي نوع من التكبير، وذكر اسم الله تعالى.
أما الأمر الثاني: فهو أن العلامة ابن باز رحمه الله حرم التكبير الجماعي، وقال عنه بدعة، ومع أنه يجيز الجهر ورفع الصوت عند التكبير، ومن الواضح أنه إذا التقى مجموعة من الناس وكبروا بصوت عالٍ دون انسجام في الصوت سيحدث هذا ضجة وازعاج، واستدل شيخنا رحمه الله على ابتداع هذا الأمر بأنه لم يرد في القرآن، ولم يرد في سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مع أن صيغة التكبير كذلك لم ترد في القرآن وفي السنة النبوية، فلماذا أفتى الشيخ رحمه الله باستحباب الاول وتحريم الثاني؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
روى ابن أبي شية في مصنفه (5651) عن عبد الله بن مسعود ” أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.
وروى ابن أبي شيبة (5653) عن شريك، قال: “قلت لأبي إسحاق: كيف كان يكبر علي، وعبد الله؟ قال: كانا يقولان: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.
قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (2/ 292): “قيل لأحمد، – رحمه الله -: بأي حديث تذهب، إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع؛ عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود – رضي الله عنهم” انتهى.
ثم قال: “وصفة التكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وهذا قول عمر، وعلي، وابن مسعود. وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وإسحاق، وابن المبارك، إلا أنه زاد: على ما هدانا. لقوله: لتكبروا الله على ما هداكم [الحج: 37].
وقال مالك، والشافعي، يقول: الله أكبر الله أكبر ثلاثا؛ لأن جابرا صلى في أيام التشريق، فلما فرغ من صلاته، قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. وهذا لا يقوله إلا توقيفا.
ولأن التكبير شعار العيد، فكان وترا، كتكبير الصلاة والخطبة” انتهى.
وعليه، فلا إشكال في اعتماد هذه الصيغة من التكبير مع عدم ورودها في الكتاب والسنة، لثبوتها عن الصحابة رضي الله عنهم.
على أنها وردت أيضا في السنة فيما رواه الدارقطني (1737) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ يُقْبِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: (عَلَى مَكَانِكُمْ) وَيَقُولُ: (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ , لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ , اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ)؛ فَيُكَبِّرُ مِنْ غَدَاةِ عَرَفَةَ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
لكنه ضعيف جدا كما قال الألباني في “إرواء الغليل” (3/ 125).
ثانيا:
لم يرد التكبير الجماعي بصوت واحد في السنة ولا عن الصحابة رضي الله عنهم، ولهذا قال من قال من أهل العلم إنه بدعة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “وصفة التكبير المشروع: أن كل مسلم يكبر لنفسه منفردا ويرفع صوته به حتى يسمعه الناس فيقتدوا به ويذكرهم به.
أما التكبير الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة – اثنان فأكثر – الصوت بالتكبير جميعا يبدءونه جميعا وينهونه جميعا بصوت واحد وبصفة خاصة.
وهذا العمل لا أصل له، ولا دليل عليه، فهو بدعة في صفة التكبير ما أنزل الله بها من سلطان، فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )؛ أي مردود غير مشروع.
وقوله: (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) والتكبير الجماعي محدث فهو بدعة، وعمل الناس إذا خالف الشرع المطهر وجب منعه وإنكاره؛ لأن العبادات توقيفية لا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة، أما أقوال الناس وآراؤهم فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية، وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات، وإنما تثبت العبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي.
والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية وهي التكبير فرادى.
وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه: سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله، وأصدر في ذلك فتوى، وصدر مني في منعه أكثر من فتوى، وصدر في منعه أيضا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبدالله التويجري رحمه الله رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه، وهي مطبوعة ومتداولة، وفيها من الأدلة على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي -والحمد لله-.
أما ما احتج به الأخ الشيخ أحمد من فعل عمر رضي الله عنه والناس في منى: فلا حجة فيه؛ لأن عمله رضي الله عنه وعمل الناس في منى ليس من التكبير الجماعي، وإنما هو من التكبير المشروع؛ لأنه رضي الله عنه يرفع صوته بالتكبير عملا بالسنة وتذكيرا للناس بها فيكبرون، كل يكبر على حاله، وليس في ذلك اتفاق بينهم وبين عمر رضي الله عنه على أن يرفعوا التكبير بصوت واحد من أوله إلى آخره، كما يفعل أصحاب التكبير الجماعي الآن.
وهكذا جميع ما يروى عن السلف الصالح -رحمهم الله- في التكبير: كله على الطريقة الشرعية، ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل” انتهى من “فتاوى ابن باز” (13/ 22).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” ما حكم التكبير الجماعي في أيام الأعياد، وما هي السنة في ذلك؟
فأجاب: الذي يظهر أن التكبير الجماعي في الأعياد غير مشروع، والسنة في ذلك أن الناس يكبرون بصوت مرتفع؛ كل يكبر وحده” انتهى من “فتاوى ابن عثيمين” (16/ 268).
وقال: ” المشروع أن لا يكبر الناس جميعاً، بل كل يكبر وحده. هذا هو المشروع كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنهم كانوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحج، فمنهم المهلّ، ومنهم المكبر، ولم يكونوا على حال واحد” انتهى من “فتاوى ابن عثيمين” (16/ 260).
وما ذكرت من حصول الضجة إذا كبر كل إنسان وحده، لا محذور فيه، وأما الإزعاج فلا يسلّم، فكلٌ ينشغل بتكبيره.
قال البخاري في صحيحه: ” وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى، فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ المَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ، وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ، حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا” انتهى.
قال الحافظ في “الفتح” (2/ 462): ” قوله: “وكان عمر يكبر في قبته بمنى إلخ” وصله سعيد بن منصور من رواية عبيد بن عمير، قال: كان عمر يكبر في قبته بمنى، ويكبر أهل المسجد، ويكبر أهل السوق، حتى ترتج منى تكبيرا، ووصله أبو عبيد من وجه آخر بلفظ التعليق، ومن طريقه البيهقي.
وقوله: “ترتجَّ” بتثقيل الجيم؛ أي: تضطرب وتتحرك، وهي مبالغة في اجتماع رفع الأصوات” انتهى.
والحاصل:
أن التكبير بالصيغة المعهودة ثابت عن الصحابة رضي الله عنهم، بخلاف التكبير الجماعي.
والله أعلم.
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
517004