ورد إلى المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث هذا السؤال:
السؤال:
إلى من تلجأ المرأة المسلمة في بلاد الغرب عند وجود مشاكل عائلية وخلاف مع الزوج؟
المفتي: المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث:
الجواب:
الأصل في المجتمع المسلم أنه مجتمع متضامن في أموره كلها، يأخذ بعضه بيد بعض، ويعين قويه ضعيفه، ويعلم عالمه جاهله، وينتصر للمظلوم، ويأخذ على يد الظالم يمنعه من الظلم. كما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا» فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: «تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ»([1])
وفي حالة الشقاق والخلاف العائلي حين يستفحل بين الزوجين ولا يستطيعان حل مشاكلهما الخاصة بالتفاهم والتراضي، فإن على المجتمع المسلم أن يتدخل بتعيين (محكمة عائلية) مكونة من حكمين أي شخصين من أهل الرأي والمكانة والقدرة على الحكم، يجتهدان في الإصلاح بينهما ما وجدا إلى ذلك سبيلاً، وإلا حكما بالتفريق بينهما، وينفذ ذلك قضاء، كما حدث في زمن الصحابة رضي اللَّه عنهم([2]).
يقول تعالى مخاطبًا جماعة المسلمين: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ النساء: 35.
ونظرًا لأن الزوجين في الحالة المسؤول عنها، يعيشان في مجتمع غير مسلم، فالمطلوب من الجالية المسلمة في كل مدينة فيها وجود ظاهر للمسلمين أن يكون لهم (مجلس تحكيم) أو (مجلس إصلاح)، يتكون من ثلاثة مثلًا من عقلاء المسلمين وثقاتهم المأمونين على أسرار الناس، ممن عرفوا بحصافة الرأي ومتانة الخلق وقوة الدين ورضاء الناس عنهم، ويكون أحدهم ممن له معرفة بأحكام الشرع دون تزمت ولا تسيب، وتعرض عليهم هذه المشاكل لينظروا فيها، ويحاولوا التوفيق والإصلاح ما استطاعوا، ويضعوا لذلك الضوابط ويلزموا بذلك الطرفين، وعلى الجميع أن يساعدهم على ذلك، حتى يستقيم أمر الجماعة المسلمة، وفي الحديث عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « فإنَّ يدَ اللَّهِ على الجماعةِ فإنَّ الشَّيطانَ معَ من فارقَ الجماعةَ يركضُ»([3])
فإن لم يُـجْدِ التوفيق والإصلاح مع المحاولة الجادة والنية الصالحة، فليس أمامهم إلا أن ينصحوا بالفراق بالمعروف والتسريح بإحسان، كما أمر اللَّه تعالى، وقد قيل: (إن لم يكن وفاق ففراق)، وأبغض الحلال إلى اللَّه الطلاق. ولكنه قد يكون ضرورة في بعض الأحيان. وآخر الدواء الكي.
([1]) أخرجه البخاري (رقم: 2312، 6552) من حديث أنس بن مالك.
([2]) ثبت ذلك من قبل عبداللَّه بن عبَّاس ومعاوية بن أبي سفيان في خلافة عثمان، كما ثبت من قول علي بن أبي طالب وقضائه. روى ذلك عبدالرزاق الصنعاني في «تفسيره» (1/158-159) وغيره.
([3]) حديث صحيح، أخرجه النسائي (رقم: 4020) من حديث عرفجة الأشجعي.