الفتاوىهيئة فتاوى الشأن العام

أحكام المشاركة في تجويع أهل غزة

السادة العلماء:

ما الحكم الشرعي في تجويع أهل غزة، وما حكم الدول التي تشارك في هذا التجويع، سواء بالتعاون المباشر مع سلطة الاحتلال، أو بمنع وصول المساعدات الإنسانية من خلال إغلاق المعابر أو غيرها من الوسائل التي تحول دون إغاثة أهل غزة، في ظل هذه الحرب التي يموت فيها الناس صغارا وكبارا، وما الواجب الشرعي في مثل هذه الحالة؟

وأسوق إليكم بعض المعلومات حتى تقفوا على حقيقة تجويع أهل غزة، فوفقا للإحصائيات العالمية فإن 100% من سكان غزة (2.1) مليون يعانون انعدامًا حادًّا للأمن الغذائي، وهناك 470 ألف شخص يواجهون المجاعة الكارثية بزيادة 250% عن التقديرات السابقة، كما أن هناك نصف مليون شخص يعيشون في ظروف شبيهة بالمجاعة، ويعاني الباقون من جوع طارئ.

كما تشير الإحصائيات إلى أن 71 ألف طفل دون الخامسة بحاجة إلى علاج لسوء التغذية الحاد، مع حصول 4 أضعاف حالات الهزال في الشهرين الماضيين، وهناك مليون امرأة وفتاة يواجهن الجوع، كما أن هناك سوء تغذية حاد لـ 40% من الحوامل والمرضعات.

وتشير البيانات أن هناك قرابة المليون شخص لا يأكلون عدة أيام، مع رفع الأسعار بنسبة 3000% من الدقيق وغيره من الغذاء الأساسي، مع أزمة كبرى في المياه، حيث إن 70% من الآبار أصبحت مياهها غير صالحة للشرب. (تقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، على صفحة الأمم المتحدة).

 

 

الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فما زال الكيان الصهيوني الكافر مستمرًّا في حربه الظالمة وعدوانه الغاشم على أهل غزة بالتجويع والحصار، لتركيع أهلها وتهجيرهم القسري وإذلالهم وإجبارهم على  ترك ديارهم بعد فشله الذريع في ميادين القتال مع المجاهدين من أهل فلسطين، في ظل تواطؤ وخذلان من المجتمع الدولي والإقليمي، بما في ذلك الدول العربية والإسلامية التي تواطأ بعضها، وتخاذل بعضها عن النصرة الواجبة شرعًا تجاه إخوانهم في الدين واللغة والأرض.

 وفي ظل تلك الإبادة الجماعية والتهجير القسري تظهر أحكام فقهية تتعلق بهذا التجويع الظالم والمشاركة فيه، نوجزها فيما يلي:

أولا– يحرم تواطؤ الحكومات العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني ومشاركتهم في حصار وتجويع أهل غزة، ويعد فعلهم ذلك خيانة لله ورسوله والمؤمنين، وخيانة لوظيفة الحكم والولاية على المسلمين؛ لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 27]. وأي حكومة أو دولة تشارك في ذلك بأي صورة فهي شريكة في إثم كل نفس تزهق بسبب هذا الحصار والتجويع، ويشمل هؤلاء جميعًا قول الله تعالى: {‌ومن ‌يقتل ‌مؤمنًا ‌متعمدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً} [النساء: 93].

وقد نص الفقهاء على أن من منع الطعام والشراب عن المسلمين حتى ماتوا؛ كان متسببا في القتل، وعليه القود على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، ويتأكد الحكم فيمن قصد موتهم بمنع الطعام والشراب عنهم وهو قادر على إيصاله. جاء في فقه المالكية: «إذا منع شخص شخصا ‌من ‌الطعام ‌حتى ‌مات فإنه يقتص منه» «لوامع الدرر في هتك أستار المختصر” 13/ 28″، وفي «المهذب في فقه الإمام الشافعي – الشيرازي» (3/ 176):«وإن حبسه ‌ومنعه ‌الطعام ‌والشراب مدة لا يبقى فيها من غير طعام ولا شراب فمات وجب عليه القود لأنه يقتل غالباً».

 

ثانيا– يحرم شرعا سكوت بعض الحكومات غير المتواطئة مع الكيان الصهيوني ؛ لعدم إنكارهم المنكر بناء على سلطتهم؛ لأن الواجب عليهم دفع الظلم عن المستضعفين بالقوة والسلطة، ومن العلماء بالبيان والإيضاح، وفي الحديث: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.

ثالثا–  يحرم على الحكومات التي لها حدود مع فلسطين المحتلة إغلاق المعابر أو إعاقة إيصال المساعدات بأي حجة كانت، والواجب فتح المعابر وتيسير وصولها بلا قيد ولا شرط، ولا اعتبار لأي مانع في ذلك مهما كان؛ لأن هذا منكر لا يرضاه الله، والواجب عليهم إنكار المنكر لا فعله أو المشاركة فيه، كما يجب شرعا كسر الحصار وإيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة ؛ إنقاذا لأرواحهم بكل وسيلة ممكنة، برا وبحرا وجوا، ولو خالفت القوانين أو التعليمات من الحكومات.  وقد اختلف العلماء هل من شرط تغيير المنكر إذن الحاكم أم لا؟ وفرق الشيخ محمد عبده – رحمه الله- بين النهي عن المنكر وتغيير المنكر، فإن النهي عن الشيء إنما يكون قبل فعله وإلا كان رفعا للواقع أو تحصيلا للحاصل، أما بعد حصول المنكر، فيجب تغيير ذلك ومنعه منه بالفعل إن استطاع، فالقدرة والاستطاعة هنا مشروطة بالنص. «راجع: تفسير المنار» (4/ 29).

رابعا– يجب شرعًا على كل قادر دفع المجاعة الواقعة على أهل غزة قدر المستطاع، على الأفراد والمؤسسات والحكومات، وأن تُبذل الأموال في سبيل ذلك من الزكاة وغيرها وجوبا كفائيًّا على الأمة، ووجوبًا عينيًّا على كل قادر مستطيع.

وفي الحديث:” في المال حق سوى الزكاة” رواه ابن أبي شيبة ، وعن علي بن أبي طالب:” إن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم،  فإن جاعوا أو عروا وجهدوا، حق على الله أن يحاسبهم”، وقد ورد عن أنس أن النبي -ﷺ- قال: ليس المؤمن يبيت شبعان وجاره طاوٍ”. قال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن. وقد ورد عن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان – أو قال: حين- وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة، يقول، يا رب! هذا أغلق بابه دوني، فمنع معروفه”. رواه البخاري في الأدب المفرد.

وقد ثبت أنه كان من شيم النبي – صلى الله عليه وسلم- التعاون في دفع الجوع حتى عن الأعداء، وأنه – صلى الله عليه وسلم – كتب إلى ثمامة أن يمدهم بالغذاء، وقد “بعث خمسمائة دينار إلى مكة حين قحطوا، وأمر بدفع ذلك إلى أبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية؛ ليفرقا على فقراء أهل مكة، فقبل ذلك أبو سفيان وأبى صفوان وقال: ما يريد محمد بهذا إلا أن يخدع شبابنا، ولأن صلة الرحم محمودة عند كل عاقل وفي كل دين، والإهداء إلى الغير من مكارم الأخلاق، وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فعرفنا أن ذلك حسن في حق المسلمين والمشركين جميعا”. (شرح كتاب السير الكبير، للسرخسي، ج ١ ص ٧٠).

كما ثبت في كتب السيرة قصة عقلاء أهل مكة من المشركين الذين تعاهدوا على رفع الحصار الغاشم عن بني هاشم والذي دام ثلاثة أعوام، فإن كان ذلك فعل شرفاء الجاهلية من الكفار، فهو أوجب في حق كل مسلم تجاه إخوانهم المسلمين.

والله أعلم

صادر عن هيئة فتاوى الشأن العام

تحريرا في 2025/8/13

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى