د.مسعود صبريمقالات وأبحاث

الحرية الفقهية

مقدمة :

يطرح كثير من المثقفين تساؤلًا يتكرر في الأوساط الفكرية والدينية: هل كل ما يتعلق بحياة الإنسان يجب أن يُقاس بميزان الحلال والحرام؟ وهل أحاطت الشريعة بأفعال الإنسان حتى ضيّقت عليه مساحة الحركة والاختيار؟ يبدو هذا التساؤل للوهلة الأولى وجيها، خاصة حين يتصوّر البعض أن التدين يعني العيش في دائرة ضيقة من الأوامر والنواهي. غير أن التأمل العميق في التشريع الإسلامي يكشف صورة مغايرة تمامًا؛ فالإسلام لم يأتِ ليكبّل الإنسان، بل جاء ليمنحه أوسع مساحات الحرية الفقهية، وليضع ضوابط محدودة تُصان بها المصالح وتُدرأ بها المفاسد.

فالفقه الإسلامي، بعبقريته في تنظيم حياة البشر، اختصر مليارات الأفعال الإنسانية في خمسة أحكام تكليفية فقط، وجعل أوسعها نطاقًا حكم الإباحة، حتى أصبح المباح هو الأصل في حياة الإنسان، بينما لا تمثل الواجبات والمحرمات إلا مساحة صغيرة مقارنةً بما تركه الشرع واسعًا رحبًا. وهذا المنهج الفقهي الراسخ هو الذي يصنع التوازن بين ضبط السلوك وصيانة الحقوق، وبين تمكين الإنسان من ممارسة حياته في سعة ويسر، وفق القاعدة القرآنية المحكمة: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى