أصول الفقهالفتاوىفتاوى المجامعمجمع الفقه بالهند

الضرورة والحاجة الشرعيتان  

إن الشريعة الإسلامية لاتختص بزمان دون زمان ولابأمة دون أمة ولابدولة دون دولة، بل يجب العمل بها علي المسلمين حكومات وشعوبا إلي بوم القيامة، وتطبيق الشريعة الإسلامية كما يجب علي الدول التي يحكمها المسلمون، يجب كذلك علي ا لجاليات الإسلامية القاطنة في الدول غير الإسلامية أيضا.

والحكومة في عصرنا الحاضر لاينحصر نطاق عملها في مجالات معينة بل يتوسع ويشمل جميع شعب الحياة وتعتبر التشريع والتخطيط والهيمنة في كل مجال من  مجالات الحياة حقها وواجبها، من جراء ذلك أصبح المسلمون الذين يعيشون تحت النظام الغربي للحياة وفي البيئة السائدة له (وبخاصة الدول غير الإسلامية) في ضيق وكآبة شديدة ، وأصبح من الصعب والعسير عليهم العمل بعديد من أحكام الإسلام لآجل قوانين الحكومة ، فإذا تركوا أحكام الشرع لأمتهم أنفسهم، وأقلقهم قلقا شديدا خوف  عذاب الآخرة، وإذا عملوا بها واجها ضيقا شديدا، ومنعتهم من ذلك قوانين العصر، وخرج عن نطاق سيطرتهم عديد من مجالات الحياة.

وفي هذه الظروف الراهنة مست الحاجة بشدة إلي توضيح توجيهات ومبادئ أساسية في ضوء أصول الشريعة من رفع الحرج ودفع الضرر والضرورة، والاضطرار، يمكن  علي أساسها للعلماء التوصل إلي حلول صحيحة لقضايا الحاجة وعموم البلوي في العصر الراهن، وإخراج الأمة من المأزق الشديد والضيق في القضايا والمشكلات إلي مايجوزه الشرع في ضوء أصوله وقواعده، والتيسير للمسلمين في الإطار الشرعي، وسد الباب كذلك في وجه خطر الإباحية والاستغلال السئ لأصول الضرورة والحاجة الشرعية.

 وفيما يلي نقدم قرارات هذه الندوة مصنفة حسب المجاور:

المحور الأول

وفي هذا الصدد قررت الندوة ما يلي:

1 ـ المصالح خمسة أساسا وهي مقصود احكام الشرع، وهي حفظ الدين والنفس (بما فيه العرض) والنسل والعقل والمال، وإن الخلل في قيام هذه المصالح يوقع في الحرج والشدة التي تصل إلي حد الضرورة.

2 ـ الضرورة يترتب عليها فقد النفس أو عضو من الأعضاء أو أن ينزل بالإنسان من الشدة ما لا يستطيع احتماله.

والحاجة هي صيرورة الحياة معها عسرة يشق علي الإنسان احتمالها من غير استحالة لاحتمالها.

3 ـ فرق الفقهاء في الأحكام بين الضرورة والحاجة وحاصل ذلك نه علي أساس الضرورة يقع الاستثناء من الأحكام المنصوصة التي تثبت حرمتها فطعا، أما الحاجة إذا لم تكن عامة فيستثني بها في الأحكام التي لم تكن ممنوعة بذاتها بل إنما كان منعها سدا لباب المحرمات الأخري.

4 ـ  الحاجة إذا كانت عامة وابتلي الناس بها عامة فتنزل منزلة الضرورة، ويجوز بها الاستثناء في النصوص.

5 ـ أساس الضرورة والحاجة هو المشقة ،والمشقة شئ نسبي، ولذلك يختلف المستوي في تعيين الضرورة والحاجة  باختلاف المكان والمنطقة والظروف وقوة تحمل الناس والبلاد ذات الأغلبية المسلمة والبلاد التي يشكل فيها المسلمون أقلية، ولأجل هذا لابد من مراعاة هذا الجانب عند تعيين الضرورة والحاجة في بلاد الهند التي ليس للمسلمين فيا دور فاعل في التشريع وصنع القرار.

6 ـ إن تعيين درجة الضروة ودرجة الحاجة للأمور في العصر الراهن، أمر خطير ويتطلب حيطة ودقة نظر، لذلك يجب علماء كل عصر أن يقوموا بتعيين الأمور التي دخلت الآن في درجة الضرورة والحاجة، ويجوز بها التخفيف في الأحكام، مع مراعات ظروف وأحوال عصرهم، كما يجب كذلك أن يقوم بمثل هذا الأمر الخطير جماعة من العلماء حتي لايفتح باب الإباحية تحت ستار دفع الحرج.

7 ـ إذا كان نوع من المحرمات قد تم استثناؤه بالنص صراحة أو دلالة لم تبق حرمته، ويجب الأخذ بهذه الرخصة، أما الصور الأخري التي يثبت التيسير أو الرخصة فيها بالنص أو باجتهاد الفقهاء فيرفع الإثم فيها فقط.

8 ـ التيسير الثابت بالضرورة أو الحاجة يكون بمثابة الاستثناء كما تقتضية الأصول مبدئيا.

المحور الثاني  

تثبت الرخصة والجواز بالضرورة في حقوق العباد والمعاملات وجميع الأبواب الفقهية غير الأمرو المحرمة لذاتها من قبيل حق العبد وقتل النفس والزنا، ونطاق أثر الرخصة مختلف حسب التفصيل التالي:

1ـ إذا كانت الأحكام من قبيل المأمورات ولايبطل من عدم الامتثال بها الاحق الشارع فقط مثل كلمة الكفر فعند الاضطرار تثبت رخصة ارتكابها مع بقائها محرمة، أي تبقي الحرمة ويرفع الإثم.

2ـ إذا كانت الأحكام من قبيل المنهيات ،ولايبطل منهاإلا حق الشارع فقط مثل أكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر، فهذه الأمور تكون مباحة عند الاضطرار أي يرفع الإثم والحرمة، ويجب العمل بالمحظور.

3ـ إذا كانت الأحكام من قبيل المنهيات ويبطل بها حق العبد مثل قتل النفس بغير حق ،والزنا ،وإتلاف مال المسلم ، فلها نوعان:

 (أ) إذا كان تلافي حق العبد ممكنا مثل إتلاف مال المسلم فإن تلافيه ممكن بالضمان، فعند الاضطرار تثبت الرخصة مع بقاء الحرمة.

(ب)ولكن إذا لم يكن تلافي ماتلف من حق العبد مثل القتل والزنا فلا تثبت الرخصة لها عند الاضطرار، ويحرم العمل بها.

 

المحور الثالث:

قد تؤثر الحاجة أيضا  في إباحة المحرمات مثل الضرورة، وفي بعض الأحيان تنزل الحاجة منزلة الضرورة، ولكن له بعض القيود والحدود، يلزم مراعاتها:

(أ)إذاكا ن القصد في الحاجة المبيحة للمحرمات دفع الضرر لاجلب المنفعة، فإنه لايجوز العمل الحرام لجلب المنفعة فحسب

(ب) إذا كان القصد في الحاجة دفع المشقة غير العادية، فإن المشقة التي توجد عامة في جميع الأعمال البشرية والأحكام الشرعية لاتدخل في إطار الحاجة المعتبرة.

(ج) إن لم يوجد البديل المشروع لحصول القصد، أو كان البديل موجودا ولكن لايخلو من مشقة شديدة.

(د) ماثبت بالحاجة يقدر بقدرها، فلايجوز التوسع فيها

(هـ) يجب أن لايلزم بدفع مفسدة ترتب مفسدة أكبر منها.

(و) أن تكون الحاجة حقيقية لامتوهمة.

المحور الرابع:

يلزم توافر الشروط التالية في الضرورة المعتبرة لإباحة المحظورات:

1ـأن تكون الضرورة واقعة بالفعل فلا يعتبر باحتمال وقوعها في المستقبل.

2ـ أن لايكون لها بديل مشروع ومقدور عليه.

3ـأن يكون خوف الهلاك أو الضياع قطعا أومظنونا بالظن الغالب.

4ـ أن يتم بارتكاب المحرمات رفع الضرر الشديد قطعا وبعد م ارتكابها وقوعه قطعا.

5ـ أن لايتجاوز قدر الضرورة.

6ـأن لايؤدي العمل بها إلي وقوع مفسدة مماثلة أو أشد منها.

 

المحور الخامس:

1ـ هناك أسباب عديدة للضرورة والحاجة التي تثبت بهما الرخصة والتيسير في كثير من أحكام الشرع، وهي التي يسميها الفقاء أسباب الرخصة أو أسباب التخفيف، وهي سبعة حسب القول المشهور:

السفر والمرض والإكراه والنسيان والجهل والعسر وعموم البلوي.

2ـ في الأحكام المبنية علي “العرف وعموم البلوي” تكون “الضرورة والحاجة” ورفع الحرج ملحوظة بعامة، مع أن نطاق العرف وعموم البلوي والأحكام المبنية عليها في الفقه أوسع.

 

المحور السادس:

1ـ اتفقت كلمة المشاركين في الندوة علي أن الحرج والضيق العام والحاجة العامة في أمر ماتنزل بعض الأحيان منزلة الضرورة والاضطرار، ويكون الحرام والممنوع بماحا عند الضرر غير العادي والضيق الشديد.

2ـ إن الأمور المحرمة بالنصوص الشريعة إذا وقعت الحاجة العامة والحرج والضيق العام في أي أمر منها فاستثناؤها من الحرمة المنصوصة بتنزيلها منزلة الضرورة أمر بالغ الخطر ومسؤوليته عظيمة، فإن جميع  الحاجات الاجتماعية والدينية لاتكون متساوية الدرجة، بل يكون بعضها مختلفا عن البعض الاخر في نطاقها ولزومها، فلابد من الدراسة المعمقة والوافية قبل تعيين الحكم الشرعي للحاجا ت الاجتماعية.

3ـ إذا كانت الحاجة العامة بلغت بحيث عسر علي الناس تجنبها ولايوجد البديل المشروع والصالح للعمل، أو لايمكن العدول عنها للإلزام القانوني فبناء علي ذلك يثبت جوار العمل بها مع بقاء الحرمة المنصوصة مادامت الحاجة عامة.

3ـ وقبل إصدار الحكم بشأن مثل هذه الحاجة الاجتماعية لابد من إجراء دراسة عميقة لها، ويلزم فيها الاستعانة والاسترشاد بخبراء القانون والاجتماع حسب  الضرورة، فإذا كانت الحاجة الاجتماعية متعلقة بمجال من مجالات الحياة لزم أولا استيفاء المعلوما ت اللازمة حوله من أصحاب الاختصاص في ذلك المجال ثم قيام العلماء الربانيين ذوي البصيرة والعلم بمقاصد الشريعة وأحكامها بتعيين اأن الحاجة الفلانية بلغت بحيث إذا صرف النظر عنها أصاب الأمة المسلمة الضرر الشديد حالا أو مستقبلا، ولذا فينبغي جوازها.

5ـ إن الأمور التي تعرض فيها ضرورة التخصيص في النصوص أو الاستثناء نظرا إلي الحاجة العامة لابد أن يقررها عدد صالح من العلماء والفقهاء بتساورهم ومداولاتهم الجماعية في ضوء مقاصد الشريعة وأحكامها والأصول والقواعد الفقهية، بدلا من أن يقررها أفرادا عل يالمستوي الفردي، لأن الجهد الجماعي هو الأحوط في مثل هذه الأمور الخطيرة المهمة.

 

قرارات وتوصيات
الندوة السابعة
لمجمع الفقه الإسلامي بالهند دار العلوم ماتلي والا ــ ولاية غوجرات ( الهند)
26ـ29 رجب 1415هـ
30 ديسمبر 1994م ــ 2 يناير 1995م
القرارات رقم : 31 ــ 32

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى