الحمد لله وحده والصلاة والسلم على من لا نبي بعده. أما بعد:
لقد درس المجمع الفقهي الإسلامي مسألة اختلاف المطالع في بناء الرؤية عليها، فرأن أن الإسلام بني علي أنه دين يسر وسماحة، تقبله الفطرة السليمة، والعقول المستقيمة، لموافقته للمصالح، ففي مسألة الأهلة، ذهب إلى إثباتها بالرؤية البصرية لا على اعتمادها على الحسبا، كما شهد به الأدلة الشرعية القاطعة، كما ذهب إلي اعتبار اختلاف المطالع، لما في ذلك من التخفيف علي المكلفين مع كونه هو الذي يقتضية النظر الصحيح، فما يدعيه القائلون من وجوب الأتحاد في يومي الصوم والإفطار مخالف لما جاء به شرعا وعقلا، أما شرعا فقد أورد أئمة الحديث، حديث كريب، وهوأن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلي معاوية بالشام قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، فاستهل علي شهر رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ثم ذكر الهلال فقال: متي رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت نعم ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتي نكمل ثلاثين أو نراه فقلت: أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم في صحيحه).
وقد ترجم الإمام النووي علي هذا الحديث في شرحه علي صحيح مسلم بقوله (باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد، لا يثبت حكمه لما بَعُدَ عنهم) ولم يخرج عن هذا المنهج من أخرج هذا الحديث من أصحاب الكتب الستة أبي داود والترمذي والنسائي في تراجمهم له.
وناط الإسلام الصوم والإفطار بالرؤية البصرية دو غيرها، لما جاء يف حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تصوموا حتي تروا الهلال، ولاتفطروا حتي تروه فإن غم عليهم فاقدروا له). رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. فهذا الحديث علق الحكم بالسبب، الذي هو الرؤية، وقد توجد في بلد كمكة والمدينة، ولاتوجد في بلد آخر، فقد يكون زمانها نهارًا عند آخرين، فكيف يؤمرون بالصيام أو الإفطار؟ أفاده في بيان الأدلة في إثبات الأهلة ـ وقد قرر العلماء من كل المذاهب: أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير، فقر روي عبد البر الإجماع علي الاتراعي الرؤية فيما تباعد من البلدان: كخرسان من الأندلس، ولكل بلد حكم يخصه ـ وكثير من كتب أهل المذاهب الأربعة طافحة بذكر اعتبار اختلاف المطالع، للأدلة القائمة من الشريعة بذلك، وتطالعك الكتب الفقهية بما يشفي الغليل.
وأما عقلاء: فاختلاف المطالع لااختلاف لأحد من العلماء فيه لأنه من الأمور المشاهدة، التي يحكم بها العقل، فقد توافق الشرع والعقل على ذلك، فهما متفقان على بناء كثير من الأحكام على ذلك التي منها أوقات الصلاة ـ ومراجعة الواقع تطالعنا بأن اختلا ف المطالع من الأمور الواقعية، وعلي ضوء ذلك قرر المجلس: أنه لاحاجة إلي الدعوة إلي توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي، لأن توحيدها لايكفل وحدتهم، كما يتوهمه كثير من المقترحين لتتوحيد الأهلة والأعياد. وان تترك قضية إثبات الهلال إلي دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية، لان ذلك أولي وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة. وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع شؤنهم هواتفاقهم علي العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شؤنهم والله ولي التوفيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المجمع الفقهي الإسلامي
قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة
الدورات :من الأولي إلي السابعة عشرة
القرارات :من الأولي إلي الثانية بعد المائة
(1398ـ 1424هـ /1977ـ2004م)