الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، قد اطلع علي ترجمة خطاب الاخ عبد القادر الهندي، الذي جاء فيه: قيامه في محاربة (الدوطة)، وهو المبلغ الذي تدفعه العروس في مجتمع الهند الإسلامي، مقابل الزواج وأن يكتفي المسلمون الهنود فقط بتدوين المهر في سجل الزواج، دون أن يدفعوه إلي الزوجة فعلا، ولقد كتبت الكثير في هذا الصدد في كثير من صحف (التاميل) الإسلامية، ثم يستطرد الأخ عبد القادر في خطابه فيقول:
ومن ثم فإن هذا الزواج حرام، كما أن المواليد الناشئين عن هذا الزواج غير شرعيين، طبقا للكتاب والسنة.
كما اطلع المجلس علي خطاب فغضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي الموجه إلي معالي الأمين العام للرابطة بتاريخ 16/3/1404هـ والذي جاء فيه: (إن قضية الدوري قضية متفشية في سكان الهند، وهي قضية الهندوس بالدرجة الأولي ـ دخلت علي المسلمين احتكاك بناتهم ببنات الهنود ـ ويحارب قادة المسلمين هذه العادة، وبدأت الحكومة الهندية كذلك تستبعد هذه العادة أخيرا. وأي أن يكفي لمجلسنا الفقهي إصدار فتوي وبيان حول هذه القضية، ينهي المسلمين عن اتباع عادة جاهلية ظالمة مثل الدوري، تسربت إليهم من غيرهم، وأرجو أن قادة السلمين في الهند جميعا إذا بذلوا جهودهم في ذلك لكان نجاحا كبيرا في إزالة هذه العادة والله ولي التوفيق
ا هـ كلامه.
وبعد أن اطلع المجلس على ماذكره قرر ما يلي:
اولا:
شكر فضيلة الشيخ أبي الحسن الندوي، وشكر الأخ عبد القادر علي ما أبدياه نحو عرض الموضوع، وعلى غيرتهما الدينية، وقيامهما بمحاربة هذه البدعة والعادة السية، والمجلس يرجو منهما مواصلة العمل في محاربة هذه العادة السيئة وغيرها من العادات السيئة ويسأل الله لهما وللمسلمين التوفيق والسداد، وأن يثبتهما على جدهما.
ثانيا:
ينبه المجلس الأخ عبد القادر وغيره، بأن هذا الزواج، وإن كان مخالفا للزواج الشرعي من هذا الوجه، إلا أنه زواج صحيح، معتبر شرعا عند جمهور علماء المسلمين ولم يخالف في صحته إلا بعض العلماء في حالة اشتراط عدم المهر، أما الأولاد الناشئون عن هذا الزواج، فهم أولاد شرعيون، منسوبون لآبائهم، وأمهاتهم نسبة شرعية صحيحة، وهذا بإجماع العلماء، حتي عند الذثين لايرون صحة النكاح، المشروط فيه عدم المهر فقد صرحوا في كتبهم بإلحاق الأولاد بآئهم وأمهاتهم بهذا الزواج المذكور.
ثالثا:
يقرر المجلس: أن هذه العادة سيئة منكرة، وبدعة قبيحة، مخالفة لكتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، وإجماع العلماء، ومخالفة لعمل المسلمين في جميع أزمانهم.
ـ أما الكتاب: فقد قال الله تعالي {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } [الممتحنة: 10]
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء: 24]وغير ذلك من الأيات.
– وأما السنة: فقد جاءت مشروعية المهر في قوله صلي الله عليه وسلم وفعله وتقريره. فقد جاء في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن جابر ـ رضي الله عنه، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (لو أن رجلا أعطي امرأة صداقا ملء يديه طعاما، كانت له حلالا)) فقهذا من أقواله. وأما فعله؟ فقد جاء في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن عن عائشة قالت، كان صداقة لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونصف أوقية) وهذا فعله.
وأما تقريره، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلي الله عليه وسلم رأي عبد الرحمن بن عو ف أثر صفرة، فقال ماهذا؟ قال: تزوجت امرأة علي وزن نواة من ذهب قال ((بارك الله لك)). فهذا تقريره وهو إجماع المسلمين وعملهم، في كل زمان ومكان، ولله الحمد.
وبناء عليه فإن المجلس يقرر، أنه يجب أن يدفع الزوج لزوجته صداقا سواء كان الصداق معجلا، أو مؤجلا، أو بعضه معجل وبعضه مؤجل، علي أن يكون تأجيلا حقيقيا، يراد دفعه عند تيسره، وأنه يحرم أن يجري الزواج بدون صداق من الزوج لزوجته.
ويوصي المجلس بأن السنة: هو تخفيف الصداق وتسهيله، وتيسير أمر النكاح، وذلك بترك التكاليف والنفقات الزائدة، ويحذر من الإسراف والتبذير لما في ذلك من الفوائد الكبيرة.
رابعا:
يناشد المجلس العلماء والأعيان والمسؤلين في الهند وغيرهم، محاربة هذه العادة السيئة (الدوطة)، وأن يجدوا ويجتهدوا في إبطالها، وإزالتها من بلادهم، وعن ديارهم، فإنها مخالفة للشرائع السماوية، ومخالفة للعقول السليمة، والنظر المستقيم.
خامسا:
أن هذه العادة السيئة، علاوة علي مخالفتها للشرع الإسلامي، هي مضرة بالنساء ضررا حيويا. فالشباب لا يتزوجون عندئذ إلا الفتاة التي يقدم أهلها لهم مبلغا من المال يرغبهم ويغريهم، فتحظي بنات الأغنياء بالزواج، وتقعد بنات الفقراء دون زواج، ولايخفي مافي ذلك من محاذير ومفاسد.
كما أن الزواج عندئذ يصبح مبنيا علي الأغراض والمطامع المالية، لا علي أساس اختيار الفتاة الأفضل والشاب الأفضل.
والمشاهد اليوم في العالم الغربي أن الفتاة غير الغنية تحتاج أن تقضي ريبع شبابها في العمل والاكتساب، حتي تجمع المبلغ الذي يمكن به ترغيب الرجال في الزواج منها فالإسلام قد كرم المرأة تكريما، حين أوجب علي الرجل الراغب في زواجها أن يقدم هو إليها مهرا تصلح به شأنها وتهيئ نفسها، وبذلك فتح بابا لزواج الفقيرات، لأنهن لايكفيهن المهر القليل، فيسهل علي الرجال غير الأغنياء الزواج بهم.
والله ولي التوفيق.
المجمع الفقهي الإسلامي
قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة
الدورات :من الأولي إلي السابعة عشرة
القرارات :من الأولي إلي الثانية بعد المائة
(1398ـ 1424هـ /1977ـ2004م)