الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من يوم السبت 24 صفر 1408هـ الموافق 17أكتوبر 1987م إلي يوم الأربعاء 28صفر 1408 هـ الموافق 21 أكتوبر 1987م
قد نظر في موضوع الخلاف الفقهي بين المذاهب المتبعة، وفي التعصب الممقوت من بعض أتباع المذاهب لمذهب الأخري وعلمائها، استعرض المجلس المشكلات التي تقع في عقول الناشئة العصرية، وتصوراتهم، حول اختلاف المذاهب، الذي لا يعرفون مبناه ومعناه، فيوحي إليهم المضللون، بأنه مادام الشرع الإسلامي واحد، وأصوله من القرآن العظيم، والسنة النبوية الثابتة، متحدة أيضا: فلماذا اختلاف المذاهب؟ ولم لا توحد؟ حتي يصبح المسلمون أما مذهب واحد؟ وفهم واحد لأحكام الشريعة؟
كما استعرض المجلس أيضا أمر العصبية المذهبية، والمشكلات التي تنشأ عنها، ولاسيما بين أتباع بعض الاتجاهات الحديثة اليوم، في عصرنا هذا، حيث يدعو أصحابها إلي خط اجتهادي جديد، ويطعنون في المذاهب القائمة التي تلقتها الأمة بالقبول من أقدم العصور الإسلامية، ويطعنون في أئمتها، أو بعضهم ضلالا، ويوقعون الفتنة بين الناس.
وبعد المداولة في هذا الموضوع، ووقائعه، وملابساته، ونتائجه في التضليل والفتنة، قرر المجمع الفقهي: توجيه البيان التالي، إلي كلا الفريقين المضللين، والمتعصبين، تنيها وتنصيرا:
أولا: اختلاف المذاهب:
إن اختلاف المذاهب الفكرية، القائم في البلاد الإسلامية نوعان:
أ ـ اختلاف في المذاهب الاعتقادية.
ب ـ واختلاف في المذاهب الفقهية.
فأما الأول، وهو الاختلاف الاعتقادي، فهو في الواقع مصيبة، جرت إلىكوارث في البلاد الإسلامية، وشقت صفوف المسلمين، وفرقت كلمتهم، وهي مما يؤسف له، ويجب أن لا يكون، وأن تجتمع الأمة علي مذهب أهل السنة والجماعة، الذي يمثل الفكر الإسلامي، النقي السليم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم وعهد الخلافة الراشدة التي أعلن الرسول أنها امتداد لسنته بقوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ).
وأما الثاني، وهو اختلاف المذاهب الفقهية، في بعض المسائل، فله أسباب علمية، اقتضته، ولله ـ سبحانه ـ في ذلك حكمة بالغة:
ومنها الرحمة بعباده، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص، ثم هي بعد ذلك نعمه ن وتروة فقهية تشريعية، تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد حصرا لا مناص لها منه إلي غيره، بل إذا ضاق بالأمة مذهب أحد الأئمة الفقهاء في وقت ما، أو أمر ما، وجدت في المذهب الآخر سعة ورفقا ويسرا، سواء أكان ذلك في شئون العبادة، أم في المعاملات، وشئون الأسرة، والقضاء والجنايات، على ضوء الأدلة الشرعية.
فهذا النوع الثاني من اختلاف المذاهب، وهو الاختلاف الفقهي، ليس نقيصة، ولا تناقضا في ديننا، ولا يمكن أن لا يكون، فلا يوجد أمة فيها نظام تشريعي كامل بفقهه واجتهاده ليس فيها الاختلاف الفقهي الاجتهادي.
فالواقع أن هذا الاختلاف، لا يمكن أن لا يكون، لآن النصوص الأصلية أكثيرا ماتحتمل أكثر من معني واحد، كما أن النص لا يمكن أن يستوعب جميع الوقائع المحتملة، لأن النصوص محدودة، والوقائع غير محدودة، كما قال جماعة من العلماء ـ رحمهم الله تعالي ـ فلا بد من اللجوء إلي القياس، والنظر إلى علل الأحكام، وغرض الشارع، والمقاصد العامة للشريعة، وتحكيمها في الواقائع والنوازل المستجدة. وفي هذا تخلتف فهوم العلماء، وترجيحاتهم بين الاحتمالات، فتختلف أحكامهم في الموضوع الواحد، وكل منهم يقصد الحق، ويبحث عنه، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطاء فله أجر واحد، ومن هنا تنشأ السعة ويزول الحرج.
فأين النقيصة في وجود هذا الاختلاف المذهبي، الذي أوضحنا ما فيه من الخير والرحمة، وأنه في الواقع نعمة، ورحمة من الله بعباده المؤمنين، وهو في ا لوقت ذاته، ثروة تشريعية عظمي، ومزية جديرة بأن تتباهي بها الأمة الإسلامية.
ولكن المضللين من الأجانب، الذين يستغلون ضعف الثقافة الإسلامية لدي بعض الشباب المسلم، ولاسيما الذين يدرسون لديهم في الخارج، فيصورون لهم اختلاف المذاقب الفقهية هذا كما لو كان اختلافا اعتقاديا، ليوجوا إليهم ظلما وزورا بأنه يدل على تناقض الشريعة، دون أن ينتبهوا إلي الفرق بين االنوعين وشتان مابينهما.
ثانيا:
وأما تلك الفئة الأخرى، التي تدعو إلى نبذ المذاهب، وتريد أن تحتمل الناس على خط اجتهادي جديد لها، وتطعن في المذاهب الفقهية القائمة، وفي أئمتها أو بعضهم، ففي بياننا الآنف عن المذاهب الفقهية، ومزايا وجودها وأئمتها مايوجب عليهم أن يكفوا عن هذا الأسلوب البغيض الذي ينتهجو نه، ويضللون به الناس، ويشقون صفوفهم، ويفرقون كلمتهم في وقت نحن احوج ما نكون إلي جمع الكلمة في مواجهة التحديات الخطيرة من أعداء الإسلام، بدلا من هذه الدعوة المفرقة التي لا حاجة إليها.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
المجمع الفقهي الإسلامي
قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة
الدورات :من الأولي إلي السابعة عشرة
القرارات :من الأولي إلي الثانية بعد المائة
(1398ـ 1424هـ /1977ـ2004م)