الطب المعاصرالفتاوىفتاوى المجامعمجمع البحوث الإسلامية

الانتفاع بجلد الحيوان لتغطية آثار الحريق

ناقش المجلس- بجلسته التاسعة في دورته التاسعة والعشرين التي عقدت بتاريخ 5 من ذي الحجة 1413هـ الموافق 27 من مايو 1993م- الفتوى المقدمة من لجنة البحوث الفقهية بشأن: الانتفاع بجلد الحيوان لتغطية آثار الحريق.

وقرر: الموافقة على ما جاء بهذه الفتوى، وهو:

الانتفاع بجلد الحيوان لتغطية آثار الحريق:

 

طلبت الجمعية المصرية لجراحي التجميل- قسم الجراحة العامة بكلية طب قناة السويس- إصدار فتوى في شأن: استخدام جلد بعض الحيوانات لتغطية آثار الحروق “صحيفة الوفد الصادرة في 18 من ذي القعدة 1407 هـ الموافق 14 من يوليه 1987م”.

وقد عرض هذا الموضوع على لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية، وبعد المداولة فيه في عدة جلسات أصدرت اللجنة الفتوى بالنص الآتي:

“الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد بن عبد الله جاء بالحق والرشاد والكتاب المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين . . وبعد”

ففي فقه المذهب الحنفي: أن ما يطهر جلده بالدباغ يطهره بالذكاة؛ لأنها تعمل عمل الدباغ في إزالة الرطوبات النجسة؛ وكذلك يطهر لحمه هو الصحيح وإن لم يكن مأكولا.

وعلق الكمال بن الهمام فقال: “قوله: وكل إهاب دبغ فقد طهر” يتناول كل جلد يحتمل الدباغة لا ما لا يحتمله، فلا يطهر جلد الحية والفأرة به كاللحم، وعند محمد: لو أصلح مصارين شاة ميتة، أو دبغ المثانة وأصلحها طهرت، وقال أبو يوسف: هي كاللحم”.

وفي فقه المذهب المالكي: أن الطاهر ميت حيوان لا دم له، وميت الحيوان البحري إن لم تطل حياته في البر كالحوت؛ بل ولو طالت حياته ببر كتمساح وضفدع وسلحفاة بحرية.. ومن الطاهر حيوان ذكى ذكاة شرعية؛ إلا محرم الأكل كالخيل والبغال والحمير والخنزير؛ فإن الذكاة لا تنفع فيه.. والنجس: ما أبين ” أي: انفصل” حقيقة أو حكمًا من حيوان نجس الميتة “حي أو ميت” من قرن وعظم وظلف وظفر وعاج وقصبة ريش وجلد إذا لم يدبغ؛ بل ولو دبغ فلا يؤثر دبغه طهارة في ظاهره ولا باطنه، وخبر: “أيما إهاب دبغ فقد طهر” ونحوه محمول عندنا في مشهور المذهب على الطهارة اللغوية، وهو النظافة؛ ولذا جاز الانتفاع به “فيما أشير إليه” ورخص فيه “أي: في جلد الميتة” مطلقًا- سواء من جلد مباح الأكل أو محرمه في يابس وماء- إلا من خنزير فلا يرخص فيه مطلقًا ذكي أم لا ؛ لأن الذكاة لا تعمل فيه إجماعًا.

وفي فقه الشافعية: أنه إذا ذبح حيوان يؤكل لم ينجس بالذبح شيء من أجزائه، ويجوز الانتفاع بجلده، وشعره، وعظمه، ما لم يكن عليها نجاسة؛ لأنه جزء طاهر من حيوان طاهر مأكول؛ فجاز الانتفاع به بعد الذكاة كاللحم، وإن ذُبح حيوان لا يؤكل، نجس بذبحه كما ينجس بموته؛ لأنه لا يبيح أكل اللحم فنجس به؛ كما ينجس بالموت كذبح المجوسي.

“إذا طهر الجلد بالدباغ جاز الانتفاع به.. وهل يجوز أكله؟

ينظر: فإن كان من حيوان يؤكل ففيه قولان: قال في ” القديم” لا يؤكل لقوله r: [إنما حرم من الميتة أكلها]، وقال في “الجديد”: ويؤكل؛ لأنه جلد طاهر من حيوان مأكول فأشبه جلد المذكى، وإن كان من حيوان لم يؤكل لم يحل أكله؛ لأن الدباغ ليس بأقوى من الذكاة، والذكاة لا تبيح ما لا يؤكل لحمه فلأن لا يبيحه الدباغ أولى.

وفي فقه الحنابلة: أن لا يختلف المذهب في نجاسة “جلد” الميتة قبل الدبغ ولا نعلم أحدًا خالف فيه؛ وأما بعد الدبغ فالمشهور في المذهب أنه نجس أيضًا.. ولنا ما روى عبد الله بن حكيم أن النبي r كتب إلى جهينة: [إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب] رواه أبو داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده، وقال الإمام أحمد: إسناد جيد… وهو ناسخ لما قبله؛ لأنه في آخر عمر النبي r ولفظه دال على سبق الترخيص وأنه متأخر عنه لقوله: [كنت رخصت لكم].

“ولأنه- أي: الجلد- جزء من الميتة فكان محرمًا؛ لقوله تعالى: ?حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ? [المائدة من الآية:3] فلم يطهر بالدبغ كاللحم”.. هل يجوز الانتفاع به في اليابسات؟ ففيه روايتان: إحداهما: لا يجوز لقوله: [لا تنتفعوا من الميتة بشيء]، وقوله: [لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب]، والثانية يجوز الانتفاع به لقول النبيr: [أَلاَ أخذوا إهابها فانتفعوا به!!…].

“وأما جلود السباع، فقال القاضي: لا يجوز الانتفاع بها قبل الدبغ ولا بعده…” ولنا ما روى أبو ريحان قال: “كان رسول الله r نهى عن ركوب النمور”، “وما رواه أبو داود من نهي النبي r عن لبس جلود السباع”.

“وإذا قلنا بطهارة الجلود بالدباغ لم يطهر منها جلد ما لم يكن طاهرًا في الحياة، عن أحمد على أنه يطهر، وقال بعض أصحابنا: لا يطهر إلا ما كان مأكول اللحم…” .

“ولا يحل أكله بعد الدبغ في قول أكثر أهل العلم”.

وفي فقه الإمامية أنه: لا يجوز استعمال شيء من الجلود إلا ما كان طاهرًا في حال الحياة ذكيًّا، ويستحب اجتناب ما لا يؤكل لحمه، حتى بعد ذكاته.

لما كان ذلك:

(1) فإن الحيوان البحري يكون طاهرًا حيًّا، وميتًا.

(2) الحيوان “مأكول اللحم” إذا ذبح كانت جميع أجزائه طاهرة يجوز الانتفاع بها، واستهلاكها وغيره، ما لم يمنع من ذلك مانع آخر، كنجاسة عرضت له مثلاً.

(3) إذا دبغ حيوان غير مأكول اللحم- أي: مما لا يباح أكل لحمه- فهو كالميتة نجس عند الأكثرين- وخالف في ذلك الحنفيةـ فهو كالميتة نجس تطهره، وإن لم يكن مأكولاً.

(4) ما أبين- أي: اقتطع- من حيوان حي، فله حكم ميتته في جميع أحوالها.

(5) الميتة نجسة، ويطهر جلدها بالدباغ عند بعضهم فيما عدا جلد حيوان هو في الأصل نجس أثناء حياته، وهو الخنزير عند قوم، والكلب والخنزير عند آخرين، فيجوز استعمال جلد ما عداهما دون أكله عند الجمهور.

وإذا كان ذلك، فإن اللجنة تستظهر الأخذ بالفقه الحنفي في المسألة المعروضة؛ فيجوز الانتفاع بما دبغ من جلد الميتة وغيره مما يصلح للدباغ، وبجلد الحيوان المذبوح، سواء في ذلك كله أكان الحيوان مأكول اللحم أو غير مأكول، وهذا عدا الخنزير؛ فإنه لا يطهر شيء منه بالدبغ أو الذبح، وهذا إذا كان كما جاء في السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

فتاوى مجمع البحوث الإسلامية،
القرار رقم 53

 

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى