الطب المعاصرالفتاوىفتاوى المجامعمجمع البحوث الإسلامية

نقل الأعضاء من الحي إلى الحي ومن الميت إلى الحي

ناقش المجلس- بجلسته الثامنة في دورته الثالثة والثلاثين التي عقدت بتاريخ 17 من ذي الحجة 1417هـ الموافق 24 من إبريل 1997م- موضوع: نقل الأعضاء من الحي إلى الحي ومن الميت إلى الحي.

وقرر:

(1) من المتفق عليه عند العقلاء أن شريعة الإسلام قد كرمت الإنسان روحًا وجسدًا تكريمًا عظيمًا سواء أكان حيًّا أم ميتًا.

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ علَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:70].

كذلك من مظاهر هذا التكريم أن شريعة الإسلام قد اعتبرت جسد الإنسان أمانة ائتمنه الله عليها، وأنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في هذا الجسد بما يسوءه أو يهلكه- إلا بالحق- حتى ولو كان هذا التصرف صادرًا من صاحب الجسد ذاته، قال تعالى: ?وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا`وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا?[النساء من الآية:29-30].

وفي الصحيحين عن أبي هريرة: أن رسول الله r قال: [من تردَّى من جبل فهو في نار جنهم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن وتحسَّى سمًّا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا].

كذلك من مظاهر تكريم شريعة الإسلام للإنسان أنها أمرت كل مسلم أن يهتم بإصلاح جسده بأن يستعمل كل وسائل العلاج التي تؤدي إلى شفائه من الأمراض..

ففي الصحيحين عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: “ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء، فتداووا يا عباد الله”..

(2) وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز للإنسان على سبيل الإطلاق أن يبيع عضوًا من أعضائه أيًّا كان هذا العضو؛ لأن أعضاء الإنسان ليست محلاًّ للبيع أو الشراء، وليست سلعة من السلع التي يصح فيها التبادل التجاري، وإنما جسد الإنسان بناء بناه الله تعالى، وسما به عن البيع أو الشراء، وحرم المتاجرة فيه تحريمًا قاطعًا، وكل ما يأتي عن هذا الطريق بالنسبة لجسد الإنسان فهو باطل، هذا بالنسبة للمتاجرة، بأعضاء جسد الإنسان عن طريق البيع أو الشراء.

(3) أما بالنسبة لتبرع الإنسان لغيره بعضو من أعضائه فيرى جمهور الفقهاء أن هذا التبرع جائز شرعًا إذا صرح الطبيب الثقة المتخصص أن هذا التبرع لا يترتب عليه ضرر بليغ بالشخص المتبرع لا في الحال ولا في الاستقبال؛ وإنما يترتب عليه نفع عظيم بالنسبة للمتبرع له “ونحن نميل إلى هذا الرأي”؛ لأن تبرع الإنسان بشيء من جسده لا يصدر عنه إلا في أشد حالات الضرورة لشخص عزيز عليه ومن أجل تقديم منفعة جليلة لغيره مبتغيًا بها وجه الله تعالى.

ولا شك أن هذا اللون من التبرع يمثل أسمى ألوان الإيثار الذي مدح الله- تعالى- به أصحابه بقوله: ?وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ? [الحشر الآية:9].

(4) وكما أن شريعة قد كرمت جسد الإنسان في حياته فقد كرمته- أيضًا- بعد مماته بدليل أنها نهت عن ابتذاله أو تشويهه أو الاعتداء عليه بأي لون من ألوان الاعتداء.

ومن مظاهر ذلك أنها أمرت- بعد موته- بتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، والدعاء له، ودفنه بكل خشوع واحترام.

ولقد كان من هدي النبي r أنه بعد الانتهاء من الغزو لا يترك جسد إنسان يلقى على الأرض؛ وإنما يأمر بدفنه- سواء كان هذا الجسد لمسلم أم لغير مسلم-.

(5) والموت شرعًا: مفارقة الحياة للإنسان مفارقة تامة بحيث تتوقف كل الأعضاء بعدها توقفًا تامًّا عن أداء وظائفها.. “والذي يحدد ذلك هم الأطباء”.

فإذا ما تمت هذه المفارقة التامة للحياة بالنسبة للإنسان وأقر بذلك الطبيب الثقة المتخصص فإنه في هذه الحالة- وفي أقصى حالات الضرورة- يجوز نقل عضو من أعضاء جسد الميت إلى جسد إنسان حي إذا كان هذا الإنسان الميت قد أوصى بذلك قبل وفاته كتابة، أو شهد بذلك اثنان من ورثته، وإذا لم تكن هناك وصية ولا شهادة ففي هذه الحالة يكون الإذن بالنقل دون أي مقابل؛ كما يجب- أيضًا- أن يكون العضو المنقول لا يؤدي إلى اختلاط الأنساب.

وإنما قلنا بجواز النقل من الميت إلى الحي بالضوابط السابقة بناءً على القاعدة الفقهية المشهورة وهي:”أن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف”.

والضرر الأشد هنا يتمثل في بقاء الإنسان الحي عرضة للمرض الشديد وللهلاك المتوقع.

والضرر الأخف يتمثل في أخذ شيء من إنسان ميت لعلاج إنسان حي في حاجة شديدة إلى الأخذ.

(6) هذا وما قررناه هنا من جواز نقل عضو إنسان حي إلى آخر مثله، أو إنسان ميت إلى آخر بالضوابط والشروط التي أشرنا إليها سابقًا يتفق مع فتاوى متعددة صادرة من علماء ثقاب، ومن فقهاء متخصصين في الجوانب الشرعية، منهم على سبيل المثال:

(أ) فضيلة المرحوم الشيخ حسن مأمون في فتواه المنشورة بالمجلد السابع ص2552 من “الفتاوى الإسلامية”الصادرة عن دار الإفتاء المصرية سنه 1959م.

(ب) فضيلة المرحوم الشيخ أحمد هريدي في فتواه المنشورة بالمجلد السادس ص2278 من “الفتاوى الإسلامية” الصادرة عن دار الإفتاء المصرية 1996م.

(جـ) فضيلة المرحوم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في فتواه المنشورة بالمجلد العاشر ص3702 من “الفتاوى الإسلامية” الصادرة عن دار الإفتاء المصرية سنة 1979م.

(د) فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي في كتابه “فتاوى شرعية” ص43 سنة 1989م، وفي المجلد [21] من “الفتاوى الإسلامية” ص7950.

(هـ) فتوى لجنة الفتوى بالأزهر عن هذا الموضوع سنة 1981م.

وهناك فتاوى أخرى صدرت عن علماء فضلاء، وعن مجامع فقهية في بعض البلاد الإسلامية ويضيق المجال عن ذكرها.

فتاوى مجمع البحوث الإسلامية،
القرار رقم 69

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى