الصلاةالعبادةالفتاوىفتاوى المجامعمجمع البحوث الإسلامية

صلاة الغائب على من تكون

ناقش المجلس- بجلسته السابقة- البيان الخاص بشأن: صلاة الغائب على من تكون؟

وقرر: الموافقة على البيان التالي بعد التعديلات التي أدخلت عليه:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف بشأن صلاة الغائب على من تكون؟

 

صلاة الغائب إمَّا أن تكون على غير الشهداء، وإمَّا أن تكون على الشهداء.

أما إن كانت على غير الشهداء فهي جائزة عند جمهور العلماء، ومن أدلتهم ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه “أن النبي عليه السلام نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف أصحابه، وكبر أربع تكبيرات.

وقد فصل الكلام في هذه المسألة الإمام الشوكاني في كتابه “نيل الأوطار” ج4 ص87، فقال ما ملخصه: “الصلاة على الغائب بالنية وعلى القبر”. عن جابر أن النبي عليه السلام صلى على أصحمة النجاشي، فكبر عليه أربعًا وفي لفظ قال:[توفي اليوم رجل صالح من الحبش، فهلموا فصلوا عليه]، فصفنا خلفه، فصلى رسول الله عليه ونحن صفوف.. متفق عليه.

– وروى الإمام أحمد والنسائي والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله عليه السلام قال: “إن أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه”، فقمنا كما يصف على الميت، وصلينا عليه كما يصلى على الميت.

ثم قال الإمام الشوكاني- رحمة الله-: وقد استدل بهذه القصة القائلون بمشروعية الصلاة على الغائب عن البلد.

وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف.
وذهبت الحنفية والمالكية أنها لا تشرع الصلاة على الغائب مطلقا.. واعتذر من لم يقل بالصلاة على الغائب بأعذار منها: “أن النجاشي كان بأرض لم يصل عليه بها أحد.. وأن ذلك خاص بالنجاشي؛ لأنه لم يثبت أنه صلى على ميت غائب غيره”.

ثم قال- رحمه الله-: “والحاصل: أنه لم يأت المانعون من الصلاة على الغائب بشيء يعتد به سوى الاعتذار بأن ذلك مختص بمن كان في أرض لا يصلى عليه فيها، وهو- أيضًا- جمود على قصة النجاشي يدفعه الأثر والنظر”..

وأما الصلاة على القبر فقد وردت فيها أحاديث صحيحة، منها ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله r فسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال: “أفلا آذنتموني؟”- أخبرتموني-؟ “دلوني على قبرها” فدلوه، فصلى عليها ثم قال: “إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم”.

ثم قال- رحمة الله-: ومن جملة ما اعتذر به المانعون من الصلاة على القبر أن النبي عليه السلام إنما فعل ذلك حيث صلى من ليس بأولى بالصلاة، مع إمكان صلاة الأولى.. وهذا تمحل لا ترد به هذه السنة.

 

وأما الصلاة على الشهداء الذين قتلوا وهم يقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله فجمهور الفقهاء على أنه لا يصلى عليهم، ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر رضي الله عنه أن النبي عليه السلام أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم، ولم يغسَّلوا ولم يصلِّ عليهم.

وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم.

ويرى بعض الفقهاء أنه يصلى عليهم، واستدل على ذلك بما رواه البخاري عن عقبة بن عامر  أن النبي خرج يومًا فصلى على أهل أُحد صلاته على الميت، بعد ثمان سنين “كالمودع للأحياء والأموات”.

وقد فصل الكلام في هذه المسألة الإمام ابن قدامة في كتابه “المغني” ج2 ص528 فقال ما ملخصة: “والشهيد إذا مات في موضعه- أي: في المعترك- لم يغسل ولم يصل عليه وهو قول أكثر أهل العلم، ولا نعلم في ذلك خلافًا إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب”.. والاقتداء بالنبي عليه السلام وبأصحابه في ترك غسلهم أولى.

وأما الصلاة عليهم فالصحيح أنه لا يصلى عليهم، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق، وعن أحمد رواية أخرى أنه يصلى عليهم، وهو قول الثوري وأبي حنيفة.

ثم قال الإمام ابن قدامة- رحمه الله-: ولنا ما روي عن جابر في الصحيحين “أن النبي أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم ولأنه لا يغسل مع إمكان غسله، فلم يصل عليه كسائر من لم يغسل”. وحديث عقبه بن عامر “أن النبي عليه السلام صلى على شهداء أحد” مخصوص بشهداء أحد.

إذا ثبت هذا: فيحتمل أن ترك غسل الشهيد لما تضمنه الغسل من إزالة أثر العبادة المستحسنة شرعًا… فإنه جاء عن النبي عليه السلام أنه قال: “والذي نفسي بيده، لا يكلم- أي: لا يجرح- أحد في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم، والريح ريح المسك”.

وأما سقوط الصلاة عليهم: فيحتمل أن تكون علته كونهم أحياء عند ربهم، والصلاة إنما شرعت في حق الموتى. ويحتمل أن ذلك لغناهم عن الشفاعة لهم؛ فإن الشهيد يشفع في سبعين من أهله؛ فلا يحتاج إلى شفيع، والصلاة إنما شرعت للشفاعة والدعاء.

كذلك من العلماء الذين فصلوا الكلام في هذه المسألة الشيخ عبد الرحمن الجزيري في كتابه “الفقه على المذاهب الأربعة” ج1 ص527، فقد ذكر مذاهب الفقهاء فقال ما ملخصه: الحنفية قالوا: الشهيد هو من قتل ظلمًا، سواء قتل في حرب أو قتله باغ.. وحكمه أنه لا يغسل إلا لنجاسة أصابته غير دمه، وبكفن في أثوابه بعد أن ينزع عنه ما لا يصلح للكفن كالسلاح.. ويصلى عليه.

الحنابلة قالوا: الشهيد هو من مات بسبب قتال كفار حين قيام القتال.. وحكمه: أنه يحرم غسله، والصلاة عليه، ويجب دفنه بثيابه التي قتل فيها.

المالكية قالوا: الشهيد هو من قتله كافر حربي أو قُتل في معركة بين المسلمين والكفار.. وحكمه: أنه يحرم تغسيله والصلاة عليه، ما دام لم يرفع من المعركة حيًّا؛ فإن رفع غسل وصلى عليه.

الشافعية قالوا: شهيد الدنيا والآخرة وهو من قاتل الكفار لإعلاء كلمة الله.. وشهيد الدنيا فقط وهو من قاتل للغنيمة، أو قاتل رياء.. حكمهما: أنهما يحرم تغسيلهما والصلاة عليهما، ولو كان بهما حدث أصغر أو أكبر، ولا فرق بين أن يقتل واحد من القسمين المذكورين بسلاح كافر أو مسلم خطأ.

ومما تقدم يتبين أن الصلاة على الميت الغائب الذي مات عاديًا مستحب ولا بأس به عند جمهور الفقهاء؛ وهذا ما نميل إليه ونرجحه لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك.

وأما الصلاة على الشهداء الذين قتلوا وهم يقاتلون في سبيل الله، فالرأي الراجح بين جمهور العلماء، أنهم لا يصلى عليهم؛ لأن الأحاديث الصحيحة التي وردت في ذلك أرجح من غيرها؛ ولأن هؤلاء الشهداء هم أحياء عند ربهم يرزقون، كما قال- سبحانه-: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُّقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)
[البقرة الآية:154]

وكما قال: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون`فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
[آل عمران الآيتان:170،169].

وفضلاً عن كل ذلك فإنه لم يثبت عن النبي r أنه صلى على الشهداء الذين قتلوا في عهده خارج المدينة المنورة، كشهداء: “غزوة بدر” وشهداء “الرجيع” وشهداء “بئر معونة” وشهداء “غزوة تبوك”، وغيرهم ممن استشهدوا بعيدًا عن المدينة المنورة.

كذلك لم يثبت أن الشهداء الذين استشهدوا في عهد الخلفاء الراشدين، وهم يقاتلون في حروب الروم والفرس وغيرها قد صُلي عليهم صلاة الغائب.

والخلاصة:
أن صلاة الغائب على الشهداء يتردد حكمها بين الجواز وعدمه، فالذي يدعو إليها- عندما توجد المناسبة لها- هم أهل الاختصاص، وأهل الاختصاص في مصر هم: الأزهر، والأوقاف، ودار الإفتاء.

 

والله ولي التوفيق.

فتاوى مجمع البحوث الإسلامية
القرار رقم 95

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى