ناقش المجلس- بجلسته الثانية في دورته التاسعة والثلاثين التي عقدت بتاريخ 25 من شعبان 1423هـ الموافق 31 من أكتوبر 2002م- الكتاب الوارد من السيد الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي- عضو المجمع ورئيس مجلس إدارة بنك الشركة المصرفية العربية الدولية- بشأن: الحكم الشرعي عن المعاملات المصرفية بالبنك..
وقرر:
الموافقة على تجديد نسبة الربح مقدمًا- بأغلبية الأعضاء الحاضرين- ما عدا عضوًا، وقد أصدر المجمع ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
استثمار الأموال في البنوك التي تحدد الربح مقدمًا
أرسل الأستاذ الدكتور حسن عباس زكي- رئيس مجلس إدارة بنك الشركة المصرفية العربية الدولية- كتابًا بتاريخ 22 / 10 / 2002 إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي- شيخ الأزهر-، وهذا نصه:
حضرة صاحب الفضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي- شيخ الجامع الأزهر-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإن عملاء بنك الشركة المصرفية العربية الدولية يقدمون أموالهم ومدخراتهم للبنك الذي يستخدمها ويستثمرها في معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ويحدد مقدمًا في مدد يتفق مع العميل عليها.
ونرجو الإفادة عن الحكم الشرعي لهذه المعاملة.
رئيس مجلس الإدارة
توقيع
(دكتور حسن عباس زكي)
وقد أرفق سيادته مع الخطاب نموذجًا لمستند التعامل الذي يتم بين المستثمر والبنك، ونص هذا النموذج كالآتي:
بنك
الشركة المصرفية العربية الدولية
التاريخ / / 2000م.
السيد / ــــــــــــ حساب رقم ــــــــــ
تحية طيبة وبعد: نحيط سيادتكم علمًا بأنه قد تم تحديد رصيدكم طرفنا وقدره 100000 جم (فقط مائة ألف جنيه مصري لا غير) عن الفترة من 1 / 1 / 2002 بعائد 10% والعائد قدره 1000 جنيها مصريا
إجمالي المبلغ + العائد في تاريخ الاستحقاق 110000جنيها مصريا
المبلغ الجديد مضافا إليه العائد حتى 31 / 12 / 2002م
110000 جنيها مصريًّا
وقد أحال فضيلة الإمام الأكبر الكتاب ومرفقه للعرض على مجلس مجمع البحوث الإسلامية في جلسته القادمة.
وعقد المجلس جلسته يوم الخميس 25 من شعبان 1423هـ الموافق 31 من أكتوبر 2002م وعُرض عليه الموضوع المذكور وبعد مناقشات الأعضاء ودراستهم قرر المجلس: الموافقة على أن استثمار الأموال في البنوك التي تحدد الربح مقدمًا حلال شرعًا ولا بأس به.
ولما لهذا الموضوع من أهمية خاصة لدى المواطنين الذين يريدون معرفة الحكم الشرعي في استثمار أموالهم لدى البنوك التي تحدد الربح مقدمًا- وقد كثرت استفساراتهم عن ذلك- فقد رأت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية أن تعد الفتوى بالأدلة الشرعية وخلاصة أقوال أعضاء المجمع حتى تقدم للمواطنين صورة واضحة كاملة تطمئن إليها نفوسهم.
وقد قامت الأمانة بعرض نص الفتوى بصيغتها الكاملة على مجلس مجمع البحوث الإسلامية في جلسته المنعقدة يوم الخميس 23 من رمضان 1423هـ الموافق 28 من نوفمبر 2002م وبعد قراءتها ومداخلات الأعضاء في صياغتها تمت موافقتهم عليها.
وهذا نص الفتوى:
الذين يتعاملون مع بنك الشركة المصرفية العربية الدولية- أو مع غيره من البنوك- ويقومون بتقديم أموالهم ومدخراتهم إلى البنك ليكون وكيلاً عنهم في استثمارها في معاملاته المشروعة مقابل ربح يصرف لهم ويحدد مقدمًا في مدد يتفق مع المتعاملين معه عليها.
هذه المعاملة- بتلك الصورة- حلال ولا شبهة فيها؛ لأنه لم يرد نص في كتاب الله أو من السُّنَّة النبوية يمنع هذه المعاملة التي يتم فيها تحديد الربح أو العائد مقدمًا ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة.
قال الله- تعالى-: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا?[النساء: 29].
أي: يا من آمنتم بالله- حق الإيمان- لا يحل لكم، ولا يليق بكم، أن يأكل بعضكم مال غيره بالطرق الباطلة التي حرمها الله- تعالى- كالسرقة، أو الغصب، أو الربا، أو غير ذلك مما حرمه الله- تعالى- لكن يباح لكم أن تتبادلوا المنافع فيما بينكم عن طريق المعاملات الناشئة عن التراضي الذي لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً، سواء أكان هذا التراضي فيما بينكم عن طريق التلفظ أم الكتابة أم الإشارة أم بغير ذلك مما يدل على الموافقة والقبول بين الطرفين.
ومما لا شك فيه أن تراضي الطرفين- على تحديد الربح مقدمًا- من الأمور المقبولة شرعًا وعقلاً حتى يعرف كل طرف حقه.
ومن المعروف أن البنوك عندما تحدد للمتعاملين معها هذه الأرباح أو العائد مقدما، إنما تحددها بعد دراسة دقيقة لأحوال الأسواق العالمية والمحلية وللأوضاع الاقتصادية في المجتمع، ولظروف كل معاملة ولنوعها ولمتوسط أرباحها.
ومن المعروف- كذلك- أن هذا التحديد قابل للزيادة والنقص؛ بدليل أن شهادات الاستثمار بدأت بتحديد العائد 4%، ثم ارتفع هذا العائد إلى أكثر من 15%، ثم انخفض الآن إلى ما يقرب من 10%.
والذي يقوم بهذا التحديد- القابل للزيادة أو النقصان- هو المسئول عن هذا الشأن؛ طبقًا للتعليمات التي تصدرها الجهة المختصة في الدولة.
ومن فوائد هذا التحديد- لاسيما في زماننا هذا الذي كثر فيها الانحراف عن الحق والصدق- أن في هذا التحديد منفعة لصاحب المال، ومنفعة- أيضًا- للقائمين على إدارة هذه البنوك المستثمرة للأموال.
فيه منفعة لصاحب المال؛ لأنه يُعَرِّفه حقه معرفة خالية عن الجهالة، وبمقتضى هذه المعرفة ينظم حياته.
وفيه منفعة للقائمين على إدارة هذه البنوك؛ لأن هذا التحديد يجعلهم يجتهدون في عملهم وفي نشاطهم حتى يحققوا ما يزيد على الربح الذي حددوه لصاحب المال؛ وحتى يكون الفائض- بعد صرفهم لأصحاب الأموال حقوقهم- حقًّا خالصًا لهم في مقابل جدهم ونشاطهم.
وقد يقال: إن البنوك قد تخسر؛ فكيف تحدد هذه البنوك للمستثمرين أموالهم عندها الأرباح مقدمًا؟
والجواب: إذا خسرت البنوك في صفقة ما؛ فإنها تربح في صفقات أخرى؛ وبذلك تغطي الأرباح الخسائر.
ومع ذلك فإنه في حالة حدوث خسارة؛ فإن الأمر مرده إلى القضاء.
والخلاصة: أن تحديد الربح مقدمًا- للذين يستثمرون أموالهم عن طريق الوكالة الاستثمارية في البنوك أو غيرها- حلال؛ ولا شبهة في هذه المعاملة؛ فهي من قبيل المصالح المرسلة وليست من العقائد أو العبادات التي لا يجوز التغيير أو التبديل فيها.
وبناءً على ما سبق؛ فإن استثمار الأموال- لدى البنوك التي تحدد الربح أو العائد مقدمًا- حلال شرعًا ولا بأس به.. والله أعلم.
شيخ الأزهر
أ. د. محمد سيد طنطاوي.
رئيس مجمع البحوث الإسلامية.
تحريرًا في 27 من رمضان 1427هـ
الموافق 2 من ديسمبر 2002م.
فتاوى مجمع البحوث الإسلامية
القرار رقم 146