السياسةالعاداتالفتاوىفتاوى المجامعمجمع البحوث الإسلامية

بيان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بشأن ظاهرة “الإرهاب”

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى سائر أنبياء الله والمرسلين، وبعد…

فلقد تابع (مجمع البحوث الإسلامية) بالأزهر الشريف من موقع مسئوليته الإسلامية في عالم الإسلام وأمته، ومن موقع الأمانة التي يحملها في حراسة الشريعة الإسلامية وعلومها، وبحكم الواجب الذي كُلف به في إبلاغ كلمة الحق إلى العالم أجمع، تابع المجمع تزايد الحملة الإعلامية التي تسعى لربط ما يُسمى بـ”الإرهاب” بالإسلام والمسلمين، والتي وصلت مع تصريحات عدد من الساسة في بعض البلاد الغربية إلى اتخاذ الإسلام عدوًّا، أحلوه محل إمبراطورية الشر الشيوعية، حتى لقد ردد البعض بعد الأحداث الدامية والمأسوية التي وقعت بالولايات المتحدة الأمريكية في 11 سبتمبر 2001م عبارات: “الحملة الصليبية”، و”حرب الحضارة ضد البربرية” و”ضرورة انتصار الغرب على الإسلام”.

وقد صاحب هذه الحملة الإعلامية المحمومة، ونتج عنها تعرض العرب والمسلمين في كثير من المجتمعات الغربية، ومساجدهم ومراكزهم الثقافية، ومصالحهم وحرياتهم المدنية إلى عديد من ألوان التفرقة العنصرية والاضطهاد.

ومع أن أصواتًا عاقلة لساسة ومفكرين غربيين قد أدانت هذه الموجة من العداء غير المبرر للإسلام والمسلمين، إلا أن هذه الحملة لا تزال مستمرة، ولا يزال العرب والمسلمون يعانون من آثارها الظالمة حتى هذه اللحظات.

وأمام هذا الواقع الضار بعلاقات التعارف والتحاور والتعايش والتعاون بين الأمم والشعوب والثقافات والأديان والحضارات يتوجه (مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف) إلى كل العقلاء على اختلاف أديانهم وحضاراتهم ومذاهبهم بعدد من الضوابط التي ينبغي أن تُراعى في دوائر الفكر والثقافة والإعلام وفي السياسات والعلاقات:

أولها:
أن الإسلام يرى في تعدد الشرائع والملل والقوميات والثقافات والحضارات سنة من سنن الله تعالى، وقانونا كونيا لا تبديل له ولا تحويل؛ لقوله عز وجل {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118، 119).

وأن التعايش والتحاور والتعارف بين الأمم والشعوب هو السبيل إلى بقاء هذه التعددية، وإلى تعاون أطرافها جميعا على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).

وثانيها:
أن تعايش الأمم والشعوب، وتقدم الإنسانية مرهون بسيادة منظومة القيم والأخلاق الإيمانية، وفي مقدمتها قيمة العدالة.. واحترام مبادئ القانون الدولي، وسلطة المؤسسات الدولية، بدلا من النظام العالمي القائم، الذي يتجاهل مبادئ القانون الدولي، ويحول العالم إلى غابة يفترس فيها الأقوياءُ الضعفاءَ؛ الأمر الذي يدفع جماعات من المستضعفين إلى استخدام العنف، ردًّا على القوى المتجبرة والمستكبرة.

وثالثها:
ضرورة التحديد في الفكر والثقافة والإعلام للمفاهيم المقصودة من وراء المصطلحات التي شاعت في خضم هذه الحملة المحمومة ضد الإسلام والمسلمين:

فالإرهاب: هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم، وكرامتهم الإنسانية، بغيًا وإفسادًا في الأرض. ومن حق الدولة التي يقع على أرضها هذا الإرهاب الأثيم أن تبحث عن المجرمين، وأن تقدمهم للهيئات القضائية لكي تقول كلمتها العادلة بشأنهم.

والجهاد الإسلامي: هو بذل الجهد؛ نصرةً للحق، ودفعًا للظلم، وإقرارًا للعدل والسلام والأمن في كل ميادين الحياة.

والقتال الذي شرعه الإسلام لا يجوز اللجوء إليه إلا لضرورة استثنائية، وفي حالتين اثنتين:

  • الدفاع عن الوطن ضد احتلال الأرض ونهب الثروات، وضد الاستعمار الاستيطاني الذي يُخرج المسلمين من ديارهم، وضد الذين يظاهرون ويساعدون على الإخراج من الديار، وضد الذين ينقضون عهودهم.
  • دفع فتنة المسلمين في دينهم، وإجبارهم على تغيير عقيدتهم، أو سلب حريتهم في الدعوة السلمية إلى الإسلام؛ لقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة: 8، 9).

وحتى عندما يضطر المسلمون إلى القتال دفاعًا عن أوطانهم، وحماية لحريتهم في الاعتقاد؛ فإن للإسلام آدابًا وأحكامًا واضحة، تحرم قتل غير المقاتلين، كما تحرم قتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال، وتحرم عليهم كذلك تتبع الفارين، أو قتل المستسلمين، أو إيذاء الأسرى، أو التمثيل بجثث القتلى، أو تدمير المنشآت والمواقع والمباني التي لا علاقة لها بالقتال.

ورابعها:
أن كل العقلاء من كل الأديان والحضارات قد أجمعوا على أن معالجة أسباب المشكلات والأمراض لا بد أن تسبق معالجة الأعراض.

وفي عالم تتسع فيه ظواهر استخدام العنف لا يمكن التسوية بين عنف الطغاة الذين يغتصبون الأوطان، ويهدرون الكرامات، ويدنسون المقدسات، وينهبون الثروات، مُتحدِّين بهذا مبادئ العدالة الإنسانية، وقرارات الشرعية الدولية – نقول: لا يمكن التسوية بين عنف هؤلاء الطغاة المعتدين، وممارسة حق الدفاع المشروع، الذي يجاهد به المستضعفون لاستخلاص حقوقهم المشروعة، التي قررها لهم الحق الفطري في  تقرير المصير، إضافة إلى الحقوق التي قررتها الشرعية الدولية.

أ‌- فآلة الحرب الصهيونية تغتصب أرض فلسطين، وتدنس المقدسات على مرأى ومسمع من بعض القوى الكبرى، بينما تجاهد المقاومة الفلسطينية لتطبيق قرارات الأمم المتحدة المعطلة.

ب‌- ومحاربة “الإرهاب” -التي يؤيدها المجمع في بيانه هذا- لا تبرر الاعتداء على شعب أفغانستان الفقير الأعزل، الذي تتعرض مدنه وقراه ومساجده، وشيوخه ونساؤه وأطفاله ومقومات حياته لعدوان طاغٍ متجبر، دون سبب معقول أو مقبول، بل وقبل التحقيق في أحداث سبتمبر 2001م.

لذلك :

أ‌- يرى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، بعد تحديد المفاهيم على النحو المتقدم، ضرورة التمييز بين الجهاد المشروع -بل الواجب- لتحرير الأوطان ورد العدوان، والعنف العدواني، الذي يحتل أرض الآخرين، أو يسعى إلى تغيير نظم الحكم بالقوة الغازية والغاشمة، أو ينتقص من سيادة الحكومات الوطنية على أرضها، أو يروع المدنيين المسالمين، ويحولهم إلى لاجئين بائسين.

ب‌- يرفض (مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف) مزاعم صدام الحضارات، وحروب الأديان، وصراع الثقافات؛ تلك التي تقدم غطاء فكريًا لعدوان الطغاة على الضعفاء، وهي مزاعم شقيت بها الإنسانية في قرون مضت، وعليها أن ترفضها، وأن تحذر من آثارها المدمرة على الحياة المعاصرة.

جـ‌- كما يرى المجمع أن إعادة الاحترام إلى قواعد العدالة الإنسانية، والاحتكام إلى مبادئ القانون الدولي، والمؤسسات الدولية، والالتزام بمعيار واحد في قضايا استقلال الشعوب، وحقها في تقرير المصير، والاعتداد بمنظومة القيم الإيمانية -التي لا تختلف عليها الشرائع السماوية-، كل ذلك كفيل بمعالجة أسباب هذا الداء الذي يعاني منه عالمنا المعاصر؛ لأن عنف الطغاة المتجبرين هو الذي يخلق وينمي عنف المستضعفين المقهورين.

فمن موقع المسؤولية الدينية والإنسانية يتوجه (مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف) إلى كل عقلاء العالم بهذا البيان؛ أملا في تحقيق العدل والسلام العالمي، سائلا المولى (سبحانه وتعالى) أن يهيئ للجميع من أمرهم رشدًا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

  • الإمام الأكبر
    شيخ الأزهر ورئيس المجمع
    الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى