الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
فإنه في الفترة من 5- 9 ربيع الأخر 1426 ه الموافق 13 – 17 مايو – 2005م عقدت بحمد الله وتوفيقه الدورة التدريبية الثانية لأئمة المساجد والمراكز الإسلامية بالساحل الغربي للولايات المتحدة حول استثمار الأموال في الإسلام بمدينة سكرمنتو بولاية كاليفورنيا .
وقد استغرقت أعمال هذه الدورة عشرين جلسة امتدت على مدى خمسة أيام متتابعة وحضرها أربعون إماما يمثلون أربعين مركزا إسلاميا من مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وقد حاضر في هذه الدورة كل من: فضيلة الأستاذ الدكتور حسين حامد حسان رئيس المجمع وفضيلة الدكتور صلاح الصاوي الأمين العام للمجمع، كما حاضر فيها من أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمجمع كل من : فضيلة الدكتور يوسف الشبيلي وفضيلة الدكتور محمد موفق الغلاييني وفضيلة الدكتور معن خالد القضاة وفضيلة الشيخ وليد المنيسي، وقد استخدمت في هذه الدورة تقنية الفيديو كونفرنس لتمكين من لم يتمكن من السادة المحاضرين من الحضور إلى مقر الدورة، وقد نوقشت في هذه الدورة جملة من القضايا المهمة المتعلقة باستثمار الأموال في الشريعة بدءا من الإطار الأخلاقي للمستثمر المسلم، وعقود التأمين المنتشرة في واقعنا المعاصر، ومرورا بعقود الاستثمار الشرعية كالمضاربة والمرابحة والإجارة والمشاركة المنتهية بالتمليك وأعمال شركات تمويل شراء المساكن العاملة على الساحة الأمريكية كشركة جيدنس وشركة لا ربا، وشركة أمانة وغيرها، وانتهاء بالبيوع المحرمة التي نهت عنها الشريعة، وقد أسفرت هذه الدورة عن النتائج والتوصيات التالية:
أولاً: حول البيوع:
العقد: هو ارتباط إرادة بأخرى على نحو يترتب عليه التزام مشروع، والأصل في العقود والشروط الحل، فلا يحرم منها إلا ما دل الشرع على تحريمه نصا أو قياسا.
الأعيان المحرمة بيعا وشراء ثلاثة أجناس:
(1) مشارب تفسد العقول صيانة للعقول عما يزيلها ويفسدها.
(2) ومطاعم تفسد الطباع، وتغذي غذاء خبيثاً صيانة للقلوب عما يفسدها.
(3) وأعيان تفسد الأديان وتدعو إلى الفتنة والشرك صيانة للأديان عما وضع لإفسادها، فتضمن هذا التحريم صيانة العقول والقلوب والأبدان والأديان.
كل ما حرمت الشريعة تناوله حرمت ثمنه، فلا يصح بيعه، كالميتة بجميع أجزائها، إلا ميتة السمك والجراد، وكالدم إلا الكبد والطحال، لما ورد من النص على إباحة ذلك، وكالخنـزير بجميع أجزائه، والمسكرات والمخدرات إلا البنج ونحوه مما يستعمل في الطب للضرورة إليه وعدم قيام شيء آخر مقامه.
بيوع الغرر من البيوع المحرمة في الشريعة[1]، والغرر هو مجهول العاقبة الذي لا يوثق بحصوله، أو ما تردد بين السلامة والعطب، فيكون عقده دائرا بين الغنم والغرم، فإذا غنم أحد العاقدين غرم الآخر. والفرق بين الميسر والغرر أن الميسر يكون في اللعب والمغالبات، والغرر يكون في المبايعات، يقال: باع غرراً، ولعب قماراً.
ويشترط لتحريم الغرر:
(1) أن يكون فاحشا فإن اليسير معفو عنه، كبيع الدار مع الجهل بأساسها وبيع الجبة مع الجهل بحشوها ونحوه.
(2) وأن يكون في المعقود عليه أصالة، فإن الغرر التابع معفو عنه، كبيع الحمل في البطن تبعاً لأمه، وبيع اللبن في الضرع تبعا لبيع الحيوان ونحوه.
(3) وأن يكون في عقود المعاوضات، فإنه يغتفر في التبرعات ما لا يغتفر في المعاوضات، كالتبرع بالبعير الشارد أو اللقطة الضائعة لمن وجدها ونحوه.
(4) وأن لا تدعو إليه حاجة، فإن حرمة الغرر دون حرمة الربا ولذلك يترخص فيه عند الحاجة إليه، وتؤكد الدورة على ضرورة استكتاب السادة العلماء والخبراء لوضع ضابط دقيق لكل من الضرورة والحاجة وصورهما وتطبيقاتهما في واقعنا المعاصر.
يجوز البيع بالتقسيط، ولو زاد فيه الثمن المؤجل عن الثمن الحال. شريطة أن لا يشترط البائع غرامة تأخيرية يلزم بها العميل إذا تأخر عن السداد.
ويجوز لشركات البيع بالتقسيط ذكر ثمن المبيع نقداً،وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولكن لا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل، فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل فإنه لا يشرع.
إذا تأخر المشتري في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه بغرامات تأخيرية بشرط سابق أو بدون شرط، لدخول ذلك في الربا المحرم، وللبائع أن يشترط على المشتري حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها، أو رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة، على أن تكون منافع المبيع المرتهن لصاحبه وهو المشتري حتى لا يتخذ من ذلك ذريعة إلى الربا.
يحرم بيع الأشياء قبل قبضها لنهيه × عن ذلك، والقبض مطلق في الشرع، فيرجع في تقديره إلى العرف، وهو في كل شيء بحسبه[2].
يحرم بيع العينة الذي هو بيع السلعة أو الخدمة أو المنفعة بثمن مؤجل ثم شراؤها من البائع بأقل منه حالاً لأنه ذريعة إلى الربا، وحيلة لاستباحته[3].
يحرم بيع الوفاء، وهو البيع الذي يشترط فيه البائع أنه متى رد الثمن إلى المشتري رد له الشيء المبيع، لما يتضمنه من التحيل على الربا، فإن غايته تمكين المشتري – وهو مقرض في الحقيقة – من الحصول على منفعة وفائدة من البائع مقابل إقراضه لماله الذي جعل في هذا البيع بمثابة الثمن للمبيع، بالإضافة إلى ما يتضمنه من الشرط المخالف لمقتضى العقد، وإذا أريد الاستيثاق ففي الرهن مندوحة عنه.
يحرم كل بيع تضمن إعانة على معصية [4] كبيع السلاح في فتنة أو لقاطع طريق، أو لمن يستعمله في محرم بصفة عامة لما يتضمنه ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان.
يجوز بيع الأعيان الغائبة إذا وصفت وصفا يميزها ويقطع المنازعة حولها، وإذا جاء المبيع موافقاً لما وصف به لزم البيع، وإن اختلف خيِّر المشتري بين الإمضاء أو الفسخ.
يصح البيع بشرط البراءة من كل عيب لا يعلمه البائع لانتفاء الغرر، بخلاف شرط البراءة من عيب يعلمه ويكتمه لما في ذلك من التغرير والخداع، ولمناقضته لواجب النصيحة، ويجوز البيع بشرط الصيانة وضمان العيوب.
الربح هو الفرق الزائد بين ثمن البيع وثمن الشراء بعد خصم المصروفات التجارية، وليس في الشريعة تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم، بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة، وظروف التاجر والسلع، وكذلك العرف وما بني عليه من الأنظمة، مع مراعاة ما تقتضيه الأدلة الشرعية من تحريم الاحتكار واستغلال حاجة الناس ونحوه، وما تقضي به الآداب الشرعية من: الرفق، والقناعة، والسماحة، والتيسير.
إذا تبدلت الظروف التي تم فيها التعاقد بأسباب طارئة عامة لم تكن متوقعة عند التعاقد – فأصبح بها تنفيذ الالتزام العقدي يلحق بالملتزم خسائر جسيمة غير معتادة ولم يكن ذلك نتيجة تقصير أو إهمال من الملتزم في تنفيذ التزاماته، فإنه يحق للقاضي عند التنازع – وبناء على الطلب – تعديل الحقوق والالتزامات على النحو الذي يوزع القدر المتجاوز للتعاقد من الخسارة على الطرفين المتعاقدين، ويعتمد القاضي في هذه الموازنات جميعاً رأي أهل الخبرة الثقات لتحقيق العدل ومنع الظلم والضرر.
شراء السيارات بطريقة الإيجار المنتهي بالتمليك (Lease to purchase): إذا اتخذ هذا العقد صورة تأجير السيارة مدة ً معيّنة، ثم يخير العميل في نهاية المدة بين رد السيارة أو شرائها بثمن معين يتفقان عليه أثناء سريان العقد أو بعد نهايته فلا حرج في ذلك.
ثانياً: حول بيع التورق:
بيع التورق: هو شراء سلعة بثمن مؤجل، وبيعها نقدا لغير البائع للحصول على النقد (الورق).
وبيع التورق على هذا النحو مختلف فيه أجازه بعض أهل العلم ومنعه آخرون، ولا بأس بالترخص فيه عند مسيس الحاجة إليه.
والترخص في هذا البيع مشروط بأن لا يبيع المشتري السلعة للبائع نفسه بثمن أقل مما اشتراها به لا مباشرة ولا بالواسطة، ولا على سبيل الصورية، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة المحرم شرعا فيصير عقدا محرما.
التورق المصرفي:
التورق المنظم: هو طلب المتورق نقدا عاجلا في مقابلة نقد آجل أكثر منه، فيقوم البائع بترتيب الحصول على النقد للمتورق، بأن يبيعه سلعة بأجل ثم يبيعها نيابة عنه نقداً ويسلمه الثمن..
والتورق المنظم على هذا النحو من التصرفات المحرمة لما يتضمنه من اتخاذ البيع ذريعة للحصول على النقد الحاضر بدين في الذمة أكثر منه فيئول إلى الاقتراض بفائدة المحرم شرعاً.
ثالثاً: حول عقد المضاربة:
المضاربة دفع المال إلى من يتجر فيه بجزء من ربحه، وهي أداة من أدوات الاستثمار الفردي والجماعي، وقد طبقت بنجاح في الاستثمارات الجماعية المعاصرة، وهي من العقود المشروعة بإجماع المسلمين.
ولا حرج في تأقيت المضاربة في أرجح قولي العلماء كما ذهب إلى ذلك الأحناف والحنابلة، وليس للمضارب أن يستدين على المضاربة إلا إذا أذن له بذلك رب المال؛ لما يتضمنه هذا التصرف من زيادة الضمان على رب المال بغير رضاه، فإن فعل ذلك وقع الشراء له، وأصبح شريكا لرب المال بنسبة هذه الزيادة، وعليه وحده ضمانها.
ولا بأس أن يضارب العامل لرب مال آخر، ما لم يشغله ذلك عن العمل في المضاربة الأولى.
وللمضارب إعادة المضاربة بأن يدفع هذا بأموال المضاربة إلى عامل آخر إذا أُذِنَ له في ذلك أو فُوِّضَ إليه العمل برأيه، كما أن له أن يشارك بهذه الأموال آخرين.
ويشترط في ربح المضاربة أن يكون معلوما وأن يقسم بين الطرفين على الشيوع، فلو عَيَّنا لأحدهما مبلغا مقطوعا- فسدت بلا نزاع، لأن هذا يتنافى مع حقيقة المضاربة، ويجعلها قرضا بفائدة، وقد أجمع الأئمة الأعلام على أن من شروط صحة المضاربة أن يكون الربح بين رب المال والمضارب على الشيوع دون تحديد قدر معين لأحد منهما.
الربح في المضاربة وقاية لرأس المال، فليس للعامل ربح حتى يَسْلَمَ رأس المال، ويقسم الربح بين الطرفين على ما يتفقان عليه، أما الخسارة فإنها تكون على رب المال وحده، ولا يخسر العامل إلا جهده.
لا يأخذ العامل نصيبه من الربح إلا بالقسمة. ولا تستقر ملكية الربح لأحد من الطرفين إلا بالتصفية النهائية، سواء أكانت تصفية فعلية أم تصفية حسابية.، ولا حرج في القسمة المبدئية للربح تحت حساب التصفية النهائية.
ولا ضمان على المضارب في هذا العقد إلا بالتفريط أو التعدي، ولا اعتبار للحيل التي يراد بها التحيل إلى إبطال هذا الأصل.
والمضاربة من العقود الجائزة، فيحوز فسخها من أحد الطرفين، إلا أنها تلزم بالشروع في العمل في أرجح قولي العلماء، دفعا للضرر الذي يترتب على الفسخ المفاجِئ.
رابعاً: حول عقد المرابحة:
المرابحة هي البيع برأس المال مع زيادة ربح معلوم.
وهي صورة من صور البيع، فتحل بما تحل به البيوع وتحرم بما تحرم به البيوع
والمساومة أحب إلى أهل العلم من المرابحة؛ لأن مبنى المرابحة على الصدق والأمانة،ولا يؤمن هوى النفس في نوع من التأويل أو التدليس.
ويجب أن تصان بيوع المرابحة عن الخيانة والتهمة، وذلك ببيان كل ما يؤثر بيانه في إرادة المشتري ورغبته في الشراء.
والصورة الشائعة للمرابحة في الاستثمارات المصرفية المعاصرة أن يتلقى المصرف أمرا من العميل بشراء سلعة معينة بمواصفات محددة، واعدا بشرائها بطريق المرابحة، فيقوم المصرف بناء على ذلك بشراء هذه السلعة ثم يبيعها لهذا العميل برأس مالها وزيادة الربح المتفق عليه.
وهي على هذا النحو مشروعة، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت فيها شروط البيع وانتفت موانعه.
والوعد الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد – يكون ملزِماً للواعد ديانةً إلا لعذر، وهو ملزِم قضاءً إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد..
أما المواعدة وهي التي تصدر من الطرفين – فإنها تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز؛ لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع؛ لنهي النبي × عن بيع الإنسان ما ليس عنده.[5]
خامساً: حول القروض والفوائد:
فوائد البنوك من ربا الجاهلية الذي ورد تحريمه نصا في كتاب الله عز وجل، ولا عبرة بالتخريجات المتهافتة التي تسعى إلى تسويغ التعامل بهذه الفوائد أخذا أو إعطاء، ولا يرخص في الاقتراض بالربا إلا عند الضرورات، أما الإقراض بالربا فلا يتصور في مثله ضرورة ولا حاجة.
لا فرق في حرمة القروض الربوية بين القروض الاستهلاكية والقروض الإنتاجية، فلم تجعل الشريعة من القروض سبيلا إلى الاسترباح، بل شرعت لذلك عقودا أخرى كالمضاربة والمرابحة والمشاركة وهي تقوم على العدل في توزيع المغارم والمغانم، وتجعل الخراج مقابل الضمان.
تحريم الربا ثابت فوق كل أرض وتحت كل سماء، فدار الإسلام ودار الكفر في ذلك سواء.
بطلان وتهافت تسويغ الفوائد باعتبارها تعويضا عن فرق التضخم، لأن المدين لا يد له في هذا التضخم، ولا يسأل أحد في الشريعة إلا بسبب تفريطه أو تعديه، ولو بقي القرض بيد المقرض لتعرض لهذا التناقص، فضلا عن امتداد آثار هذا التضخم إلى جميع الالتزامات المؤجلة فلا وجه لتخصيص القرض وحده بذلك.
الأصل في القرض في الشريعة أنه من عقود الإرفاق التي تبذل حسبة لوجه الله عز وجل، وغايتها رفع الضيق عن الصديق، ولا مجال فيها لاستثمار أو استرباح، وكل زيادة مشروطة فيها تحيلها إلى عقود ربوية محرمة، وتضع أصحابها في حرب مع الله ورسوله.
الأصل فيما قبض من الفوائد أنه لا يطيب أكله، ويلزم رده إلى المقترض متى أمكن ذلك؛ فإن تعذر أو كان القرض من بنك ربوي، تعين التخلص من الفوائد بتوجيهها إلى المصارف العامة، ولا يثاب على هذا التخلص ثواب الصدقة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً [6]، ولكنه قد يثاب عليه ثواب العفة عن الحرام.
ويستثنى من ذلك ما كان من ربا قبل الإسلام أو قبل العلم بالتحريم – لمن يعذر مثله بذلك – فإنه يكون عفوا، فلا يلزم رده ولا التخلص منه، لقوله تعالى ﴿َمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ﴾ [7]
كما يستثنى من ذلك المؤسسات المالية الربوية عند تحويلها إلى مؤسسات إسلامية فإنها لا تلزم بالتخلص مما أفادته من معاملاتها الربوية السابقة، لما يترتب عليه من تعويق أسلمة هذه المؤسسات، وإنما ينصح المساهمون بصدق التوبة، والإكثار من الصدقة على مسئوليتهم الشخصية، ويترك ذلك لديانتهم وتقواهم لله تعالى.
الأصل فيما لم يقبض من هذه الفوائد أنه موضوع بلا نزاع، وليس للدائنين إلا رؤوس أموالهم لا يظلمون ولا يظلمون.
الاقتراض بالفائدة من العقود الفاسدة في الشريعة، وهو محرم بلا نزاع، فإن أسقط المقرض شرط الفائدة صح هذا العقد وبرئ كل منهما من العهدة.
الأصل في الديون أنها ترد بأمثالها لا بقيمها، إلا في حالة انقطاع العملة أو كسادها فإنه ينظر إلى القيمة، ويفصل القضاء فيما ينشأ عن ذلك من منازعات، وتوصي الدورة بتحديد ضابط دقيق لكل من الكساد والانقطاع.
لا حرج في وضع جزء من الدين مقابل تعجيله إذا كانت العلاقة ثنائية بين الدائن والمدين ولم تكن عن اشتراط مسبق، أما الاتجار في الديون وشرائها نقدا مقابل نسبة منها فلا يشرع، لأنه يؤول إلى ربا النسيئة الذي حرمه الله ورسوله.
لا تشرع الغرامات التأخيرية على الديون، سواءً أكانت ناتجة عن قرض نقدي، أو عن فاتورة استهلاكٍ، أو عن بيع،ٍ بالتقسيط أو بالأجل، ويشرع للدائن أن يلجأ إلى الوسائل المباحة لمنع المطل وحمل مدينه على الوفاء، هذا مع مراعاة ما جاء في المعايير الشرعية بالنسبة للبنوك الإسلامية.
لا حرج في الغرامات التأخيرية في سائر العقود المالية التي لا يكون الالتزام الأصلي فيها مبلغا من النقود كعقود المقاولات ونحوه.
فإذا ألجئ المسلم إلى قبول مثل هذا الشرط في بعض الحالات كما في عقود الإيجار والكهرباء والهاتف ونحوه من عقود الإذعان جاز له الترخص في ذلك على أن يدفع التزاماته في مواقيتها تجنباً للإثم الناتج عن التعامل بالربا، فإن آكل الربا ومؤكله في الإثم سواءٌ.
تفتح بعض الشركات لعملائها حسابا ادخاريا، وتلزمهم ببعض الغرامات إذا سحبوا من هذا الحساب قبل سنة التقاعد أو الاستحقاق حتى لا يستنفد هذا المال قبل ذلك ثم تعاد هذه المبالغ لحسابهم، ومثل هذه المعاملة مشروعة إذا استيقن أن هذه المبالغ تعاد حقيقة لحسابهم، لأن الربا لا يكون إلا بين طرفين، وفي هذه الصورة الآخذ والمعطي فيها طرف واحد.
سادساً: حول بطاقات الائتمان (Credit card):
بطاقات الائتمان هي البطاقات التي تخول لحاملها الحصول على حاجياته من السلع أو الخدمات ديناً. وتقضي بوجوب دفع فوائد ربوية أو غرامات مالية عند التأخر عن الوفاء.
والأصل في هذه البطاقات أنها من العقود الفاسدة نظرا لما تتضمنه من شرط ربوي يتعين قبوله من المتعامل بها ويلزمه الوفاء به عند الاقتضاء.
يرخص في استخراج هذه البطاقات إذا عمت البلوى بها، ومست الحاجة إليها، وانعدم البديل المشروع، وغلب على ظن المتعامل بها قدرته على الوفاء وتجنب الوقوع تحت طائلة هذا الشرط الربوي، على أن لا تستخدم فعلا إلا بقدر الحاجة، وأن يسدّد ما عليه دفعة ً واحدة بدون تأخير، وأن يتوقف عن استخدامها مطلقاً عندما يصبح لديه تاريخٌ ائتماني يكفي لتسهيل معاملاته وحصوله على ما يريد، فإن ما رخص فيه للحاجة يقدر بقدرها.
لا يحل السحب النقدي عن طريق هذه البطاقات إلا عند الضرورات لأن الشرط الربوي يطبق منذ اللحظة الأولى، ولا سبيل إلى الفكاك منه.
بطاقة الحساب الجاري (Debit card):
بطاقة الحساب الجاري هي البطاقة التي يمنحها البنك لعملائه مجانا بمجرد فتح حساب جار لديه ليتمكن بها العميل من التصرف في رصيده الدائن في أي وقت عبر أجهزة الصرف الآلي ونقاط البيع.
لا حرج في استصدار هذه البطاقات واستعمالها لأنها لا تتضمن مداينة، ولا تعدو أن تكون توكيلا من حاملها إلى البنك للوفاء بالتزاماته المالية من رصيده المودع لديه.
ولا يجوز استعمال هذه البطاقة إذا تأكد من أن رصيده لدى البنك لا يكفي للوفاء بمشترياته لأن البنك في هذه الحالة سيدفع عنه وسيحسب عليه غرامة تأخيرية فيكون بذلك قد أوقع نفسه في الربا الذي حرمه الله ورسوله، إلا إذا تأكد من قدرته على الوفاء قبل أن تسري عليه هذه الزيادات الربوية.
البطاقات التي يتحقق فيها القبض الفوري يمكن استخدامها في شراء الذهب والفضة، والتي لا يتحقق فيها ذلك لا يشرع استخدامها، لأن الذهب والفضة لا يباعان إلا مناجزة (يداً بيد)[8] فالتقابض الفوري شرط في صحة هذه المعاملة.
بطاقة الائتمان ذات الرصيد التأميني (Security deposit Credit card):
تشترط بعض الشركات على العميل- إذا لم يكن لديه تاريخٌ ائتمانيٌ كافٍ – أن يودع مبلغاً من المال لإعطائه بطاقة الائتمان، على أن يقوم بسداد ما عليه، مع بقاء مبلغ التأمين مرهوناً عند الشركة، وفي نهاية العقد- الذي عادة ً ما يستمرّ سنة- ً,تعيد الشركة -مبلغ التأمين، وأحياناً تعطي عليه زيادة وهذه المعاملة كسابقتها فهي صورة من صور بطاقات الائتمان، فتأخذ حكمها، وإذا ردّت الشركة مبلغ التأمين زائداً عن أصله، فإن الواجب على المسلم أن يتخلّص من المال الزائد بإنفاقه في مصالح المسلمين العامة، ويرجى أن يثاب على ذلك ثواب العفة عن الحرام.
سابعاً: حول التأمين:
التأمين التجاري الذي تمارسه شركات التأمين المعاصرة بمختلف صوره من العقود الفاسدة، وذلك لما يتضمنه من الغرر الفاحش، أو الربا في بعض الحالات، ويشرع كل من التأمين التكافلي الذي تقوم به شركات التأمين الإسلامية، والتأمين الاجتماعي الذي تقوم به الدول والمؤسسات العامة في واقعنا المعاصر.
المحرم من التأمين التجاري هو ما يكون مقصودا بالأصالة، أما ما كان منه تابعا لعقود أخرى، ولم يفرد بعقد مستقل فإنه لا يدخل في نطاق التحريم، لأنه يغتفر تبعا ما لا يغتفر استقلالاً [9] .
ترجع حرمة عقود التأمين في الأعم الأغلب إلى ما تنطوي عليه من الغرر والجهالة، ويباح منها ما تقتضيه الحاجة الماسة إلى أن يتوافر البديل الإسلامي المنشود، لأن حرمة الغرر دون حرمة الربا الذي لا يترخص فيه إلا عند الضرورات.
التأمين الصحي على النحو الذي تقدمه شركات التأمين التجاري من العقود الفاسدة في الأصل، بيد أنه نظرا لمسيس الحاجة إليه في كثير من الأحوال لتعلقه بضرورة حفظ النفس، وحفظها من المقاصد الكلية في الشريعة، فإنه يرخص منه فيما تدعو الحاجة إليه إلى أن يتوافر البديل الإسلامي المنشود.
التأمين على المساجد والمدارس الإسلامية من الحاجات العامة في كثير من المواقع، فيرخص منه ما تدعو الحاجة إليه إلى أن يتوافر البديل الإسلامي المنشود.
يغتفر في التأمين على السيارات ما يكون تابعا لعقد البيع الأصلي لأنه يغتفر تبعا ما لا يغتفر استقلالا، أما إن كان العقد مستقلا فلا يرخص منه إلا فيما تدعو الحاجة إليه.
تأمين الحصول على الاستشارات القانونية من الحاجات العامة بالنسبة لكثير من الناس وفي كثير من المواقع بعد كثرة الملاحقات لأهل الإسلام في أعقاب أحداث سبتمبر الشهيرة، فيرخص منه فيما تدعو الحاجة إليه إلى أن يتوافر البديل الإسلامي المنشود.
التأمين للأعطال الطارئة على الطرق العامة عن طريق شركات المساعدة كشركة (AAA) يعد من الحاجات العامة خاصة بالنسبة لمعتادي الأسفار البعيدة في هذا البلد، فيرخص منه فيما تدعو الحاجة إليه إلى أن يتوافر البديل الإسلامي المنشود، ولا سيما أن هذه الشركات تقدم خدمات أخرى كالخرائط الإرشادية وتقديم المشورة عبر الهاتف ونحوه.
لا حرج في التأمين الذي تقدمه الشركات لموظفيها على أنه مزية من المزايا التي تعطيها للعاملين لديها.فهذا التأمين جزء من مستحقات متعددة للموظف ولم يقع عقد الإجارة ( الوظيفة) عليه أصالة.
لا حرج في التأمين على السلع عند شرائها –كالسيارات والأجهزة الكهربائية-، بشرط أن يكون التأمين في صفقة واحدة مع شرائه للجهاز، ولا يفرد بعقد مستقل، أما ما كان منه منفصلا فلا يرخص إلا فيما تدعو إليه الحاجة البينة الظاهرة.
لا حرج في التأمين على السيارة المستأجرة إذا وقع التأمين مع عقد البيع في عقد واحد، ولو زادت قيمة الأجرة بسبب التأمين، أما ما كان منه منفصلا فلا يرخص إلا فيما تدعو إليه الحاجة البينة الظاهرة.
لا حرج في التأمين على البضائع عند شحنها إذا كانت الشركة الناقلة تقدم خدمة التأمين مع عقد الشحن نفسه صفقة واحدة، أما ما كان منه منفصلا فلا يرخص إلا فيما تدعو إليه الحاجة البينة الظاهرة.
ثامناً: حول دور البنوك الإسلامية في تملك البيوت على الساحة الأمريكية:
تؤكد الدورة على قرار المجمع في دورة انعقاد مؤتمره الثاني حول حرمة شراء البيوت بالقروض الربوية على النحو الذي يجري عليه العمل في الساحة الأمريكية، وأنه لا عبرة بالتخريجات التي تسعى إلى تسويغ هذه العقود الربوية الفاسدة.
ضرورة تفعيل دور البنوك الإسلامية العاملة في الشرق، واستنهاضها للمشاركة في حل أزمة تملك البيوت على الساحة الأمريكية بتوجيه جزء من استثماراتها لحل هذه المشكلة.
تاسعاً: حول شركات التمويل الإسلامية العاملة على الساحة الأمريكية:
إحالة مشروعات البحوث المقدمة حول شركات تمويل البيوت العاملة على الساحة الأمريكية وتوصياتها إلى المؤتمر السنوي الثالث للمجمع والذي سيعقد بمدينة سوكوتو بنيجيريا وسيحضره إن شاء الله كبار علماء المجمع من مختلف أنحاء العالم لاستعراض هذه الأبحاث وتدقيقها وصياغة قرار من المجمع حول مدى مشروعية عقود هذه الشركات.
وقد تم عرض الموضوع والأبحاث على المجمع، وقرر تأجيل الموضوع إلى المؤتمر الرابع وذلك لعدم تمكن السادة العلماء أصحاب هذه الأبحاث من الحضور وأيضا لمزيد من الأبحاث.
عاشراً: حول صياغة ميثاق شرف يلتزم به التاجر المسلم:
صياغة ميثاق شرف يلتزم به رجال الأعمال يعكس قيم الشريعة وسموها في مجال التعامل، وقد اقترحت الصيغة التالية.
مشروع ميثاق التاجر المسلم
أعاهد الله العظيم أن أدور في فلك الطيبات بيعا وشراء واسترباحاً، وأن أسعى إلى أن أتعلم من الأحكام الشرعية ما يعينني على ذلك، أو أرجع على أهل الفتوى للتأكد من مشروعية ما أباشره من عقود واستثمارات؛ كما أعاهده على بذل زكاة أموالي طيبة بها نفسي، وأن لا تلهيني تجارتي ولا بيعي عن ذكر الله وعن الصلاة؛ كما أعاهده على تجنب الربا والغرر والغش والتدليس وسائر العقود والتصرفات المحرمة في الشريعة؛ كما أعاهده على التحلي بالخلق الحسن صدقا وأمانة وحسنا في القضاء والاقتضاء ورفقا بالمعسرين وتجنبا للإضرار بالآخرين.
([1]) وقد ورد النهي عنه في حديث أخرجه مسلم في صحيحه كتاب البيوع باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر برقم 2783، وأبو داود في سننه كتاب البيوع باب في بيع الغرر برقم 2932، والترمذي في سننه كتاب البيوع باب ما جاء في كراهية بيع الغرر برقم 1151، والنسائي في سننه كتاب البيوع باب بيع الحصاة برقم 4442، وابن ماجه في سننه كتاب التجارات باب النهي عن بيع الحصاة وبيع الغرر برقم 2185.
([2]) لما ورد النهي عنه فيما أخرجه البخاري في صحيحه كتاب البيوع باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك برقم 1991، ومسلم في صحيحه كتاب البيوع باب بطلان بيع المبيع قبل القبض برقم 2808.
([3]) أخرجه أبو داود في سننه كتاب البيوع باب في النهي عن العينة برقم 303، وأحمد في مسنده من مسند المكثرين من الصحابة من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما برقم 4765، وفي أكثر من موضع وصححه أحمد شاكر، وقال البنا في تخريجه: سنده جيد، وذكر ابن القيم سندين لهذا الحديث، وقال: وهذا إسنادان حسنان يشد أحدهما الآخر، وصححه الألباني في أكثر من موضع منها الصحيحة برقم 11، وصحيح الجامع الصغير برقم 423 وغيرهما.
([4]) لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ المائدة: 2.
([5]) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الإجازة باب في الرجل يبيع ما ليس عنده برقم 3040، والترمذي في سننه كتاب البيوع باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك برقم 1153، وقال: حديث حكيم بن حزام حيث حسن، قد روى من غير وجه، وأخرج الترمذي رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو، ثم
قال: وهذا حديث حسن صحيح، والنسائي في سننه كتاب البيوع باب بيع الطعام قبل أن يستوفي
برقم 4523، وابن ماجه في سننه كتاب التجارات باب النهي عن بيع ما ليس عندك … برقم 2178 وأحمد في مسنده من مسند المكيين من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه برقم 14772، وأخرجه في أكثر من موضع وصححه الألباني في أكثر من موضع منها في الإرواء برقم 1292، والصحيحة برقم 1212.
([6]) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الزكاة باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم 1686، والترمذي في سننه كتاب تفسير القرآن باب ومن البقرة برقم 2915، وأحمد في مسنده في باقي مسند المكثرين برقم 7998، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([7]) البقرة: 275.
([8]) وهذا لما ورد في حديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب البيوع باب بيع الفضة بالفضة برقم 2031، ومسلم في صحيحه كتاب المساقاة باب الربا برقم 2965، وورد هذا الحديث في أكثر من موضع بالصحيحين.
([9]) هذه قاعدة فقهية ذكرها ابن رجب في قواعده بقوله: ((يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، وذكرها كذلك السيوطي في الأشباه والنظائر بقوله: ((يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها))، وذكرها الحموي في غمز عيون الأبصار ولكن بلفظ آخر وهو: أن التابع تابع ثم أفرد قاعدة منها وهي أنه – أي التابع – لا يفرد بالحكم, نفس المعنى المذكور آنفاً.