لقد ناقش المجتمعون التوصيات الصادرة عن الدورة التدريبية الرابعة للمجمع حول اللقاءات مع ممثلي الديانات المختلفة [إنتر فيث ديالوج] وأكدوا أن فكرة الحوار والتواصل مع مختلف الملل فكرة عريقة في تراثنا الإسلامي في إشارة إلى ما كان في القرن الرابع من مجالس القاضي أبي بكر الباقلاني مع أهل الملل المختلفة ومحاورتهم في أجواء تبتعد عن التراشق بالتهم والتقاذف بالمناكر التي تغلب على كثير من المناظرات في واقعنا المعاصر، وقد دقق المؤتمرون هذه التوصيات وراجعوا بعض عباراتها، وانتهوا إلى إصدارها في صورة القرار الآتي:
1. الإنترفيث أو اللقاءات مع ممثلى الديانات المختلفة تعبير مجمل، يطلق على عدة معان، منها ما هو مشروع، ومنها ما هو ممنوع:
2. فإن قصد به الدعوة إلى الله تعالى، والقيام بحجته على عباده، وبيان الحق للمسترشدين، ودفع صيال المعاندين والمعتدين، فذلك سعي مشكور وعمل صالح مبرور.
3. وإن قصد به مجرد التعريف بالحق في أمم تجهله، وأوساط تنكره، إزالة للوحشة من قلوبهم، وكسرا لحاجز النفرة من نفوسهم، ثم يقررون لأنفسهم بعد ذلك ما يريدون فذلك في ذاته من السعي المشكور والعمل المبرور.
4. وإن قصد به السعي لإيجاد تعايش آمن بين أصحاب الديانات المختلفة تحقن به الدماء وتسكن به الثائرة، ويتمكن الناس معه من التقلب في أسفارهم آمنين، ويتمكن معه حملة الحق من تبليغ رسالتهم والإعذار إلى مخالفيهم بعيدا عن أجواء التوتر والشحناء والخصومات، فهذا مقصود مشروع وغاية محمودة.
5. وإن قصد به التوصل إلى صيغة لتحقيق المصالح الحياتية المشتركة بين البشر لا سيما بين من ينتمون إلى إقليم واحد أو تجمعهم روابط مشتركة تمس الحاجة معها إلى مثل هذا التعاون فلا حرج في ذلك ولا تثريب على أصحابه، فقد جعل الله الأرض مشتركا بين عباده جميعا: برهم وفاجرهم مسلمهم وكافرهم صالحهم وطالحهم، فقال تعالى [والأرض وضعها للأنام] وقال تعالى: [كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا] وهذا هو أساس عمارة البلدان واستتباب العمران.
6. أما إن قصد به الدمج بين الأديان، والخلط بين الملل، والسعي إلى إيجاد إطار عقدي مشترك يمسخ خصوصياتها العقدية، وقد يبلغ الأمر مبلغ طباعة القرآن مع غيره من الكتب الدينية الأخرى في غلاف واحد، فذلك عدوان على الملل جميعا، بل هو الغش الديني والثقافي الذي يتجاوز في خطره وضرره الغش التجاري الذي تجرمه النظم والقوانين في مختلف الثقافات والحضارات.
7. الأصل في لقاءات الإنترفيث أنها عمل علمي ومهارة دعوية، فهي تقوم على العلم الشرعي مع التمكن من الخطاب العام ومعرفة عادات البلد و أهله و نظامه، فلا مدخل فيها للعامة وأشباه العامة، وينبغي فيمن يتصدر لهذا المجال أن يكون لديه من العلم ما يقيه فتنة الشبهات، ومن التدين ما يقيه فتنة الشهوات، وأن يكون لديه من القدرة على الحوار ما يتمكن به من عرض الحق، والدفاع عنه، ورد شبهات خصومه.
8. ضرورة التأكيد على أن رسالة الإسلام تمثل جوهر رسالات الأنبياء جميعا في صورتها الأصلية والكاملة والخاتمة، وأنها موجهة إلى البشرية جمعاء بما في ذلك أتباع الأنبياء الذين بعثوا قبل بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.
9. الأصل في الحوار مع أهل الكتاب أن يكون بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وأن تكون غايته ظهور الحق وهداية الخلق وإزالة الشبهة، وأن لا تشوبه شائبة من الاستفزازية أو الاستعلائية سواء في مضمون الخطاب أو في طريقة أدائه، فإن أهل الإسلام أعرف الناس بالحق وأرحم الناس بالخلق.
10. الأصل في البلاغ أن يكون مبينا، وفيمن يقوم به أن يكون على بصيرة، وأن يؤكد على مسائل الاتفاق ويبدأ بها، وأن يقيم الحجة في مسائل الخلاف ولا يعتذر عنها، وأن يبدأ بتقرير الأصول قبل الفروع، وأن يرد الجزئيات إلى الكليات، وأن تكون له في ذلك كله نية صالحة.
11. لا ينبغي على المحاور أن يضيق واسعا، فما كان له مساغ في النظر تجاوزه وإن كان مرجوحا عنده، فإن باب المناظرة أوسع من باب النظر.
12. البر والقسط هو أساس التعامل مع المسالمين من غير المسلمين، ولأهل الكتاب منهم خصوصية تتمثل فيما جاءت به الشريعة من حل ذبائحهم ونكاح نسائهم، الأمر الذي لا تشاركهم فيه الملل الأخرى
13. والبر والقسط المأمور به في التعامل مع غير المسلمين لا يستلزم الاعتقاد بما يدينون، ولا يقتضي مخالفة المسلم لما يعتقده من أن الإسلام ناسخ لما سبقه من الملل، وان من لم يدن به لم تتحقق له النجاة في الآخرة.
14. لا حرج في إقامة لقاءات الإنترفيث في مساجد المسلمين أو في معابد غيرهم، على أن تراعي حرمة المساجد وعدم التشويش على من فيها من المصلين، بناء على الصحيح من أقوال أهل العلم من جواز دخول غير المسلمين إلى ما سوى المسجد الحرام من سائر المساجد، ولا حرج إذا حضرت الصلاة ان يصلى المسلمون في معابد الملل الأخرى، مع تجنب استقبال التماثيل، وأن يأذنوا لغير المسلمين بالصلاة في مساجدهم إذا لم يكن ذلك على وجه الاعتياد، وفي قواعد الشريعة ومقاصدها دليل على ذلك.
15. ومن رغب في مشاركة المسلمين في صلاتهم من غيرهم فلا يمنع من ذلك إذا ترجحت مصلحة تأليف قلبه بذلك ، على أن يكون في صف مستقل، أو على الأقل في طرف الصف حتى لا يقطع اتصال الصف، مع الاتفاق على أن الإيمان شرط في صحة جميع الأعمال وفي قبولها.
16. ولا حرج فيما قد يقع في بعض هذه اللقاءات من التهادي بين المسلمين وغيرهم، فهو من جملة البر والقسط الذي أمرنا به في التعامل مع المسالمين من غير المسلمين، ما لم تمنع من حق، أو تحمل على باطل، أو تمثل إعانة عليه.
17. وما تفتتح به هذه اللقاءات أو تختم به من دعاء مشترك إذا لم يتضمن دعاء لغير الله ولم يشتمل على عبارات شركية فلا حرج فيه، لما ورد في بعض الآثار من الإذن لغير المسلمين بشهود صلاة الاستسقاء، ويجب أن يتفق المشاركون في هذه الحوارات على مبادئ تضمن عدم المساس بالخصوصيات العقدية للمشاركين.
18. وما يتخلل هذه اللقاءات من أنشطة مشتركة منها ما يكون من جنس العبادات ومنها ما يكون من جنس العادات، فما كان من جنس العبادات لا تشرع المشاركة فيه لتردده بين كونه عبادة بدعية أو عبادة شركية، وما كان من جنس العادات فلا حرج في المشاركة فيه عند الاقتضاء تألفا للقلوب واستصلاحا للأحوال.
19. ولا حرج في التحالف في هذه اللقاءات وغيرها على نصرة المظلوم من المشتركين أو من غيرهم، والتعاون على أعمال البر العامة مما يمثل منفعة مشتركة لعموم البشر، وفي حلف الفضول وصحيفة المدينة دليل على ذلك.
20. على قيادات الجالية الإسلامية العناية بلقاءات الإنترفيث وتدريب الدعاة المتمكنين للقيام بهذا الأمر، والانفتاح على الجاليات الأخرى للإفادة منه في نصرة حقوقهم الاجتماعية والمدنية و ما يعود على جاليتهم بالنفع.
مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا