دعويةقضايا معاصرة

الوحي لغير الأنبياء

غلب على الأذهان أن الوحي هو نزول رئيس الملائكة جبريل – عليه السلام- على من اصطفاهم الله تعالى من البشر أنبياء ورسلا مبشرين ومنذرين، وهو مفهوم الوحي عند العلماء في اصطلاح الفنون.

على أن الناظر في كتاب الله تعالى، والمتأمل له يجد أن القرآن تحدث عن أنواع أخرى من الوحي، مما يفتح الباب أمام العقل البشري، هل يمكن أن يجد الإنسان بعض هذا الوحي له بينه وبين ربه، مع القطع الجازم بأن الوحي بمعنى نزول جبريل عليه السلام بالبنوة والرسالة على الأنبياء قد انقطع، فلا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى نزول جبريل أو أحد من الملائكة على رسل الله، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، كما قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]

الوحي في اللغة:

إن المتتبع لمعاني الوحي في اللغة،  كما ذكرها أبو هلال العسكري وابن منظور وغيرهما يجد أن من معانيه (الإشارة)، ومنه قوله تعالى: (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، كما أن من معانيه (الإلهام)، و(الإرسال)، و (الرؤيا)، و (الإعلام في الخفاء)، وأصل الوحي- كما قال الألوسي- التفهيم، فكل وسيلة للتفهيم فهي وحي.

الوحي في القرآن:

وقد جاء الوحي في القرآن بعدة معان، من أهمها:

الإشارة ببعض الجوارح:

كما ورد في شأن زكريا عليه السلام ، فيما قاله الله تعالى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) [سورة مريم: 11]،

الإلهام الغريزي:

ومنه الوحي للنحل أن تتخذ مساكن لها، وأن تنتج العسل الذي هو شفاء للناس من الأمراض، كما في قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68].

إلهام الخواطر للإنسان:

فقد يلهم الله تعالى الإنسان بعض الخواطر التي تكون في صالحه في بعض المواقف، ومن ذلك إلهام الله تعالى إلى أم موسى أن تلقيه في النيل؛ كي لا يأخذه جنود فرعون فيقتلونه، كما في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].

ومنه إلهام الله للحواريين الإيمان به وبعيسى رسول الله، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: 111].

وهذا مما يعني أن الوحي بهذا المعنى لا ينقطع إلى يوم القيامة، فالله تعالى يوحي في نفوس المؤمنين الإيمان به والطاعة له، والامتثال لأمره، ويرشدهم لكل خير، ويقذف في قلوبهم البعد عن كل شر.

الإلهام بالوساوس من الشياطين:

وقد استعمل القرآن الوحي بمعنى وساوس الشياطين للإنسان بالشر، كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]، ومنه قوله سبحانه: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121].

الأمر:

ومن معاني الوحي في القرآن الأمر من الله تعالى، كما قال سبحانه: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها ) [الزلزلة: 5].

ومنه قوله تعالى: (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) أي: أمر أهلها بما يصلح الأمر به.

إن الوحي لغير الأنبياء مما يطمئن الإنسان أن الله تعالى معه، وأنه لا يتركه، وأنه سبحانه يحبه، ومن حبه سبحانه لهذا الإنسان أن يلهمه الخير الذي ينفعه، وأن يلهمه أيضا ما يبعد عنه ما قد يضره، فيتعلق الإنسان بربه سبحانه وتعالى.

أما وحي الأنبياء، فأعظم شرفا، وأشد خطرها، لكنه وحي قد انتهى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد، فلا ينبغي أن يدعي أحد بعد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أن الله يوحي عليه، أو أنه ينزل عليه تعاليم ليقولها للناس، كما يقول مدعو النبوة، وإنما الوحي بمعنى الإلهام في أمور حياته، وفي خاصة نفسه، وهو بمعنى الإرشاد العام من الله تعالى لخلقه.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى