دعويةقضايا معاصرة

سبعة أسباب لخطبة جمعة منفرة

تمثل خطبة الجمعة منبرا دائما للمسلمين، فالناس تأتي طواعية كل أسبوع للاستماع إلى الخطيب فيما يلقي عليهم من وعظ وإرشاد، وخطبة الجمعة تصنف مما يسميه أهل الإعلام (الإعلام المباشر)، وهو أقوى أنواع الإعلام، وذلك عائد إلى عدة أمور، من أهمها: أنها عبادة مفروضة، بل من أعلى العبادات قدرا، ولهذا شدد النبي صلى الله عليه وسلم التحذير في تركها، وجعل من يتركها ثلاث مرات فقد طبع على قلبه.

كما أنها ساحة للالتقاء المسلمين بأكبر تجمع، ولهذا جاء النهي عن تعدد المساجد فيها، وأنها تصلى في المسجد الجامع، فلا ينتقل إلى مسجد حتى يمتلأ المسجد الكبير، وذلك بقصد أن تكون خطبة الجمعة أكبر تجمع للمسلمين، فيتلاقون ويطرح عليهم الخطيب أهم القضايا التي تهم المجتمع الذي يعيش فيه.

ولهذا نص الفقهاء على أنها ليست بديلا عن صلاة الظهر، وإنما هي صلاة مستقلة، وقد فسر بعض العلماء الصلاة الوسطى الواردة في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، أنها صلاة الجمعة يوم الجمعة، وبقية الأيام تكون صلاة الظهر، ضمن عشرة أقاويل في تفسير معنى الصلاة الوسطى.

ورغم أهمية خطبة الجمعة التي لا يماري فيها اثنان من المسلمين، إلا أن كثيرا من المسلمين يحتار في اختيار المسجد الذي يصلي فيه، فغالب خطبة الجمعة لا تضيف جديدا، ترى كثيرا من الناس فيها نائمون، ولا يستيقظون إلا عند النداء لإقامة الصلاة، حتى أضحت خطبة الجمعة – في أحايين ليست بالقليلة- منفرة لعموم المسلمين من الذهاب إلهيا، مما ترتب عليه أن يتعمد الناس الذهاب إليها متأخرين، المهم عندهم أن يدركوا الصلاة مع الإمام، أما الخطبة التي هي المقصود الأكبر، فلا عناية لهم بها، لما وصلت إليه حالة خطبة الجمعة من الضعف المنفر.

أسباب التنفير من خطبة الجمعة:

ومن أهم أسباب التنفير في خطبة الجمعة ما يلي:

أولا – غياب الإعداد الجيد:

فكثير من الخطباء لا يحضرون خطبة الجمعة إلا ليلة الجمعة، بل ربما صبيحة الجمعة، فلا يستغرق إعداد المادة العلمية في خطبة الجمعة إلا نذرا يسيرا من الوقت، مما يعني النذر اليسير من الفائدة.

ومن أسباب عدم التحضير الجيد أن الخطباء لم يتدربوا في الكليات الشرعية على كيفية التحضير والتجهيز لخطبة الجمعة، فليست هناك دورات في الإعداد لخطبة الجمعة، أو ورش عمل ، وغالب الخطباء الذين تخرجوا من الكليات الشرعية يدرسون قرابة خمسة عشر عاما أحيانا إن كان قد درس التعليم الديني لكنه رغم كثرة السنوات التي درسها فهو لم يعتل منبرا، ولم يمارس الخطابة وهو في مرحلة الطلب، ويفاجئ أنه بعد تخرجه قد تعين إماما وخطيبا، فيتعلم من خلال الممارسة دون تدرب، ولا يدري من أين يبدأ، ومن تميز فيهم بعد ذلك فباجتهاد شخصي ولكثرة الممارسة فيما بعد، وقليل ما هم.

ثانيا – الجهل بالمراجع والمصادر:

فمن الخطباء رغم دراسته في الكليات الشرعية ليست عنده مكتبة جيدة لإعداد الخطب والدروس، والبعض عنده مكتبة لكنه لا يدري من أي كتاب يأخذ، وإن أراد معلومة لا يعرف من أين يستقيها من أمهات الكتب، وأقرب شيء هو أن يبحث عن خطبة قديمة قالها هو سابقا، أو غيره، أو يبحث عن خطبة جاهزة من كتاب سابق، أو يبحث في الإنترنت عن عنوان خطبة، فتكون منقولة ليس فيها روح الواقع، ولا يظهر فيها بصماته الشخصية.

ثالثا – غياب الوعي الكلي بتأثير خطبة الجمعة لدى الخطيب:

فكل الخطباء يدرك تأثير خطبة الجمعة لكنه لا يدرك أن تأثيرها أكبر مما يتصور، فقد أجريت دراسة عن تأثير خطبة الجمعة في إحدى أكبر الدول الإسلامية، وكانت نتائج الدراسة أن 78% ممن شملتهم الدراسة أنهم يتأثرون تأثرا كبيرا بما يقوله الخطيب في جمعة الجمعة، وأن 71% يلتزمون ما يقوله الخطيب في خطبته.

وقد تمت دراسة عينة، حيث اتفق مع خطيب أن يخطب عن الربا، وأجري استفتاء قبل الخطبة وبعدها، وكانت النتيجة كما يلي:

ارتفعت نسبة معرفة معنى الربا إلى 97% بعد الخطبة وكانت قبلها 85%.

وارتفعت نسبة من يعرفون عقوبة المرابي إلى 59% بعد الخطبة وكانت قبلها 33%.

ارتفعت نسبة معرفة الناس أن التعامل مع البنوك الربوية حرام إلى 94% بعد الخطبة، وكانت قبلها 71%.

ارتفعت نسبة الراغبين في التعامل مع البنوك الإسلامية إلى 64% بعد الخطبة، وكانت قبلها 50%.

وكان من النتائج الرائعة للخطبة أن 34% سينصحون غيرهم بترك التعامل بالربا، وأن 31% سيقاومون أي عمل ربوي!

رابعا – انفصال خطبة الجمع عن قضايا الأمة والمجتمع:

فكثير من الخطب التي تلقى على مسامع المسلمين مكررة وجافة، تفقد روح النصوص ورونقها، ولا تنزل الآيات على واقع المجتمع والأمة، بل تكون بعيدة كل البعد عن قضايا الأمة والمجتمع، ففي الوقت الذي تحصل فيه بلبلة في المجتمع في قضية من القضايا، فينظر الناس الخطيب مرشدا لهم، كاشفا لهم عن وجه الشريعة في القضية، تجد الخطيب يتكلم في واد والناس في واد آخر، فتنفك خطبة الجمعة عن مقصدها ووظيفتها من بيان الحق في قضايا الساعة، من غير تحيز ولا تحزب، بل إظهارا للحق، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]، فمن الواجب أن تلتحم خطبة الجمعة مع واقع الناس، وأن تكون معبرة عن قضاياهم واهتماماتهم، فتكون لها قيمة أكبر في نفوس المصلين.

خامسا – طول الخطبة:

ومن المنفرات من خطبة الجمعة أن طائفة من الخطباء لا يحلو لهم إلا أن يطيلوا على الناس الخطبة، ولو كان المسجد صغيرا ضيفا، ولو كان الجو صيفا والناس يتصببون عرقا، فهو لا يشعر بما يشعر به الناس، ويطيل إطالة ممقوتة، فيها نوع من الاستطراد والتكرار الممل، فيكرر المعنى الواحد بجمل متعددة، ويكثر الإنشاء من الكلام، ويقل في خطبته الآيات والأحاديث والآثار، ظانا منه أنه يفهم الناس أكثر، ولو أردنا أن نلخص الخطبة التي تقترب من الساعة لاختصرناها في خمس دقائق على أكثر وجه، مما يدفع الناس إلى التأخر عن سماع الخطبة ويكتفي أن يدرك الخطبة الثانية والصلاة.

سادسا- ضعف أسلوب الخطبة:

يشعر الإنسان أحيانا أنه مجبر لسماع خطبة الخطيب، فلا يجد فيها معلومة جديدة ، ولا أسلوبا جيدا، بل يتخبط الخطيب في أسلوبه، فلا إدراك للتراكيب اللغوية، ولا مراعاة للقواعد اللغوية، فإذا به يرفع المنصوب، ويجر المرفوع.

والواجب على الخطيب أن ينمي مهاراته اللغوية، وأن يدرب نفسه على التحدث باللغة العربية  الفصحى اليسيرة، التي تكون بعيدة عن التقعر اللغوي، وهي في ذات الوقت تحافظ على النسق اللغوي، وقواعد اللغة وجمالها.

وأن يطعم الخطبة ببعض الشعر والأدب، وبعض الحكم والفوائد، حتى يزين خطبته بأسلوب عربي مبين.

سابعا – عدم تطوير الخطيب نفسه:

ولأن وظيفة الخطابة من أوضع الوظائف في العائد المادي، فنرى الخطيب يبحث عن وظيفة أخرى يحاول أن يسد بها حاجاته ولا يتسول الناس، بل هناك من الخطباء من يتسول الناس فعلا وإن كان التسول بأشكال مختلفة، فلا يفرغ الخطيب لوظيفته، عاملا بالمثل القائل:” على قدر فلوسهم نعمل”، ناهيك عن أن الخطيب ولو كانت هناك من الدول التي تكفيهم حاجاتهم فهو لا يطور نفسه، فلا يكتسب مهارات جديدة تعينه على أداء وظيفته على أكمل وجه، كدورات في التخطيط، أو دورات في الإلقاء، أو دورات في البحث والإعداد أو غيرها، حتى تنكمش وظيفة الخطابة في إلقاء بعض كلمات يعرفها الناس وربما سمعوها عشرات المرات، خاصة خطب المناسبات، بل ربما يكتفي الإمام بنقل خطبة أحد الخطباء المشاهير، راحة لباله، وتوفيرا لجهده، ولو علم المسكين لرأى أن التعب في تجهيز خطبة متميزة لها أثر كبير في الأمة، لكن الأمة عن فكره غائبة.

إن الواجب على الخطباء أن يتقوا الله تعالى في خطبتهم، دون أن يتحجج البعض بأن وظيفة الإمامة والخطابة لا تكفي حاجاته وأهله، بل قليل من الجهد والتفكير يجعل الخطبة ناجحة لها أثر كبير، ولا ينسَ الخطباء أن وظيفتهم امتداد لوظيفة الأنبياء والمصلحين، وأنهم مسؤولون عنها أمام الله تعالى قبل أن تكون مسؤولية وزارات الأوقاف التي يجب عليها أن تراعي حقوق الأئمة والخطباء، وأن يغنوهم عن ذل المسألة، وأن يجزلوا لهم العطاء، لأن باستقرارهم يكون استقرار المجتمع، فإن كانت وزارات الداخلية تعالج الجريمة بعد وقوعها، فإن الخطباء يعالجون الجريمة قبل وقوعها.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

Related Articles

Back to top button