دعويةقضايا معاصرة

أنا مرجعية نفسي

د. مسعود صبري

في ظل ظاهرة العولمة التي يعيشها الناس، ومع الانفتاح الذي يشهده العالم من الثورات العلمية وثورة الاتصالات، ومع تعارف الشعوب واطلاعها على العادات والتقاليد والأعراف المختلف نتج من ذلك سقوط المرجعيات في المجتمع المسلم، فنحن نشهد سقوط القدوات والمرجعيات خاصة المرجعيات الدينية، وأضحينا نشكو من عدم احترام تلك المرجعيات الدينية، وقد كنا نشكو قبلها من تقديسهم، ووقعنا في موقع متطرف من العلماء والدعاة بين التقديس والتبخيس، ففريق يقدس العلماء ويرى أنهم لا يخطئون، وفريق يرى العلماء وكونهم مرجعية للناس ضربا من التخلف الذي يجب أن نتجاوزه في هذا الزمن، فهو إنسان وأنا إنسان، وله عقل ولي عقل وهو يفهم وأنا أفهم!!

ورغم ذلك، فإن المرجعيات في شؤون الحياة لم تسقط، فما زال في مجال الطب هناك الأطباء وهم مرجع الناس، والقول من غير متخصص في الطب من الأمور التي ينكرها القاصي والداني، وأنه لابد من متخصص في هذا المجال، وقل هذا في كثير من مجالات الحياة، في الهندسة والفنون والإدارة والتنمية البشرية والاتصالات والالكترونيات، حتى في المهن كالنجارة والحدادة والسباكة والصرف الصحي نحترم أهل المهنة ونقدرهم.

وغياب المرجعيات في المجتمع المسلم له أسباب عديدة، من أهمها:

الجانب الإعلامي:

فالجانب الفكري والإعلامي  أضحى يصور للإنسان أنه يمكن أن يتكلم في أي شيء، ويبدي رأيه في كل شيء، وأنه يمكن أن يطرح تلك الآراء على عدد من الجمهور، وما زلنا نرى قنوات فضائية وإذاعية كبرى تستضيف أناسا من الشارع غير متخصصين مع متخصصين وعلماء ويبدو للناس أنهم في رتبة واحدة!!

كما أن الانفتاح في عالم التواصل عبر الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي أتاح لكل شخص أن يصنع عالمه وجمهوره وأن يكون هو مرجعية لمجموعته وكل شخص من مجموعته هو مرجعيتهم لهم، والإشكال في هذا هو عدم الاستعداد والتأهل العلمي الذي يجعل الإنسان مرجعا للناس.

ضعف العلماء:

وذلك أن طائفة من العلماء هانوا على أنفسهم وعلى العلم، ولم يقوموا بدورهم كما ينبغي، وشغلتهم الحياة الدنيا وزينتها عن وظيفتهم التي هي رسالة الأنبياء، فسقطوا من شرف المهنة، وهانوا في أعين كثير من الناس، إما بالتواطؤ مع السلطة غير العادلة والنطق بلسانهم، ومحاولة تبرير الأخطاء، فسقطوا من أعين الناس، أو للسعي نحو مناصب دنيوية، أو لطلب الغنى تحت سياط مطالب الحياة، فاحتاجوا لغيرهم من أهل الدنيا، وقد كان العلماء عبر التاريخ الإسلامي هم الذين يحتاج إليهم الكبير والصغير، العظيم والحقير، فكل الناس في حاجة إليهم، وهم مستغنون عن جميع الناس؛ لأن حاجتهم لم تكن إلا إلى الله تعالى، فحين استغنوا عن الناس أغناهم الله .

غياب مرجعية الإسلام:

ومن أهم أسباب سقوط المرجعية في المجتمع المسلم غياب مرجعية الإسلام في شؤون الحياة، سواء أكان في السياسة أو الاقتصاد أو الإعلام أو غيرها من مجالات الحياة، وليس أدل على ذلك من أن ينادي بعض الحريصين على الإسلام من المطالبة بالاقتصاد الإسلامي في دول المسلمين، والفن الإسلامي، والإعلام الإسلامي!! وهذا يعني غياب مرجعية الإسلام عن هذه المجالات، وعلى المقابل  هناك من يرفض تلك الدعوات، ويرون أن الإسلام لا علاقة له بالاقتصاد، وأنه لا علاقة له بالفن، ولا علاقة له بالإعلام، ولما يحشر الإسلام في كل صغيرة وكبيرة، وكأننا في بلاد غير المسلمين!!!

التيار الفكرية المعادية للإسلام:

ومن أهم أسباب ضعف المرجعيات في مجتمع المسلمين السماح لبعض التيارات الفكرية التي لا تقوم على الإسلام، ولكنها تيارات تجعل الفكر الغربي الذي يفصل الدين عن الدولة هو المرجع، وقد سمح لهؤلاء بأن يتولوا مناصب عليا في بلاد المسلمين، وكانوا من أهم أسباب الغزو الفكري في بلادنا، وذلك منذ خروج الاحتلال الغربي لبلاد العرب حتى يومنا هذا، ويظهرون أكثر في المجال الفكري والإعلامي والفني، والذي استطاع أن يغير كثيرا من مظاهر الحياة في المجتمعات المسلمة،وكان علينا أخطر ألف مرة من الاحتلال العسكري،فإن الاحتلال العسكري لم يفقد الأمية هويتها ولا أخلاقها، ولكن الغزو الفكري نجح بنسبة غير قليلة في هذا.

تغير نظام الأسرة والمجتمع:

ومن أهم أسباب غياب وضعف المرجعيات في مجتمع المسلم تغير نظام الأسرة والمجتمع، فقد كانت الأسرة ولا زالت هي آخر حصن للمسلمين، غير أن نظام الحياة الاجتماعية في بلاد المسلمين طرأ عليه كثير من التغيرات سواء في المظاهر والملابس أو ما يتعلق بالقيم والأخلاق والعلاقات الاجتماعية بين الناس، بل تغيرت البنية الأساسية من الأسرة الممتدة إلى الأسرة الضيقة، وتفككت كثير من الروابط الاجتماعية، فقلت صلة الأرحام، وضعف التواصل الحي بين الناس وحل محله التواصل الالكتروني، وظهرت المجتمعات الالكترونية مع تعقد الحياة وغيرها، وانشغال الناس في متاهات العمل غالب اليوم، والانشغال بمشاهدة التلفاز عددا كبيرا من الساعات داخل الأسرة، فتفكك التواصل الاجتماعي بين الأسرة الواحدة، ومع ظهور برامج التواصل في أجهزة الهاتف الحديثة وال آي باد والانترنت يجتمع الناس أجسادا في مكان واحد، وكل منهم يمسك بهاتفه الذكي يتواصل مع عالمه الالكتروني بروحه ونفسه وإن كان جسده مع بعض أفراد الأسرة أو الأقارب أو غيرهم.

النتيجة:

وقد ترتب على تلك العوامل وغيرها ضعف عامل الدين في نفوس الناس وفي حياتهم، ولا يعني الضعف هنا غياب الدين بالكلية، فإن الدين يبقى في نفوس المجتمعات المسلمة على اختلاف الدرجات، فمنهم من يحاول التمسك به في كل مجالات الحياة، ومنهم من يلتزمه في الجانب الاجتماعي دون الكسب والمال، ومنهم من يلتزمه في جانب العبادات، ومنهم من يلتزمه في حالات المرض والوفاة، ولكن مما لا شك فيه أن الدين متمثلا في علمائه وشيوخه أصابه شيء من الخلل، وأن العوامل التي أدت إلى هذا متشابكة، منها ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي، ومنها ما هو من داخل العلماء والدعاة أنفسهم.

وغياب المرجعية في حياة المسلمين هو من علامات الساعة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الرويبضة، الذي أخرجه الإمام  أحمد وغيره عن عوف بن مالك وغيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: يا رسول الله! وما الرويبضة؟ قال: المرؤ التافه يتكلم في أمر العامة”.

وفي رواية: قيل: وما الرويبضة؟ قال: الفاسق يتكلم فى أمر العامة.

وفي رواية أخرى: قيل: يا رسول الله، وما الرويبضة؟ قال: ” من لا يؤبه له»

وفي رواية: وما الرويبضة؟ قال السفيه ينطق في أمر العامة”.

الخلاصة:

علينا أن نحترم المرجعيات في تخصصها، وأن نعيد الثقة في الدعاة والعلماء، وعلى المرجعيات أن تحترم تخصصها وأن تصون أنفسها عما يشوبها، وأن تتجرد لله تعالى، وأن نتعامل مع علمائنا بالتقدير والاحترام لا بالتقديس ولا التبخيس.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى