فقهيةقضايا معاصرة

الانقلاب على النقاب

د.مسعود صبري

النقاب من شرائع الإسلام، ومن علاماته المميزة للمرأة المسلمة، ورغم وجود النقاب في بعض الفلسفات والبيئات إلا أنه أضحى علما على الإسلام، ويتضح ذلك جليا في حكم الفقهاء فيه، فجمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) يرون أن الوجه ليس بعورة، وإذا لم يكن عورة فإنه يجوز لها أن تستره فتنتقب، ولها أن تكشفه فلا تنتقب.

وقال الحنفية: تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة.

وقال المالكية: يكره انتقاب المرأة – أي: تغطية وجهها، وهو ما يصل للعيون – سواء كانت في صلاة أو في غيرها، كان الانتقاب فيها لأجلها أو لا، لأنه من الغلو.

وقالوا: يجب على الشابة مخشية الفتنة ستر حتى الوجه والكفين إذا كانت جميلة، أو يكثر الفساد.

واختلف الشافعية في تنقب المرأة، فرأي يوجب النقاب عليها، وقيل: هو سنة، وقيل: هو خلاف الأولى. (راجع: الموسوعة الفقهية الكويتية).

ولكن من عجيب الأمر ما يحصل في مصر من حرب على النقاب، ابتدأت منذ عدة سنوات بتبني الأزهر الرسمي أن النقاب عادة وليس عبادة، وقال بذلك عدد من دكاترة الأزهر أصحاب المناصب الرسمية فيه.

ثم زاد الأمر بعد الانقلاب الدموي الذي قام  به سلطة الانقلاب الحالي في مصر بقيادة الجيش والداخلية، مما اضطر بعض النساء المنتقبات إلى خلع النقاب خشية الاضطهاد، فما حكم محاربة النقاب، وما حكم خلع بعض المنتقبات النقاب؟

فمحاربة النقاب محاربة لحكم شرعي من أحكام الله تعالى، وذلك أن النقاب يدور بين الاستحباب، كما يذهب إليه الجمهور، وبين الوجوب كما هو رواية عن الإمام أحمد وغيره، فمحاربة النقاب كبيرة من الكبائر، ومحاربة لله ولرسوله، ولو كانت الدولة تتبنى الرأي القائل بالسنة، لأن إقامة السنن من فروض الكفايات كما قال العلماء.

أما خلع النقاب لمن خشيت على نفسها، فهذا يتوقف على الأذى المتوقع، واعتقاد المرأة المنتقبة فيه، هل تلبسه من باب الوجوب أو من باب الاستحباب؟

فالشيخ يوسف القرضاوي يرى أن النقاب مندوب، وأنه لا تنكر المنتقبة على غير المنتقبة والعكس، وأنه أخذ بالاحتياط.

ويرجح الدكتور عبد الفتاح عاشور الأستاذ بجامعة الأزهر أن يكون النقاب مستحبا، ولا يجب أن يكون محل نزاع، وأنه يجب أن يكون النقاب بعد ارتاده منهج حياة، ودليل استقامة المرأة المسلمة.

وهذا هو الاتجاه الأغلب للفقهاء المعاصرين، مع اعتبار أن هناك من يرى وجوبه أيضا من بعض المعاصرين، كالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وغيرهما.

ويذهب الشيخ عبد الله الفقيه أنه لا يجوز خلع النقاب خشية الأذى بشكل عام مهما كان هذا الأذى، على اعتبار أن النقاب واجب كما يرجحه.

بينما أفتى الدكتور عائض القرني بجواز خلع النقاب للضرورة، اعتمادا على قول الجمهور بأنه يجوز للمرأة كشف وجهها.

لكن إن خشيت المرأة المنتقبة على نفسها أن لبس النقاب قد يصيبها بالضرر وغلب على ظنها هذا فيجوز لها خلعه سواء أكانت ترى ذلك مستحبا أو واجبا، بناء على قاعدة :” الضرورات تبيح المحظورات”، أما إن كان الخوف توهما ولم يصل إلى درجة اليقين أو الظن الغالب، فإن كانت المرأة تلبسه وجوبا، كان حراما عليها خلعه، وإن كانت تلبسه مع الاعتقاد بأنه مندوب، فيكون خلعه مكروها.

كما أنه في الحالين لا يجوز لجميع النساء المنتقبات في مصر خلع النقاب، ولو تعرضن جميعهن للأذى، لأن خلعه بالكلية فيه ترك لمندوب أو واجب، وهو مرفوض باتفاق.

فيبقى خلعه خاصا في الحالات التي يغلب على الظن أن تصاب المرأة بأذى، وذلك في آحاد النساء وليس عاما في النساء.

كما أنه يجب على الأخوات المنتقبات مجاهدة هذا المنكر بالطرق السلمية والقانونية قدر المستطاع، وواجب على الرجال أن يعينوا النساء على هذا الأمر؛ من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من الأمور المشتركة بين الرجال والنساء، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].

وما يحصل من حرب على النقاب هو من البلاء الذي لم يكن يتوقع، أن تقوم دولة مسلمة بمحاربة حكم شرعي، ويعينها في ذلك المؤسسة الدينية الرسمية، فهذا مالم يكن يتوقعه أي فقيه، ولم يخطر بخلدهم.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى