فقهيةقضايا معاصرة

شهر شوال

د. مسعود صبري

ربطت الشريعة عددًا من الأحكام بالزمان والوقت، وتلك الأحكام لا تقبل في غير زمانها، لأن لها زمنُا مخصوصُا، وتعلقُا بتلك الأوقات الشريعة التي فضلها الشارع على غيرها. ومن ذلك الأحكام الشرعية التي تتعلق بشهر شوال.

وشهر شوال، هو الشهر العاشر من شهور السنة الهجرية عند المسلمين، الذي يلي شهر رمضان، وهو أول أشهر الحج، كما قال سبحانه وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]، وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة. وقد ذكر في سبب تسميته بهذا الاسم، أن الإبل كانت تشول بأذنابها أي ترفعها وقت التسمية؛ طلبا للإخصاب. كما قيل في تسميته أيضا: أنه سمي بهذا الاسم لتشويل ألبان الإبل؛ أي نقصانها وجفافها في هذا الشهر.

  • أشهر أحداث شهر شوال

وقد حفل شهر شوال بأحداث عظام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى رأس ثمانية أشهر من الهجرة كانت سرية بطن رابغ بقيادة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.

وفيه من العام الهجري الأول: كانت ولادة عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما- وكان أول مولود يولد للمسلمين المهاجرين بعد الهجرة. كما كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمنا عائشة- رضي الله عنها- في شوال من العام الأول أيضا.

وفي شوال من العام الثاني من الهجرة كانت غزوة بني سليم بالكدر، وذلك بعد أن فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر وشأن الأسرى بسبعة أيام، وكانت فيه غزوة بني قيقناع ، وهم أول من حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، كما كانت فيه مؤامرة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم من قبل عمير بن وهب وصفوان بن أمية.

وفيه من العام الثالث من الهجرة غزوة أحد التي استشهد فيها عدد من الصحابة على رأسهم عم رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب، كما كانت فيه غزوة حمراء الأسد التي كانت بعد أحد مباشرة.

وفيه من العام الخامس من الهجرة كانت غزوة الخندق التي أشار فيها سلمان الفارسي – رضي الله عنه- على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق.

وفيه من العام الثامن من الهجرة غزوة الطائف التي كانت بعد غزوة حنين.

وفيه من العام العاشر من الهجرة بدأ تتابع وفود القبائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلان إسلامهم، فعرف بعام الوفود، كما كانت فيه حجة الوداع وهي الحجة الوحيدة التي حجها النبي صلى الله عليه وسلم، ومات بعدها، كما كانت فيه بداية فتنة الردة والتي ارتدت فيها بعض القبائل عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وامتنعوا عن دفع الزكاة، مما دفع أبا بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجهز لحروب الردة فيما بعد.

 

  • الأحكام الفقهية الخاصة بشوال:

وتتعلق بشهر شوال عدد من الأحكام الفقهية، ومن أهمها ما يلي:

أولا- الشك في دخول شوال:

ففي ليلة الثلاثين من رمضان التي تحتمل أن تكون أول شهر شوال تصح النية بالصيام لكونه الثلاثين من رمضان رغم الاحتمال الوارد أن يكون أول شوال، وذلك إعمالا لقاعدة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان)، لكن إن قال المسلم: إن كان غدُا الثلاثين من رمضان فأنا صائم، وإن كان أول شوال فأنا مفطر، فقد رأى بعض الفقهاء أن صومه لا يصح؛ لأنه لم يجزم بنية الصيام، والنية قصد جازم، وخالفهم في ذلك آخرون، ورأوا أن من نوى بهذه النية ثم جاء الغد مكملا لرمضان فصيامه صحيح، لأن هذا شرط واقع، والأصل بقاء رمضان. راجع: المغني مع الشرح الكبير 3 / 25، 26، ونهاية المحتاج 3/159.

ثانيا-  ثبوت رؤية هلال شوال:

اعتاد المسلمون أن يطالعوا رؤية شوال في الليلة الثلاثين من رمضان التي قد تكون احتمالا هي الأول من شوال، وقد تحدث الفقهاء عما تثبت به رؤية هلال شوال، ومن ذلك:

  • إكمال عدة رمضان:

فقد اتفق الفقهاء على أنه يثبت رؤية هلال شوال إذا اكتمل رمضان ثلاثين يوما.

  • رؤية الشهود:

فتثبت رؤية شوال برؤية الشهود، وقد اختلف العلماء في العدد الذي تثبت به رؤية شوال، فذهب الجمهور إلى أنه تثبت رؤية شهر شوال بشاهدي عدل فما فوقهم، وقال آخرون: تثبت بشهادة رجل امرأتين. وقال البعض: تثبت بشهادة رجل واحد، واشترط البعض لكثرة العدد أن تكون السماء مصحية، فساعتها لابد من الرؤية المستفيضة

ثالثا- رؤية شخص واحد للهلال:

إذا رأى شخص واحد رؤية الهلال، فقد اختلف الفقهاء فيما يجب عليه على ثلاثة آراء:

الرأي الأول: إذا رأى شخص الهلال وحده لم يجز له الفطر ويجب عليه الصيام. وهو رأي الأحناف.

واستدلوا بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه-  فيما أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون”.

كما استدلوا بحديث عائشة – رضي الله عنها- فيما أخرجه الترمذي أيضا- قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم:” الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس”..فإن أفطر؛ وجب عليه القضاء بلا كفارة.

الرأي الثاني: من رأى الهلال وحده وكان في مكان بعيد ليس به أحد، كأن يكون في صحراء أو جزيرة أو في مكان منعزل عن البنيان، فيبني على يقين رؤيته، ويلزم اجتهاد نفسه؛ إذ لا أحد معه يعضده أو يخالفه، فوجب أن يصير إلى ما تيقن إليه. وهو رأي المالكية والحنابلة.

الرأي الثالث: إذا رأى شخص الهلال وحده؛ لزمه الفطر، لكن يستحب له أن يفطر سرا. وهو رأي الشافعية. واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:” وأفطروا لرؤيته” فأخذوا بعموم الحديث، وأن الحديث متوجه لجميع المسلمين، لكنه لما كان واحدا، ولم يره الناس؛ فيعمل كل واحد بما رأى. راجع: الفتاوى الهندية 1 / 198، الدسوقي 1 / 512، ومواهب الجليل 2 / 389.

رابعا- زكاة الفطر:

من العبادات التي يؤديها المسلمون في أول أوقات شهر شوال زكاة الفطر، ومحلها أن تؤدى قبل الذهاب للمصلى استحبابا، لحديث الدارقطني:” أغنوهم في هذا اليوم.” وإن اختلفوا في وقت وجوب الأداء، وهي أول ليلة من ليالي شهر شوال، على الراجح من أقوال العلماء. وذهب جمهور الفقهاء إلى أنها واجبة، وفي قول للمالكية أنها سنة.

ويحرم تأخير إخراجها، لكنها لا تسقط بخروج وقتها، لأنها واجبة في الذمة للفقراء، فيجب أداؤها لهم، ولا تسقط عن المسلم إلا بالأداء، لأن هذا حق الفقراء، ويستغفر الله تعالى ويتوب إليه من التأخير.

ودليل مشروعيتها  ما رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر، أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين.” وبقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الدارقطني: “أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير، نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير”  والحديث جاء بصيغة الأمر، والأمر يقتضي الوجوب كما قال الأصوليون.

خامسا- صلاة عيد الفطر:

من العبادات في شهر شوال صلاة عيد الفطر، وهي مشروعة باتفاق العلماء، وإن اختلفوا في حكمها، فذهب الحنفية إلى أنها واجبة غير مفروضة، وهي منزلة بين السنة والفرض عندهم، وذهب المالكية والشافعية إلى أنها سنة، وذهب الحنابلة إلى أنها فريضة.

ولقد واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، والمسلمون بعد وفاته إلى يومنا هذا، فهي من الأحكام الشرعية التي تتعلق بشهر شوال.

سادسا- صيام ست أيام من شوال:

ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب صيام ستة أيام من شهر شوال، مستدلين بالحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه:” من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر”، وذهب آخرون إلى كراهة ذلك لئلا يلحق العامة برمضان ما ليس منه، وهو قول مالك وأبي حنيفة.  راجع:التحقيق في مسائل الخلاف، لابن الجوزي (2/ 108)

والراجح أن صيام ست أيام من شوال سنة مستحبة، ولا كراهة في ذلك، والناس حين يصومونه لا يخلطون بينها وبين رمضان، فهم يفطرون يوم العيد، وربما أجل بعضهم الصيام بعده بيومين أو ثلاثة، كما أنهم يعلمون أن صيامها سنة ولم يختلط على أحد- حتى من العوام- أنها من السنة وليست واجبة.

وثواب صيام ستة أيام من شوال مع صيام رمضان كثواب من صام الدهر كله، لأن الحسنة بعشر أمثالها، وصيام ثلاثين يوما بصيام ثلاثمائة يوم، وصيام ستة أيام من شوال يعدل صيام ستين يوما، وهو تمام السنة الهجرية، وذلك كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله في الحديث الذي أخرجه النسائي وابن ماجه: “جعل الله الحسنة بعشر أمثالها فشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام تمام السنة “، ورواه ابن خزيمة بلفظ: ” صيام شهر رمضان بعشرة أمثالها وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة.

ويستحب لمن أراد صيام ستة أيام من شوال أن يبادر بذلك ولا يؤخرها، وهو من باب المبادرة والمسارعة بالخيرات، والتعجيل بفعل الطاعات، وهذا ما يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم:” ثم أتبعه”، والتبع يأتي مباشرة.

والأفضل في صيام ستة أيام أن يصومها متتابعة إن استطاع، ويجوز أن يصومها متفرقة، كما يجوز أن يصومها كل اثنين وخميس، ومع الأيام البيض، جامعا بين نية صيام الاثنين والخميس والأيام البيض.

كما لا تصوم المرأة إلا بإذن زوجها؛ وهذا داخل في عموم استئذان المرأة زوجها في صيام النافلة.

واختلف العلماء في الجمع بين نية قضاء ما فات من رمضان وصيام ستة أيام من شوال، والتفريق بينهما أولى؛ خروجا من الخلاف.

كما اختلفوا في جواز تقديم صيام ستة أيام من شوال، وهي نافلة، على صيام ما فات من رمضان، والأولى تقديم قضاء ما فات من رمضان؛ لتقديم الفريضة على النافلة، وذلك لعظم الفريضة.

سابعا- استحباب الزواج فى شوال:

يستحب الزواج والبناء في شهر شوال، فقد نص المالكية والشافعية على أنه يسن للرجل أن يتزوج في شوال ويدخل فيه، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تزوجنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شوال، وبنى بى فى شوال، فأى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى؟!

وكانت السيد عائشة – رضي الله عنها – تستحب أن يدخل نساؤها فى شوال ، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا يكرهون هذا ويتطيرون من ذلك؛ لما فى اسم شوال من قولهم: شالت نعامتهم، وشالت النوق بأذنابها. إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 575)

ثامنا- الاعتكاف في شوال:

يجوز الاعتكاف في شهر شوال، ولا يتقصر الاعتكاف في رمضان، وإن كان في رمضان آكد وأسن، لكن يجوز للإنسان أن يعتكف في أي وقت من العام، وذلك لثبوت اعتكافه صلى الله عليه وسلم فيه، وذلك كما ورد عن عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعتكف في كل رمضان، وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه. قال: فأستأذنته عائشة أن تعتكف، فأذن لها فضربت فيه قبة، فسمعت بها حفصة، فضربت قبة، وسمعت زينب بها، فضربت قبة أخرى، فلما انصرف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الغد أبصر أربع قباب، فقال: “ما هذا؟ “. فأخبر خبرهن، فقال: “ما حملهن على هذا آلبر؟! انزعوها فلا أراها”. فنزعت، فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال. وجاء في شرح صحيح البخارى لابن بطال (4/ 177): الاعتكاف فى شوال وسائر السنة مباح لمن أراده. ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم اعْتَكَفَ في شوال قضاءً عن اعتكافه الذي تركه في رمضان. فيض الباري على صحيح البخاري (3/ 385).

إن معرفة المسلمين لأحكام شهر شوال معينة على التزام أحكام الله تعالى وتطبيقها، وهي من المحامد الشرعية، التي ينبغي للمسلمين الحرص عليها؛ التزاما بالشريعة، وارتباطا بالهدي، وتحقيقا لخصوصية هذه الأمة، وارتباطها بالتاريخ الهجري الذي هو وجه من وجوه خصوصيتها وحضارتها.

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى