فقهيةقضايا معاصرة

صفقة القرن في ميزان الفقه

انتشرت في الآونة الأخيرة الحديث عن صفقة القرن، والتي يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي تتعلق بتغيير مسار حل القضية الفلسطينية؛ لتحل محل قرار الأمم المتحدة بجعل دولتين واحدة للكيان الصهيوني والثانية لفلسطين وعاصمتها القدس، والمعروفة بحدود عام 1967م.

  • تصور المسألة:

وتتلخص صفقة القرن حسب دراسة للمركز الفلسطيني للإعلام فيما يلي:

  • الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارتها إليها.
  • اختراع إدارة الرئيس ترمب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس (خارج إطار 6 كيلومتر) عن حدود عام 1967.
  • الإعلان عن “مفهوم أمني مُشترك لإسرائيل، ودولة فلسطين،

أن تكون الدولة الفلسطينية، على مساحة قطاع غزة الموسع، و39% من مساحة الضفة الغربية.

  • اعتراف دول العالم، بدولة عبرية كـ“وطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين وطنا قوميا للشعب الفلسطيني”.
  • تضمن “إسرائيل”، حرية العبادة في الأماكن المُقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم بها حاليا.
  • إيجاد “حل عادل” لقضية اللاجئين من خلال دولة فلسطين .

–     نهاية ما يسمى “حل الدولتين” واستحالة العودة لخطوط عام 1967 كحدود لأي كيان فلسطيني مستقبلي.

–     عدم شمول القدس بأي حل مع إعادة هندسة ديمغرافية لتحقيق أغلبية يهودية 88% في القدس المحتلة بشطريها الشرقي والغربي.

–     توطين اللاجئين وتعويضهم في أماكن سكناهم، مع عودة أعداد محدودة إلى الكيان الفلسطيني في غزة.

–     إقامة كيان فلسطيني أقل من دولة، مع نوع من العلاقة بين الأردن والضفة الغربية، وغزة مع مصر، بترتيبات أمنية.

–     التعامل مع كيانين منفصلين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع إمكانية توسيع قطاع غزة باتجاه شمال سيناء أو البحر أو كليهما في سياق تبادل أراضٍ إقليمي.

الإشكاليات الشرعية في صفقة القرن:

وتتمثل في عدة قضايا شرعية، وهي:

أولا- الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني.

ثانيا- التنازل عن القدس وغالب الضفة الغربية.

ثالثا- الاعتراف بعدم حق اللاجئين في العودة.

 

  • الأول: الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني:

ومضمون هذا هو الاعتراف بالدولة العبرية، وأن اليهود هم أصحاب الحق في فلسطين، ومثل هذا الاعتراف حرام شرعا، وهو كبيرة من الكبائر، وخيانة للأمة، وضياع لديار المسلمين.

وقد صدرت فتاوى تحريم الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ومن أهمها:

فتوى دائرة مجلس الإفتاء العام في عمَّـان بالأردن:

حيث أصدرت دائرة مجلس الإفتاء العام في عمَّـان بالأردن فتوى بحرمة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وذلك عقب  خــروج قـرار من مجلس الكونغرس الأمريكي القاضي بذلك.

ومما جاء فيه: ” إنَّ قرار الكونغرس الأمريكي القاضي بضم القدس يشكل عدواناً صارخاً على عقيدة كل مسلم في الأرض، وتعتبر الولايات المتحدة شريكاً في الظلم والعدوان الذي تمارسه إسرائيل….. القدس الشريف جزء من عقيدة كل مسلم يحافظ عليها كما يحافظ على دينه”.

فتوى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر 1947م:

كما صدرت فتوى عن لجنة الفتوى بالجامع الأزهر عام 1947م، بوجوب الحفاظ على المسجد الأقصى، وحرمة قبول تقسيم فلسطين حسب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1947م، والذي يقتضي الحل على أساس وجود دولتين: الأولى عبرية والأخرى عربية.

وقد وقع عليها ستة وعشرون عالما من علماء الأزهر الشريف، وعلى رأسهم بعض شيوخ الأزهر وبعض ممن تولوا منصب دار الإفتاء المصرية وكبار علماء الأزهر، مثل الشيـخ محمـد حسـنين مخـلوف، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد دراز

ومما جاء في فتوى الجامع الأزهر: ” إنَّ قرار هيئة الأمم المتحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحق والعدالة؛ ففلسطين مُلك العرب والمسلمين بذلوا فيها النفوس الغالية والدماء الزكيَّة، وستبقى ـ إن شاء الله ـ مُلك العرب والمسلمين رغم تحالف المبطلين، وليس لأحد كائناً من كان أن ينازعهم فيها أو يمزقها”.

فتوى الشيخ القرضاوي:

ويقول الشيخ القرضاوي:

” إن السيادة على القدس –الشرقية خاصة- يجب أن تكون إسلامية عربية فلسطينية وهذا لا يمنع النصراني، كما لا يمنع اليهودي، أن يقيم شعائر دينه فيها بكل حرية وسماحة، عرف بها الإسلام على توالي العصور. 
على أن قرارات الشرعية الدولية، الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تؤكد أن القدس ضمن الأراضي العربية المحتلة منذ سنة 1967م. 
ومن ثم نجد الأدلة كلها من التاريخ ومن الدين، ومن القانون الدولي متضافرة على إثبات حق الفلسطينيين في القدس.” 

 

  • ثانيا- التنازل عن القدس والضفة:

وفحواه أن يتم الاعتراف بأحقية الكيان الصهيوني بالقدس باعتبارها جزءا من الدولة العبرية، وكذلك أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهو أيضا لا يجوز شرعا.

وقد صدرت فتاوى عديدة بحرمة التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، ومن ذلك:

فتوى جمع من فقهاء الأمة:

كما صدرت فتوى صادرة من أكثر من ستين عالما وفقيها في الأمة عام 1410هـ، على رأسهم الشيخ محمد الغزالي، والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ الدكتور وهبة الزحيلي و الدكتور خالد المذكور والدكتور عجيل النشمي والدكتور جاسم مهلهل الياسين، والشيخ نادر النوري، والدكتور توفيق الواعي والدكتور عيسى زكي وغيرهم،، تحرم الاعتراف بأي حق لليهود في فلسطين، أو التنازل عن أي شبر من أراضيها، ويشمل ذلك – بالطبع- الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ومما جاء في الفتوى: “

لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين. وليس لشخص أو جهة أن تقر اليهود على أرض فلسطين أو تتنازل لهم عن أي جزء منها أو تعترف لهم بأي حق فيها. 
إن هذا الاعتراف خيانة لله والرسول وللأمانة التي وكل إلى المسلمين المحافظة عليها، والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، وأي خيانة أكبر من بيع مقدسات المسلمين والتنازل عن بلاد المسلمين إلى أعداء الله ورسوله والمؤمنين. 
إننا نوقن بأن فلسطين أرض إسلامية ستبقى إسلامية، وسيحررها أبطال الإسلام من دنس اليهود كما حررها الفاتح صلاح الدين من دنس الصليبيين، ولتعلمن نبأه بعد حين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 

فتوى الشيخ ابن باز – رحمه الله-:

كما سئل الشيخ ابن باز – رحمه الله- عن حكم الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما الواجب على المسلمين فعله، فأجاب:

فالواجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوَّة) وقال: (فالواجب على الدول الإسلاميَّة وعلى بقية المسلمين تأييدهم ودعمهم ليتخلَّصوا من عدوهم، وليرجعوا إلى بلادهم”.

فتوى الشيخ القرضاوي:

يقول فيها:

” لا يجوز لمسلم – مسؤولاً كان أو غير مسؤول – أن يتنازل عن أي جزء من أرض الإسلام، فأرض الإسلام ليست ملكًا لرئيس ولا لأمير ولا لوزير ولا لجماعة من الناس، حتى تتنازل عنها تحت أي ضغط أو ظرف. 
وإنما الواجب على الأفراد والجماعات الجهاد والنفير والمقاومة لتحرير أي أرض احتلها الأعداء، أو لاستعادتها إذا اغتصبها مغتصب، والأمة كلها مسؤولة بالتضامن عن ذلك، لا يملك حاكم ولا محكوم التفريط في هذا الأمر. 
وإذا عجز جيل من أجيال الأمة أو تقاعس، فلا يجوز له أن يفرض عجزه أو تقاعسه على كل أجيال الأمة القادمة إلى يوم القيامة، فيتنازل عما لا يجوز له التنازل عنه”. 

فتوى الشيخ عكرمة صبري:

كما أفتى الشيخ عكرمة صبري مفتي فلسطين سابقا، بحرمة التنازل عن أي شبر من فلسطين، وحرمة الاعتراف بالكيان الصهيوني.

ومما جاء في الفتوى:

” يحرم التنازل عن القدس كلها أو عن جزء منها، كما يحرم الإقرار للدولة اليهودية الغاصبة بالسيادة عليها، ومن باب أولى يحرم قطعًا أن يُعطَى اليهود جزءًا من ساحة المسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم عليه، وإن أي اتفاق بين اليهود وبين أي قيادة عربية يتم على هذا الأساس يعد باطلاً من أساسه لعدم مشروعية محله، لأن محل هذا الاتفاق هو تمليك جزء غال من أرض الإسلام للعدو الغاصب أو إقرار لسيادته عليه، وهذا غير مشروع بالنص والإجماع أما النص فقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}، ومعنى الآية لا تجعلوا للكافرين على المؤمنين سبيلاً، ومن أبرز السبل والكبائر أن يقر عدوان اليهود وغصبهم بتنازل أو باتفاق يوقع عليه قادة نصبوا أنفسهم لحماية الأرض والعرض والمقدسات، ومن الطامات الكبرى أن يحول جزء من ساحات المسجد الأقصى الذي اختاره الله للإسلام والتوحيد وعبادة الله وحده إلى كنيسة يكفر فيه بالله تعالى ويسب فيه أنبياؤه عليهم السلام ويؤذى فيه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وتنكر فيه رسالة الإسلام، وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]قال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]

  • ثالثا- التنازل عن حق العودة:

كما أفتى علماء المسلمين بحرمة التنازل عن حق عودة اللاجئين.

ومن ذلك فتوى الشيخ عكرمة صبري، في 9/9/200م، ومما جاء فيها:

” إن التعويض عن الأرض الفلسطينية كبيعها سواء بسواء ولا يجوز مطلقًا شرعًا، وينطبق على الذي يأخذ التعويض عن ممتلكاته الفتوى الصادرة عن علماء فلسطين منذ الثلاثينات من القرن الماضي والتي تنص على التحريم القطعي لأن الأرض الفلسطينية ليست سلعة للبيع والشراء. فهي وقفية مباركة مقدسة، كما أن علماء الأمة الإسلامية وقتئذ وحتى يومنا هذا قد أصدروا فتاوى مؤيدة لهذه الفتوى. 

لذا فإن عبارة (حق العودة والتعويض معًا) جائزة شرعًا، أي أن اللاجئ له الحق في العودة إلى دياره كما أن له الحق أيضًا في المطالبة بالتعويض عن الأضرار والمعاناة والخسائر التي لحقت به وبأولاده وأحفاده. 
في حين أن العبارة التي تقول (حق العودة أو التعويض) لا تجوز شرعًا لأن المحظور قائم فيها لأن التعويض عن الأرض محرم شرعًا. 
أما الذي لا يرغب في العودة فليس له الحق بأخذ التعويض مطلقًا، مهما كانت الأسباب ومهما كانت المبررات. 
وستبقى أرض فلسطين لأهلها ولجميع المسلمين إلى ما شاء الله، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.” 

ويقول الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله:

” أصدرنا فتوانا بتحريم قبول التعويض عن أرض فلسطين بالنسبة للاجئين المشردين في أنحاء العالم، ولو بلغ مئات المليارات، فأوطان الإسلام لا تقبل البيع ولا التنازل أو التعويض عنها بحال من الأحوال. “

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى