فقهيةقضايا معاصرة

فقه الصيام في رمضان

شرع الله تعالى الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وجعله تزكية للنفس وتقوية على الطاعة وجعل ثمرته التقوى، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183).

والصيام من مظاهر وحدة الأمة الإسلامية، فالمسلمون  في مشارق الأرض ومغاربها يصومون صياما واحدا، هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، فسبحان من جمع أكثر من مليار ونصف المليار على عبادة واحدة؛ إمساكا وإفطارا، كلهم يصومون، وكلهم يصلون، وكلهم يقرؤون القرآن، وكلهم يتهجدون بالليل، وكلهم يسارعون في الخيرات ويدعون ربهم رغبة ورهبة، طمعا في جنته، ورهبا من عذابه.

  • رؤية الهلال:

ويجب الصيام على المسلمين إذا رأوا هلال رمضان، وقد تنوعت وسائل إثبات ظهور الهلال بين العلماء، ومن أهمها:

أولا- أن يكمل شعبان ثلاثين يوما، فإذا تراءى المسلمون لرؤية هلال رمضان ولم يروه، وجب عليهم أن يتموا شعبان ثلاثين يوما،ثم يصومون اليوم الذي بعده ليكون الأول من رمضان، وذلك لحديث:” فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما”.

ثانيا- رؤية الهلال، فإذا استطلع الناس رؤية هلال رمضان، ورأوا أن الهلال قد ولد في جزء من الليل؛ وجب عليهم الصيام، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:” صوموا لرؤيته”.

ثالثا- أجاز بعض الفقهاء إثبات رؤية هلال رمضان بالحساب الفلكي وهو خلاف رأي جمهور الفقهاء، فقد روى بعض السلف أنه إذا أغمي الهلال رجع إلى الحساب بمسير القمر والشمس، وهو مذهب مطرف بن الشخير وهو من كبار التابعين. وحكى ابن سريج عن الشافعي أنه قال: من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة الاستدلال أن الهلال مرئي وقد غم، فإن له أن يعقد الصوم ويجزيه.

وقد أصبحت معرفة الهلال الآن من خلال لجان مكلفة من الدول الإسلامية، والواجب شرعا اتباعها، وعدم مخالفتها.

  • اختلاف المطالع:

ويجوز تعدد المطالع واختلاف البلاد في الرؤية إذا اختلفت اللجان، كما يستحب اتحاد المطالع، فإن رؤي الهلال في بلد؛ جاز للبلاد الأخرى الصيام برؤيتها، ولها أن تكون لها رؤية مستقلة.

  • معرفة الإمساك والفطر بالأذان:

ويعرف دخول الصبح أو غروب الشمس بالعلامات الشرعية، كما يكفي أن يكون بناء على الأذان في المساجد والمحطات الإذاعية والفضائية ونحوها إن كان من يؤذن أو من يعلن الأذان في الوسائل مؤتمنون، وبهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- وغيره من العلماء.

  • من يجب عليه الصيام؟

جاء الخطاب للمسلمين جميعا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وهذا من باب العام، فكل مسلم يجب عليه الصيام، فيكون الصوم واجبا في حق كل مسلم عاقل مقيم صحيح قادر على الصيام، وهو مستحب للأطفال الذين لم يبلغوا الحلم أن يدربوا على الصيام، ويثابون على صيامهم قياسا على الصلاة.

  • المسافر والمريض:

الفطر في حق المسافر جائز على كل حال، لكن يكره للمسافر الذي يضعفه الصوم، ويستحب للمسافر الذي يقدر عليه أن يصوم، ورخص للمريض أيضا، واستدل العلماء للمسافر والمريض بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].

وإن كان الصيام جائزا في حق المسافر، إلا أن هناك حالتين شدد العلماء فيهما على المسافر لا يجوز لهما الفطر فيهما، وهما:

-الأولى: من كان صائما وبدأ سفره بالنهار، فلا يحل له الفطر.

-الثانية: من عزم على السفر ونوى الصيام قبل الفجر، ثم سافر، فلا يجوز له الفطر أيضا.
ورأى بعض الفقهاء أنه يجوز له الفطر حتى في هاتين الحالتين، لأنه مسافر، وهو الراجح.

والمسافة التي يحل بها الفطر هي المسافة التي يجوز فيها القصر، وقيل: هي كل مسافة يطلق عليها في العرف سفرا دون تحديد لمسافة معينة.

  • الحائض والنفساء:

يحرم على الحائض والنفساء الصيام، ويجب عليهما القضاء فإن صامتا لم يصح صيامهما وتأثمان، ويجب عليهما القضاء مرة أخرى، لما  روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة”..

  • الحامل والمرضع:

 رخص للحامل والمرض الفطر، ودليله ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع” رواه أحمد وغيره.

  • أحوال الحامل والمرضع:

فرق الفقهاء بين حالات عدة في إفطار الحامل والمرض:

-الحالة الأولى: الإفطار خوفا على النفس من آثار الصوم عليهما، فيجوز لهما الفطر، وعليهما القضاء، ولا فدية عليهما؛ قياسا على المريض.

-الحالة الثانية: إن كان الفطر خوفا على النفس وعلى الولد معا؛ فإنه يجوز لهما الفطر، ويجب القضاء ولا فدية أيضا؛ لأن الخوف على الولد يكون تبعا لحكم الأم في هذه الحالة .

-الحالة الثالثة: إن كان صوم الحامل أو المرض خوفا على الولد وليس خوفا على النفس على رأيين:

الأول: وجوب القضاء مع الإطعام، لقوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، وهو المعتمد عند الشافعية والحنابلة.

الثاني: يجب القضاء وتستحب الفدية وليست واجبة، وذلك لحديث: ” إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن

الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام، قال الراوي: والله لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما أو كليهما”، وإليه ذهب بعض فقهاء التابعين.

الثالث: الحامل تفطر وتقضي ولا فدية عليها، وأن المرضع تفطر وتقضي وتفدي، لأن المرضع يمكنها أن تسترضع لولدها، بخلاف الحامل، ولأن الحمل متصل بالحامل، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها، ولأن الحامل أفطرت لمعنى فيها، فهي كالمريض، والمرضع أفطرت لمنفصل عنها، فوجب عليها الفدية. وهو مذهب المالكية.

الرابع: لهما الفطر وعليهما القضاء ولا تجب عليهما الفدية، وهو مذهب علماء السلف من الصحابة والتابعين.

  • العجزة عن الصيام:

يجوز الفطر للعاجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يتوقع شفاؤه، لما روى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: “وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين”، قال ابن عباس رضي الله عنهما: “ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينا”.

ومن كان مريضا ثم تحامل على الصيام وصام؛ صح صومه، فإن نوى الصيام ولم يستطع إكمال الصوم فلا حرج عليه لأنه مريض، وإن كان يعلم أن المرض يشق عليه حرم عليه الصيام، وإن كان لا يستطيع الصيام مطلقا؛ أطعم عن كل يوم مسكينا.

  • وكيفية الإطعام على حالات:

الأولى: أن يوكل غيره أن يطعم عنه كالجمعيات الخيرية ونحوها، بشرط أن ينبهم على أن هذا فدية الصيام.

الثاني: أن ينضج الطعام ويدعو الناس إلى بيته أو في أي مكان ويأكلون عنده.

الثالث: أن يعطيهم الطعام كلا على حدة، سواء أكان مطبوخا أو نيئا، على أن يجعل مع الطعام شيئا من الأدم كاللحم ونحوه.

  • الإغماء والصيام:

من المعلوم أن المجنون لا يجب عليه الصيام لأنه مرفوع عنه القلم، لكن المغمى عليه أو من يأخذون البنج بسبب العلميات الطبية، فقد اختلف الفقهاء في وجوب الصيام عليه، فالعلماء على ثلاثة آراء:

الأول: يجب عليهم قضاء ما فاتهم في هذا اليوم وإن فاقوا في جزء منه، وهو رأي جمهور الفقهاء.

الثاني: أنهم ليسوا مكلفين بالصيام؛ قياسا على المجنون.

الثالث: التفرقة بين الإغماء الطويل، فهم غير مكلفين والإغماء القصير الذين لا يزيد عن يومين فهم مكلفون ويجب عليهم القضاء.

أما كبير السن الذي بلغ حد الخرف، فلا يجب عليه الصيام، إلا إذا كان يفيق أحيانا فيجب عليه الصيام ويغيب الوعي عنه فلا يجب عليه ساعتها.

  • أركان الصيام:

للصيام ركنان، الأول: النية، والثاني: الإمساك عن المفطرات.

أولا- النية:

ودليل النية حديث أبي داود بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من لم يجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له”. وتصح النية في أي جزء من الليل، وهي عمل قلبي لا يشترط فيه التلفظ، والسحور دليل على النية، واختلف العلماء هل تجب النية لكل يوم أم يجوز أن تكون هناك نية واحدة للشهر كله.

ثانيا- الإمساك عن المفطرات:

والمفطرات نوعان، ما يجب القضاء وحده، وهي غالب المفطرات، وما يوجب القضاء والكفارة وهو الجماع.

والمفطرات التي توجب القضاء هي:

الأكل والشرب عمدا، ويجب فيها القضاء.

والقيء عمدا، فإن غلبه القيء فصيامه صحيح.

والحيض والنفساء ولو نزل الدم قبل الفجر بدقائق.

وإنزال المني عمدا بالاستمناء أو التقبيل أو النظر أو غير ذلك. ومعلوم أن الاستمناء باليد حرام – وهناك رأيان: الرأى الأول: أن الاستمناء يبطل الصوم، ويوجب القضاء. والرأى الثاني: يرى أن الاستمناء وإن كان حرامًا إلا أنه لا يبطل الصوم. وهو رأى الشوكاني والصنعاني والألباني.

وتناول ما لا يتغذى به، من المنفذ المعتاد، إلى الجوف: مثل تعاطي الملح الكثير.

ومن نوى الفطر وإن لم يأكل أو يشرب، أو كان صائما ثم نوى الفطر.

الأكل والشرب والجماع خطأ ، ظانًّا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر، فظهر خلاف ذلك. فهناك رأيان: الرأى الأول: وهو رأى الجمهور أن عليه القضاء. والرأى الثاني: وهو ما يرجحه ابن تيمية أن صومه صحيح، ولا قضاء عليه. لقول الله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب].

  • ما يوجب القضاء والكفارة:

وهو الجماع عمدا، فهو يوجب القضاء والكفارة، والكفارة: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا.

  • وهل يجب على المرأة كفارة؟

لا خلاف في فساد صوم المرأة إن جامعها زوجها. ولكنهم اختلفوا في وجوب الكفارة عليها بعد القول بوجوب الكفارة عليه.

وأراء الفقهاء في حكم الكفارة على الزوجة إن أفطرت بالجماع على النحو التالي:

الأول: وجوب الكفارة عليها؛ لأنها هتكت صوم رمضان بالجماع، وهو مذهب جمهور الفقهاء.

الثاني: لا كفارة عليها، وإنما يجب عليها القضاء، وهو قول للشافعي ورواية عن أحمد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزوج بالكفار ولم يأمر الزوجة، ولأنه الفاعل وهي محل الفعل.

الثالث: تجب عليها الكفارة في حقها، ويتحملها الزوج.

الرابع: أنه يلزم الزوج كفارة واحدة عنه وعن زوجته.

الخامس: لا كفارة عليها إن غصبت أو أتيت وكانت نائمة، وإلا فعليها الكفارة

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى