الفتاوىفتاوى كورونا

بيان حول صلاة الجمعة والجماعة دائرة الإفتاء العام بالأردن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطّاهرين، أمّا بعد:

فإنّ الوقاية من الأمراض السارية والمعدية منهج نبويّ، دلّنا عليه الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) حيث قال: (وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ) صحيح البخاري، وقال (عليه أفضل الصلاة والسلام): (لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) متفق عليه. كما شرّع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجرَ الصِّحي، مانعا الاختلاط بأهل الأمراض المعدية، كي لا ينتشر المرضُ ويعمّ البلاء، فقال: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا) متفق عليه.

ولا يخفى أنّ المحافظة على النّفس الإنسانية من أهمِّ مقاصد الشريعة الإسلامية، لذلك نجد في الشريعة التيسير في العبادة لكيلا يقع الضّرر بالمكلّف، مثل: إباحة التّيمم لمن يضره الماء، وإباحة الفطر لمن يضرّه الصوم، فيقضي حال القدرة أو يدفع الفدية، وكذلك أباحت الشريعة صلاة الفرض جلوسًا لمن لم يستطع القيام، وقصر الصّلاة للمسافر سفرا طويلا، وجمعها في السّفرِ وعند وجود المطر بشروطه المعتبرة عند السادة الفقهاء، وهكذا نجد أنّ الدِّين مبناه على اليُسر، ومراعاة حاجات الناس، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، والأدلّة على رفع الحرج في الدّين وإرادة اليُسر أكثر من أن تُحصى، فإدخال الإنسان نفسه فيما فيه حرج وعُسرٌ مضادٌّ لذلك الرّفع، ومناقضٌ لأصلٍ مقطوع به في الشريعة الإسلامية، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

وقدْ اعتبر السادة الفقهاء المطر والطّين من الأعذار التي يُترخص بها من صلاة الجمعة والجماعة، واستدلوا على ذلك بما جاء في (صحيح مسلم): عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: “إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ “، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ) قال الإمام النّوويّ الشافعي: “هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار” شرح النووي على مسلم (5 / 207)، فإذا كان الترخص في صلاة الجمعة والجماعة من المطر فهو من الأمراض المؤذية والضّارة من باب أولى؛ لأن القاعدة الفقهية التي رسّخها الحديث النبوي الشريف تقول: (لا ضَرر ولا ضِرار) رواه مالك في الموطأ، ورفع الضّرر أصل قطعيٌّ في الشريعة الإسلامية.

وبما مرّ أخذ السادة الفقهاء، قال شيخ الإسلام الإمام زكريّا الأنصاريّ الشافعي: “وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَجْذُومَ وَالْأَبْرَصَ يُمْنَعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَمِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ” أسنى المطالب (1 / 215)، وقد نصّ الإمام الشِّهاب ابن حجر الهيتميّ الشافعيّ على ” أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ فِي نَحْوِ الْمَجْذُومِ خَشْيَةَ ضَرَرِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَنْعُ وَاجِبًا” الفتاوى الفقهية الكبرى (1 / 212).

وبناءً على ما سبق، يجبُ شرعًا على الجميع الالتزام الكامل بجميع التعليمات والإرشادات الصحيّة والتنظيميّة الصّادرة عن الجهات ذات الاختصاص، طاعة لله تعالى ولأولي الأمر قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) [سورة النساء:59 ]كما على الجميع اتّخاذ الوسائل اللازمة لمنع انتقال المرض وانتشاره، كما يحرم على من أصيب بمرضٍ معدٍ أو اشتبه بإصابته به أن ينقل المرض للآخرين من خلال مُخالطتهم، ويجب عليه أن يأخذ بالاحتياطات الصحية اللازمة، كالحجر الصّحي.ويحرم عليه إخفاء إصابته بالمرض حتى لا يؤذي الآخرين .

وبما أن المرض ينتقل بالسرعة في حال التجمعات فإن الشرع يقضي بعدم أداء صلاة الجماعة والجمعة في المساجد، لذلك تصلى الفرائض جماعة في البيوت، وتُصلى الجمعة ظهرًا في المنازل، وحفاظًا على شعيرة الجمعة المباركة ستعقد في مسجد الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وستقتصر على أربعين ممن تصح بهم الجمعة من أبناء الخدمات الطبية الملكية.

نسأل الله تعالى أن يجعل بلدنا آمنا مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين، وأن يحمينا من الأمراض والأسقام، إنه على ذلك قدير، وآخر دعونا أن الحمد لله ربّ العالمين[1].

[1] –  14-03-2020

 

  • كيفية صلاة الجنازة والتعزية في ظل الإجراءات الاحترازية

المفتي : لجنة الإفتاء بدائرة الإفتاء بالأردن

السؤال :

في ظلّ القرارات الحكوميّة، والإجراءات الاحترازية، كيف تصلى صلاة الجنازة، وما حكم فتح بيوت العزاء، واتباع الجنازة والدفن، وما حكم إقامة حفلات الأعراس؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

فإنّ الله تعالى خفّف عن المؤمنين، وسهّل عليهم شؤون دينهم، ولم يكلّفهم فوق طاقتهم، فقال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] حتى صار ذلك من مبادئ الشريعة السمحة، وعلامة من علاماتها.

ولا يخفى أنّنا في هذه الأوقات نمرّ بمرحلة مهمّة عنوانها (الوقاية خيرٌ من العلاج) لذلك اتُّخذت كثير من الإجراءات الاحترازية التي تخفف أو تحدّ من انتشار عدوى المرض بين الناس، مثل تعليق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد، وفي هذا إشارة إلى جديّة الموضوع وأهميته، فالحفاظ على الأرواح مقصدٌ مهمّ من مقاصد الشريعة الإسلامية، والاختلاط بين الناس في هذه الأيام سببٌ للإصابة بالأمراض المُعدية التي قد تؤدي-لا قدّر الله- للوفاة ممّا يعود على مقصد حفظ النفس بالنقض، يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء/ 29.

ومعلوم أن التعزية مستحبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ، إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه ابن ماجه بسند حسن. والغاية منها تسكينُ قلب المُصاب، والتخفيف عنه، ويقال في تعزية المسلم: (أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك) ولا يُشترط فيها مصافحة ولا تقبيل، إنّما المصافحة فيها سنّة، وتترك في مثل هذه الأيام، خشية انتقال المرض، ووقتها من حين الموت إلى الدّفن، وبعد الدّفن بثلاثة أيام، وتحصلُ سنّة التعزية بمرة واحدة، ينظر: [حاشية الجمل على المنهج 2/ 212].

وصلاة الجنازة فرض كفاية، وتصحّ بواحد، وتسقط عن الباقين، وإذا كانت الجُمعة وهي فرضُ عين تسقط في هذه الأحوال، فمن باب أولى التقليل من حضور مناسبات الأفراح والأتراح.

والواجب في مثل هذه الأيام أن تتمّ صلاة الجنازة على المُتوفى في المقبرة، أو في مسجد الحيّ على أن يُقتصر الحضور على أهله المقرّبين فقط، الذين يقومون بحمله ودفنه، وتكون التعزيّة بالمقبرة دون مصافحة أو تقبيل، ثم يتمّ تقبّل العزاء من سائر الناس عبر الهاتف أو الرسائل النصيّة، ولا ننصح بإقامة بيوت العزاء منعًا للتجمع والاختلاط، وانتقال الأمراض.

أمّا بالنسبة لحفلات الأعراس فنرى أن تقتصر على الأقربين من أهل العروسين، وبأقل عدد ممكن، مع تقبّل التهنئة عبر الهاتف أو الرسائل.

وكل ما مرّ من باب الأخذ بالأسباب، وطاعةِ ولاة الأمر، الذين أمرنا الله بطاعتهم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء/ 59. والله تعالى أعلم[1]

 

[1] – رقم الفتوى : 3563التاريخ : 15-03-2020

 

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى