الفتاوىفتاوى كورونا

إيقاف صلاة الجُمع والجماعات في ألمانيا

  • حول إيقاف صلاة الجُمع والجماعات في ألمانيا حماية للناس من فيروس كورونا

بقلم: د. خالد حنفي – عضو الاتحاد ورئيس لجنة الفتوى بألمانيا والأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد

 فنتابع جميعاً سرعة تطور وانتشار فيروس كورونا في مختلف المدن الألمانية، وقد وجهت المستشارة الألمانية ميركل نداء بتجنب التجمعات البشرية قدر الإمكان، كما تواترت المعلومات الطبيبة عن أن الخطر الحقيقي للفيروس هو في سهولة وسرعة انتشاره وليس في إمكانية الشفاء منه، أو كونه مميتاً مقارنة بغيره، وأن المصاب به قد لا تظهر عليه أعراضه ولا يعلم أنه مصاب به، وهو بذلك ينشر العدوى في كل مكان ينتقل إليه. وأمام هذا الحال يُطرح السؤال: متى يجوز إيقاف الجمُع والجماعات في مساجد ألمانيا؟

 

الجواب: أما الجماعات فتختلف من مسجد إلى مسجد، فإذا كان عدد المصلين قليلاً يؤمن معه عدم نقل العدوي فلا حرج في إقامتها، وإذا كان التجمع كبيراً جاز إيقافها والأمر في الجماعة أهون من الجمعة.

 ويتعين وجوباً على المرضى وكبار السن البقاء في منازلهم وعدم الخروج لصلاة الجمعة أو الجماعة؛ لأنهم أكثر الفئات تعرضاً للخطر، وأعلى نسبة وفيات في كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة عافاهم الله.

 وأما صلاة الجمعة فيجوز تعطيلها في مساجد ألمانيا حتى تستقر الأحوال الصحية في البلاد، وذلك إذا صدر قرار من الجهات المسؤولة المحلية في المدينة بمنع التجمعات المشابهة، أو غلب على الظن وجود خطر في إقامتها كارتفاع نسبة المصابين في المدينة بالفيروس، وليس شرطا وجود قطع أو يقين في انتشار الفيروس إذا أقيمت الصلاة، فالأحكام تبني على الظن ولا يشترط لها اليقين، والخطأ في إيقاف الجمعة احتياطاً لسلامة الناس أفضل ورأحم من الخطأ في إقامتها مع مظنة العدوى، فالأول مغتفر بالاجتهاد، والثاني لا يمكن استدارك الخطأ فيه إن وقع.

 ولا أؤيد المقترحات التي طرحت في بعض المنتديات كتقسيم المصلين إلى مجموعات، أو تعدد الجمعة في المسجد الواحد، فتلك حلول غير عملية وغير آمنة أيضا، وأُدلل على مشروعية وصحة تعطيل الجمعة وإيقافها بما يلي:

1-القياس على ترك الجمعة لأجل المطر الذي يحمل الناس على تغطية رؤوسهم ففي الصحيحين: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ : إذَا قُلْت : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَقُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَلِكَ ؟ لَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم )، ولا شك أن خطر الفيروس أعظم من مشقة الذهاب للصلاة مع المطر.

 

2- هناك اتجاه أصولي قوى يرى تقديم حفظ النفس على حفظ الدين، وقد تبناه الرازي صاحب المحصول وغيره؛ لأن حفظ الدين لا يتم إلا بحفظ النفس، وقد جوز الشرع التلفظ بكلمة الكفر لحفظ النفس رغم الإخلال بالدين، وجوز للمريض والمسافر الفطر في رمضان حفاظا على النفس رغم الإخلال بالدين. ومن لوازمه صحة إيقاف الجمع والجماعات حفاظا على أنفس الناس أجمعين.

3 قرَّر الفقهاء أن الخوف على النفس أو المال أو الأهل أعذار تبيح ترك الجمعة أو الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ”. وإذا كان كل من يسافر أو يختلط بالناس اليوم يخاف على نفسه وأهله وماله من الفيروس فهو معذور في التخلف عن الجمعة أو الجماعة، ويجب على من ترك الجمعة أن يصليها ظهرا في بيته.

نبتهل إلى الله تبارك وتعالى أن يحفظ وطننا الحبيب ألمانيا، وشعبه الأصيل من الأمراض والأسقام، وأن يجعله آمنا مطمئنا وسائر البلدان، وأن يرفع البلاء والوباء عن البلاد والعباد، وأن يشفى المرضى ويعافي المبتلين إنه سميع مجيب.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى