- أ.د.محمد نعيم الساعي – أستاذ الفقه وعلومه – جامعة السلطان – مسقط-عُمان
سابقًا
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فإنه مما ينبغي التنبيه إليه لخطورة ما يترتب عليه من الفهم الخاطئ والاستنباط الفاسد ، أنه شاع بين كثير من المتكلمين في فقه الأحاديث فهم خاطئ لأحاديث”صلوا في الرحال”،”صلوا في بيوتكم”، فقد ظن كثير ممن تكلم في هذه الأحاديث استنباطًا وإفتاءًا أن هذه الأحاديث تقتضي معنىً أن النبي صلى الله عليه وسلم قد منع أو عطَّل إقامة الجمعة والجماعة لما مضى من الأعذار في تلك الأحاديث، وأن مسجده صلى الله عليه وسلم قد سُدَّ بابه دون المصلين!!!!!!، وهو خطأ فاحش ، و أفحش منه أن يُنْسَبَ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغير علم ولا بينة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن الذي صح معنىً ونقلًا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك الجماعة هو بنفسه حاضرًا ولا مسافرًا إلا لعذر المرض، أو أن يكون في بعض دور المدينة البعيدة عن المسجد منشغلًا لبعض شأن المسلمين ،فيتأخر عن الصلاة في مسجده.
وأن أمره المؤذن مسافرًا بأن يقول “صلوا في الرحال”، وأمره المؤذن حاضرًا أن يقول” صلوا في البيوت” إنما كان منه صلى الله عليه وسلم على سبيل الرخصة والترخيص لمن يشق عليه من المسافرين معه إتيان موضع نزوله في سفره، أو إتيان مسجده من الحاضرين من أهل المدينة، ولم يكن ذلك على وجه العزم والإيجاب، وإنما كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم إشفاقًا على الناس أن يُكَلَّفُوا بما يُدْخِلُ الحرج عليهم، ثم كان صلى الله عليه وسلم يصلي بمن حضر معه من المسلمين، حاضرًا، ومسافرًا، ولذلك بَوَّبَ البخاري لهذا المعنى فقال: باب: هل يُصلي الإمامُ بمن حضر، وهل يخطب الجمعة في المطر.
وفي بعض روايات الحديث في الصحيح من حديث أنس “فصلَّى، وصلَّيْنا معه(صلى الله عليه وسلم)، فهذا في حضره صلى الله عليه وسلم، ما ترك ولا أوقف ولا عطَّلَ جمعةً ولا جماعةً، ولا أُغلِقَ بابُ مسجدِهِ دونَ أحدٍ.
وأما في سفره فإن المستقرأ لما صح من سيرته وحديث أصحابه صلى الله عليه وسلم عنه حال سفره ليعلم علم اليقين أنه ما حضر وقت صلاة فريضة، أداءً ، أو قضاءً ، إلا ومعه من أصحابه من تُقام بهم الجماعة ، وأنه ما صلى فريضةً في سفره قطُّ وحده صلى الله عليه وسلم.
فإذا وضح هذا وصح- ولا بد إن شاء الله- فإن الشعائر لا يجوز تعطيلها في هذه الأيام، بل تُقام بالعدد الأدنى الذي ذكرناه في فتوانا السابقة حفظًا لشعائر الإسلام ومنارات الدين، ودرءًا لأخطار انتشار الأمراض وأضرار العدوى، إلا أن يمنع المسلمين من إقامة شعائرهم مانع قاهر لا قِبَلَ لهم به، مما ذكرنا ضابطه ومثاله فيما مضى من الفتوى، ومنه أن يُمْنَعَ الناس ُ من ارتياد مساجدهم. بقانون عرفي مدني أو عسكري، أو بقانون يحظر الخروج من البيت إلا لكذا وكذا، وليس ارتياد دور العبادة منه، فحينئذٍ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وهل نأمر الناس أن تُصلي الجمعة والجماعة، كلٌ في بيته بما تصح به تلك الجماعات ولو بالحد الأدنى عددًا. أما صلوات الجماعة للفرائض دون الجمعة ، فنعم. ، قولًا واحدًا ، ولا يصح أن يكون اختلاف في ذلك إن شاء الله.
وأما صلاة الجمعة، فالأقرب والأقوى عندي إن شاء الله تعالى، نعم، وذلك حفظًا للشعيرة، ولا سبيل لها إلا ذلك، وأنه لا بأس بتعدد الجمعة للحاجة في قول العامة من الفقهاء، وهذا منه إن شاء الله.
نسأله تعالى أن يرفع البلاء والداء وتسلط الأعداء ، إنه تعالى نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.