الفتاوىفتاوى كورونا

هدي الإسلام في التعامل مع فيروس كورونا

  • د. مسعود صبري

أصيب الناس في جميع أنحاء العالم بالهلع والخوف بسبب انتشار فيروس كورونا، باعتباره نوعا جديدا وفريدا، لم يستطع الطب الوصول إلى علاجه له، مما يتطلب وعيا صحيا، ومعرفة بأحكامه الشرعية باعتباره أحد الأوبئة، والآداب التي حث عليها الإسلام في التعامل مع مثل هذه الفيروسات.

تعريف فيروس كورونا:

تعرف منظمة الصحة العالمية فيروسات كورونا بأنها: “فصيلة كبيرة من الفيروسات التي يمكن أن تتسبب في أمراض تتراوح بين نزلة البرد الشائعة والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس).

  • الأحكام الفقهية للطاعون:

أولا- استحباب القنوت في الصلوات:

وذلك لرفع البلاء، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والمالكية، خلافا للحنابلة، واستدل جمهور الفقهاء لاستحباب القنوت بسبب الطاعون؛ أنه من أشد النوازل، كما أنه قد يكون عقوبة؛ فيلجئ إلى الله بالصلاة والقنوت لرفعه.

ثانيا- منع الخروج من بلد الطاعون ومنع الدخول لمن هو خارجه:

فمن كان في بلد الطاعون، فلا يخرج منه؛ حتى لا يؤذي غيره، ومن كان خارجه، فلا يسافر إلى البلد الذي فيه الطاعون.

والأدلة على هذا:

ما أخرجه البخاري ومسلم، واللفظ له (4/1738) من حديث عامر بن سعد أن رجلا سأل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن الطاعون ، فقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنا أخبرك عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” هو عذاب أو رجز أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل أو ناس كانوا قبلكم ، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها عليه ، وإذا دخلها عليكم فلا تخرجوا منها فرارا”.

ولما أنكر سعد بن أبي وقاص دخول عمر – رضي الله عنهما- أرض الطاعون قائلا له: ” تفر من قدر الله يا أمير المؤمنين؟ قال له عمر: نفر من قدر الله إلى قدر الله .

والحكمة من هذا، أن لا يعدي المرضى المصحين، وألا يتعرض الأصحاء للمرض، فإنه ليس مقصودا للشارع تعرض العبد للبلاء، وأن يصبر المبتلون عليه بما لهم من الأجر عند الله تعالى، وأن يشكر المعافون ربهم بما وهبهم من العافية من البلاء.

ثالثا- وجوب الصبر لمن ابتلي به:

ومن عظيم شريعة الإسلام أن من ابتلي بالطاعون؛ فصبر فمات؛ كتب عند الله من الشهداء، كما ورد في صحيح البخاري (10/192) عن يحيى بن يعمر أن عائشة – رضي الله عنها- أخبرته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون. فقال: ” كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد يكون فيه ويمكث فيه لا يخرج من البلد صابرا محتسبا ، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد”.

رابعا- جواز الخوف والاحتراز من العدوى:

يجوز للإنسان أن يخاف من الوقوع في العدوى؛ فإن الخوف من الأذى والوفاء من الفطرة.

قال القرافي في الفروق ( 4 / 237 ط عالم الكتب):” وقد يجب الخوف من غير الله – تعالى- كما أمرنا بالفرار من أرض الوفاء والخوف منها على أجسامنا من الأمراض والأسقام، وفي الحديث:” فر من المجذوم فرارك من الأسد”، فصون النفس والأجسام والمنافع والأعضاء والأموال والأعراض عن الأسباب المفسدة واجب”.

 

  • آداب التعامل مع فيروس كورونا:

أولا:
الحرص على النظافة العامة وغسل الأيدي بشكل دائم:

حث الشرع الحنيف على غسل اليدين، وهما من أمور الوقاية من الإصابة بالعدوى، وقد جاء غسل اليدين في كثير من المواطن، ويكفي أن يغسل المسلم يديه خمس مرات في اليوم والليلة للوضوء في الصلاة، وفيه من الفوائد الصحية للمحافظة على صحة البدن والإصابة بالعدوى.

ومنه غسل اليدين قبل الأكل وبعده، كما حث النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل المسلم يديه بعد الاستيقاظ من النوم إن أدخلها الإناء، خشية أن يكون بها نجاسة، وفي أخرج البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة – رضي الله عنه-: أن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال:” إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده.

ومنه يعلم مشروعية غسل اليدين بالصابون والديتول وغيرهما، مما ينصح به الأطباء، فإنه يتماشى ومقاصد الشريعة في الحفاظ على الصحة والوقاية من العدوى.

ثانيا:
الاستنجاء باليد اليسرى:

ومن آداب النظافة الاستنجاء باليد اليسرى، كما ورد في الصحيحين” ولا يستنجي بيمنيه”. (فتح الباري 1 / 254 ) ومسلم ( 1 / 225 ) واللفظ للبخاري .

وذلك لكثرة استعمال الإنسان يده اليمنى في الطعام والشراب وعظائم الأمور، وذلك خشية بقية النجاسة في يده.

ثالثا:
تغطية الوجه في العطس:

ومن الاحترازات الصحية حين يعطس المسلم، فيستحب له أن يخفض صوته بالعطس، وأن يغطي وجهه بمنديل ونحوه؛ حتى لا يؤذي من حوله بما يخرج من عطاسه.

 أخرج أبو داود (5 / 288) في سننه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه، وخفض أو غض بها صوته”.

قال ابن العربي كما جاء في  فتح الباري لابن حجر 10/ 618:

“وفي تغطية الوجه: أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه.”

رابعا:
التحصن بالأذكار:

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحصن بما ورد عنه من الأذكار النافعة، ومما ورد في ذلك:

ما رواه أبو داود (5088) ، ورواه الترمذي في سننه (رقم/3388)، عن أبان بن عثمان بن عفان – رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم”.

ومنه ما ورد في في سنن أبي داود والنسائي وأحمد، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: “اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، ومن سيء الأسقام”.

قال الخطابي في معالم السنن (1/ 297): “يشبه أن يكون استعاذته من هذه الأسقام لأنها عاهات تفسد الخلقة وتبقي الشين وبعضها يؤثر في العقل وليست كسائر الأمراض التي إنما هي أعراض لا تدوم كالحمى والصداع وسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات وإنما هي كفارات وليست بعقوبات”.

خامسا:
كثرة الدعاء:

وعلى المسلم أن يكثر من الدعاء خاصة في مثل هذه الأحوال، فإنه قد تقرر في الشريعة السمحاء أن الدعاء يرفع البلاء، كما ورد في حديث الترمذي (2139) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” لا يرد القضاء إلا الدعاء”. وبقدر قوة الدعاء يرد الله به القضاء ويرفع البلاء.

قال الملا الهروي في: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1528):

“وتأويل الحديث أنه أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه، فإذا وفق للدعاء دفعه الله عنه”.

وليعلم المسلم أن الأمور كلها تسير بمقادير الله تعالى، فيلجأ إلى الله تعالى ويسأله بقدرته أن يقيه من وقوع البلاء، بل وإن وقع؛ فيسأله أن يرفعه عنه، كما قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].

سادسا:
البعد عن التجمعات التي يظن أنها مظنة العدوى:

ومن الآداب الواجبة أن لا يعرض المسلم نفسه للضرر، وذلك بالابتعاد عن الأماكن التي تنتشر فيها الأوبئة، وذلك أن المسلم مأمور بحفظ بدنه الذي هو أمانة الله تعالى عنده، فلا يحل له التصرف فيه كيفما شاء، بل وفق ما أمر الله تعالى به وأرشد، ولهذا جعل ( حفظ النفس) أحد مقاصد الشريعة الكبرى، وجاء النهي عن دخول الأماكن التي فيها الطاعون والأوبئة.

سابعا:
تذكير الدعاة الناس بالله:

ومما يتوجب على الدعاة أن يقوموا بواجب الدعوة والتبليغ، وإفهام الناس الحكمة من البلاء من اختبار الله لصبر المبتلين، وشكر المعافين، كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] .

كما يذكرونهم باللجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه في الضراء والسراء، وكثرة الصلاة، فإنها مما ترفع البلاء، كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].

ولعل ما يحصل للناس من بلاء يكون سببا في الهداية والتوبة إلى الله تعالى، فإن التوبة واجبة على كل حال، كما قال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

وليعلم أن هدي الإسلام في النظافة والتطيب والطهارة التي أمر بها وحث عليها لهي منهج أصيل في الوقاية من الأوبئة والأمراض، فالوضوء المتكرر، وغسل الأيدي، واتباع الآداب التي تتعلق بالعطس ونحوه، والنظافة العامة التي أمر الإسلام بها، لهي منهج وقائي من الإصابة بالأوبئة والأمراض المزمنة، ذلك أن الإسلام جاء منهج حياة متكامل؛ ليرشد الناس إلى الحياة السعيدة في الدنيا، والنجاة في الآخرة.

{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138]

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى