اللجنة الدائمة للإفتاء بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا
السؤال:
هل يجوز تكوين مجموعات تتواصى على صلاة الغائب كل يوم على من يكون قد مات من المسلمين في نازلة كورونا؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الصلاة على الغائب سواء أكان في هذه النازلة أم في غيرها إنما تُشرع في حق من لم يصل عليه اتفاقا، كما تشرع في أظهر أقوال أهل العلم في حقِّ من لهم شأن في الإسلام، كأكابر العلماء والدعاة، والمجاهدين، وأكابر المحسنين المتصدقين، ونحوهم؛ فقد صلى النبي ﷺ على النجاشي صلاة الغائب الذي كان من ملوك الإسلام الصالحين، وقد نصر المسلمين المهاجرين، ومكَّنهم من العبادة حوله، وكاتبه النبي صلى الله عيه وسلم وقَبِلَ هديته، فلذلك صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب، ففي الحديث المتفق عليه ان رسول الله ﷺ نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعًا..
فيُلحق به أكابر العلماء و الدُّعاة والمجاهدين والمحسنين الذين لهم سابقة وبلاء في نصرة الإسلام والمسلمين.
ومما هو جدير بالذكر أن هذه المسالة من مسائل الاجتهاد، فقد اختلف أهل العلم القائلين بمشروعية الصلاة على الغائب ، هل تشرع الصلاة على كل غائب أم لا وذلك على عدة أقوال:؟
القول الأول:
وهو للشافعية والحنابلة أنه تشرع الصلاة على كل غائب عن البلد، ولو صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه .
والقول الثاني:
أنها تشرع الصلاة على الغائب بشرط ألا يكون قد صُلِّي عليه في المكان الذي مات فيه، فإن صُلِّي عليه فلا تشرع صلاة الغائب عليه .
وهذا القول رواية أخرى عن الإمام أحمد ، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، ومال إليها من المتأخرين : الشيخ ابن عثيمين
والقول الثالث:
أنه تشرع الصلاة على الغائب إذا كان له نفع للمسلمين، كعالم أو مجاهد أو غني نفع الناس بماله ونحو ذلك .وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ، وبه أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء ببلاد الحرمين.
والذي نرجحه هو القول بمشروعية صلاة الغائب على من لم يصل عليه، وعلى من له نفع عام للمسلمين، فكما تصلى صلاة الغائب على من لم يصل عليه تصلى على من لهم شأن في الإسلام، ونفع عام لجماعة المسلمين.
وأما بقية الناس فيُكتفى بالصلاة على جنائزهم، ومن فاتته الصلاة عليه صلَّى على قبره أو اكتفى بالدعاء له، فقد حصل أن مات كثيرٌ من الصحابة في العهد النبوي وقُتلوا ولم يُنقل أنه ﷺ كان يُصلي على كل غائب، وهكذا خُلفاؤه ما نُقل أنهم يُصلون على كل من مات بعيدًا عنهم، فدل على أنه لا يُصلى على كلِّ غائب.
مع التأكيد على أن هذه المسالة من مسائل الاجتهاد، وأن الترجيح في هذه المسائل نسبي، فما ترجح لدى فقيه قد لا يكون راجحا في بقية المذاهب، أو عند بقية المفتين،
والأصل عدم الإنكار على المخالف في هذه المسائل، فمن ظهر له رجحان احد القولين عمل به ولم ينكر على من ظهر له رجحان القول الآخر.
وولا حرج في تكوين مجموعات في أوقات الأزمات والجوائح العامة تتواصى فيما بينها على التعاون على إقامة بعض فروض الكفاية إذا فرط في إقامتها الآخرون أو عجزوا عند ذلك ليرفعوا الإثم والخرج عن الباقين،
هذا إذا كان الحديث عن ميت بعينه يراد الصلاة عليه: إما لأنه لم يصل عليه أو لأنه من ذوي الشأن والسابقة،
أما الصلاة المطلقة التي لا يقصد بها ميت بعينه فلا أعلم لها سلفا فينبغي الانكفاف عنها، وإذا تردد الأمر بين كونه سنة وكونه بدعة فالانكفاف عنه أولى.
والله تعالى أعلى وأعلم