الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد ورد إلينا سؤال عن حكم بذل الصدقات لغير المسلمين في وباء كورونا.
والجواب عن ذلك نقول:
يجوز إعطاء الصدقات لغير المسلم خاصة في هذه الجائحة العصيبة التي يمر بها العالم بسبب وباء كورونا:
يدل لذلك عموم قوله تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّما يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ}(الممتحنة: 8-9)
فالإحسان إليهم وبرهم أمر مقرر شرعا ومن ذلك بذل الصدقات والمساعدات والهبات سواء كانت المساعدات نقدية أو غذائية أو صحية أو إعلامية أو كانت بالمشاركة في الجهود ومساندة الجهات المعنية الرسمية وغير الرسمية لمجابهة هذا الوباء.
فهذه الأمور كلها داخلة في البر والقسط، والإحسان. والله تعالى يقول:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}(النحل: 90) وهذا عام شامل لكافة أنواع الإحسان المادي والمعنوي.
فديننا دين رحمة للعالمين جميعا {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107) فالرحمة مشروعة لعموم البشرية بل لعموم العالمين الشامل للإنسان وغيره من المخلوقات. وهذا ما يجسده قوله صلى الله عليه وسلم “في كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ”. أخرجه البخاري (2466) ومسلم (2244)
وقد ثبت في صحيح البخاري أن أسماء استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلة أمها وهي على الشرك فرخص لها في ذلك فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:”قَدِمَتْ عَلَيّ أمي وهي مشركة – في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومُدَّتِهم – مع أبيها، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبةٌ – تطلب العون – أفأصلها؟ قال: نعم صِلِيْها“رواه البخاري برقم 2946.
وتصدقت عائشة أم المؤمنين على يهودية وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم مسند أحمد برقم 24815 وهذه النصوص امتداد واقعي يترجم ما جاءت به رسالة الإسلام من الخير والرحمة والإحسان لعموم العالم.
قال ابن قدامة: يجوز دفع صدقة التطوع إليهم، ولهم أخذها، قال الله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} (الإنسان: 8) ولم يكن الأسير يومئذ إلا كافرا [المغني لابن قدامة](2/ 492)
قال ابن رشد: والأظهر أن يحمل على كل أسير كان من أهل الإسلام، أو من أهل الكفر، وبالله التوفيق [البيان والتحصيل](17/ 532)
وقد أفتى بالجواز الحنفية ، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
وهو ما نختاره ونفتي به لما تقدم من الأدلة.
هذا وتوجه اللجنة نداء عاجلا إلى العالم كافة حكومات وشعوبا ومؤسسات مدنية ورسمية أن تتضافر جهودهم للتصدي لهذا الوباء الفتاك بكل أنواع البذل والمعونة ماديا ومعنويا وهذا مشمول بما أمر الله به تعالى من التعاون على البر والخير {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}(المائدة:2) وهذا عام للمسلمين وغير المسلمين. كما فرض سبحانه إحياء النفس البشرية على الناس جميعا فقال تكليفا وترغيبا {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}(المائدة: 32)
وهذا يشمل كل ما يصب في هذا الاتجاه من المساعدات والصدقات والمعونات للمصابين والمتضررين ومراكز البحث العلمي التي تسابق الزمن في البحث عن عقار للوباء.
نسأل الله أن يكشف البلاء عن خلقه وأن يدفع عنا نقمته وغضبه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
الشيخ الأستاذ الدكتور نور الدين الخادمي رئيسا
الشيخ الدكتور فضل مراد عضوا ومقررا
الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد جاب الله عضوا
الشيخ الدكتور سلطان الهاشمي عضوا
الشيخ الدكتور أحمد كافي عضوا
الشيخ ونيس المبروك عضوا
الشيخ سالم الشيخي عضوا
الشيخ الأستاذ الدكتور صالح الزنكي عضوا
الشيخ الدكتور محمد الرايس عضوا
الشيخ الأستاذ الدكتور علي القره داغي أمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.