الفتاوىالمعاملاتفتاوى كورونا

القروض الربوية للشركات الاستثمارية المعرضة للإفلاس بسبب الجائحة

  • السؤال:

نحن نعيش في أوروبا، ولنا شركات استثمارية، وحال الاقتصاد لا يخفى عليكم بسبب تفشي كورونا، والحجر الصحي، ومنع الحركة والتجوال، وقد خصّصت الدول مبالغ كبيرة لعلاج هذه المشكلة الاقتصاديّة، لكنّها في بعض الأحيان، أو في بعض الدول تأخذ الفوائد بنسب متفاوتة، فهل يجوز لنا الاستفادة من هذه القروض؟ علمًا بأنّنا إذا لم نأخذها فشركاتنا أو بعضها معرضة للإفلاس. 

  • الجواب:

أولًا:

لا شكّ في أنّ الربا من المحرّمات الموبقات، وأنّه يضرّ بالاقتصاد، ولذلك إذا جاءت أيّ أزمة اقتصاديّة، أو ركود اقتصاديّ، فإنّ أغلب الدول تقلّل من نسبة الربا، وقد تجعلها صفرًا، والنصوص الشرعيّة في هذا الباب أكثر من أن تحصى.

ثانيًا:

أنّ الحكم فيما ذكر في السؤال يُفصّل حسب الحالات الآتية:

الحالة الأولى: التعاون بين أصحاب الأموال المسلمين، فيعطي بعضهم بعضًا القروض الحسنة، أو التمويلات الشرعيّة بربح منخفض، فما ندعو إليه المسلمين أصحاب الأموال هو أن يتكافلوا ويتضامنوا ويتعاونوا، فقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} سورة المائدة (2) ، وقال صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ” متفق عليه.

فهذا هو المطلوب أولًا في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم.

 

الحالة الثانية: إذا كانت الدولة تُعطي قروضًا دون فائدة فهذا أمر طيّب، وينبغي لشركات المسلمين أن تستفيد من ذلك، وهكذا الحال فيما إذا كانت الدولة تعطي الرواتب أو الأجور دون فوائد.

 

الحالة الثالثة: أن تقرض الدولة أو البنك قروضًا دون فائدة لمدّة عام، ثمّ تشترط للعام الثاني فائدة، ثم في العام الثالث فائدة أكثر، ففي هذه الحالة لا مانع في ظل الظروف الحالية من أن تقبل بالقروض لمدة سنة واحدة مع الإصرار على ردّها قبل أن تفرض الفائدة على المقترض، وهذا جائز؛ لأنّه ليس مشروطًا للسنة نفسها.

أمّا إذا كان القرض يتضمّن شرطًا بدفع الفائدة، أو غرامة التأخير إذا لم يدفع المال خلال السنة، أو أكثر، ففي مثل هذه الحالات الطارئة أو القاهرة إذا التزم المقترض بما لا يترتب عليه دفع الفائدة فلا حرج عليه.

 

الحالة الرابعة: أن يصدر قرار من البنك المركزي بأن تمنح البنوك القروض للشركات والمؤسسات دون فائدة لتقوية الاقتصاد، وتقليل البطالة وعدم وقوع الشركات في حالات الإفلاس والإعسار، ولكن الدولة هي التي تأخذ 0.25% قيمة للضمان والإدارة، ففي هذه الحالة ما دام المقرض هو غير الذي يأخذ الزيادة فلا مانع أيضًا من أخذ هذا القرض، لأنّ الفائدة ليست على القرض، وليست بين المقرض والمقترض، وإنّما النسبة القليلة من باب ما أجيز من أخذ الأجر على المصروفات الإدارية في خطاب الضمان، حيث تؤخذ من 0.25% إلى 0.80% بعدّها تعادل المصروفات الفعلية أو الإدارية عند من أجاز أخذ النسبة عليه.

وبناءً على ذلك فإنّ هناك ثلاثة أطراف: المقرض وهو البنوك، والمقترض، حيث لا فائدة بينهما، والطرف الثالث الضامن، وهو الدولة التي تأخذ تلك النسبة القليلة من باب المصروفات، والجدية في الموضوع أيضًا.

وبناءً على ذلك فلا مانع من أن تأخذ الشركات هذا القرض بهذه الصورة التي ذكرناها.

 

الحالة الخامسة: أخذ القروض بفوائد من البنوك الربويّة، أو من غيرها، فهل يجوز للشركات المملوكة للمسلمين أن تأخذها باعتبار أن كورونا جائحة عامة؟

للجواب عن ذلك نقول: إنّ الربا محرّم في جميع الأحوال إلّا إذا بلغت الحالة حالة الضرورة الشرعيّة، والضرورة الشرعيّة تشمل الشخص الطبيعي، والشخص الاعتباري، فعندما تتعرّض شركة عامّة أو كبيرة أو متوسّطة عندها موظّفون وعاملون للإفلاس- حسب الظن الغالب المعتمد على أحوال السوق، أو تقرير الخبراء- فإن الإفلاس في حقيقته في هذه الحالة هو موت للشخص الاعتباري المعنوي، فكما أنّ الخوف المؤكّد من هلاك الشخص الطبيعي أو تلف بعضه، أو عرضه يعدّ من الضرورات التي تبيح المحظورات، فكذلك الحال في الشخص الاعتباري الذي اعترفت به الدول، والقوانين، والمجامع الفقهيّة.

وبناءً على ما سبق كلّه فإنّ الشركات العامة، أو الخاصّة التي تعدّ من مصادر الرزق لأصحابها والعاملين فيها إذا تراكمت عليها الديون ولا تستطيع أداءها في أوقاتها، وإن لم تدفعها سيُرفع أمرها إلى المحاكم التي تقضي بالإفلاس، أو الإعسار- حسب الظن الغالب- أو أنّها لا تستطيع دفع رواتب موظفيها بصورة كاملة مع الترشيد، أو أنّها لن تستطيع إدارة الشركة وإبقاءها مع تقليل المصروفات والابتعاد عن الإسراف والتبذير، ففي هذه الحالات تدخل الشركات في مرحلة الضرورات التي تجيز لها الالتجاء إلى البنوك الربويّة للاقتراض منها ولو بفائدة بالضوابط الآتية:

  • أن لا توجد لدى الشركة العامّة سيولة، أو وسائل أخرى من بيع بعض الأصول، مثل: أن يكون لديها أسهم، أو صكوك، أو سندات (ولو محرمة) أو نحو ذلك.
  • وفي الشركة الخاصة يضاف إلى الشرط السابق أن لا يوجد لدى أصحابها الشركاء سيولة كافية، أو قدرة على تمويل الشركة بأيّ وسيلة مشروعة، مثل زيادة رأس المال.
  • أن لا توجد مؤسّسات ماليّة إسلاميّة أو نحوها، تموّل الشركة من خلال عقود مشروعة، وبأرباح مناسبة.
  • أن تكون الشركة عامّة، أو خاصّة يكون لإفلاسها تأثير في أصحابها والعاملين فيها، أمّا إذا كانت شركة صغيرة بسيطة غير مؤثرة فلا يجوز لها الاقتراض بفائدة.
  • بما أنّ هذه الحالة تكيّف على أساس الضرورة، فإنّ الضرورات في الإسلام مقيّدة ومقدّرة بقدرها. قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ (أي غير ظالم) وَلَا عَادٍ (أي لا يتجاوز ما يحقق غرضها من البقاء والاستمرار) فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} سورة البقرة (173) ، فلا يجوز لهذه الشركات أو المؤسسات إلا بمقدار ضرورتها.

هذا ويوصي المجلس المسلمين بتقوى الله، وبالتعاون فيما بينهم والابتعاد عن المحرمات، بخاصة الربا الذي ذمّه الله تعالى ذمًّا كبيرًا، فقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} سورة البقرة (276،275)، وقال تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة (280).

 

  • المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بتقنية التواصل الشبكي

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى