الأسرةالعاداتالعبادةالفتاوىفقهيةقضايا معاصرة

حفل نكاح بالمسجد: سنة أم بدعة؟

  • د. مسعود صبري

يشتهر في فصل الصيف خاصة إقامة حفلات العرس، وقد غلب على بعض الدول أن تجعل عقد النكاح بالمسجد، وأن يسبقه ما يشبه الحفل الصغير، بأن يقرأ أحد الحاضرين شيئا من القرآن، وأن يتحدث متحدث بعظة، وقد يتبعها بعض الإنشاد ونحوه، ثم يتم الإشهار أو توثيق العقد أمام الناس.

ويغلب في بعض أوساط الملتزمين أن ما يحدث بدعة، حتى العقد في المسجد وحده، وأن من الأولى تنزيه بيوت الله تعالى عن عقد النكاح ونحوها من أمور الدنيا.

وعلى الطرف الآخر، فإن عقد النكاح في المسجد يحفظ شكل الاحتفال، لأن الغالب إن لم يكن في المسجد أنه قد يحصل فيه اختلاط، وقد يكون مدعاة لارتكاب بعض الأمور المحرمة، كما أن كثيرا من الشباب الآن يستحب أن يبدأ حياته – كما يرى – من بيت الله تعالى، ويرى أنه من البركة أن يكون العقد بأحد المساجد، مما حدا ببعض المساجد أن تخصص قاعات للاحتفال.

  • فهل عقد النكاح بالمسجد بدعة؟ وهل ما يصحبه من قراءة قرآن، وعظة وإنشاد بدعة؟ وهل يكتفى بالعقد وحده، ويجوز جائزا؟

أما عن جعل عقد النكاح بالمسجد، فجمهور الفقهاء القدامى والمعاصرين يرون جوازه، كما ذهب إلى هذا الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر – رحمه الله-، والشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية.

ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي والبيهقي وغيرهما:

 أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدفوف واجعلوه فى المساجد”.

بل يذهب الشيخ سيد سابق رحمه الله إلى أولوية المسجد، باعتبار أن جعله في المساجد أبلغ في إعلانه والإذاعة به، إذ أن المساجد هي المجامع العامة للناس، ولا سيما في العصور الأولى التي كانت المساجد فيه بمثابة المنتديات العامة.

ولكن الفقهاء اشترطوا لهذا الجواز إذا لم يترتب على عقده بالمسجد أمر محظور، كإخلاله بحرمة المسجد أو التشويش على المصلين ، أو حضور جنب أو حائض، أو إخلال بالآداب الاجتماعية كاختلاط الجنسين أو كشف ما يجب ستره، أو غناء مثير أو غير ذلك.

ولكن من قال بجواز اختلفوا فيما يصحب هذا من قراءة قرآن وإنشاد ونحوه، فأجاز الشيخ محمد صالح المنجد قراءة القرآن، والعظة، لكنه حرم الإنشاد.

ومن الفقهاء من أجاز الإنشاد كالشيخ عطية صقر وغيره، ومنهم من لم يجز إلا العقد فحسب، وجعل قراءة القرآن والعظة وغيرهما بدعة، وممن ذهب إلى هذا الرأي الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله. حيث قال: “هذا من البدع جعل افتتاح المجالس رسميا بتلاوة القرآن، حيث لم يرد فيه نص، فلا يتخذ عادة، ويجوز فعله أحيانا، وأنا اختلفت مع هيئة كبار العلماء عندما افتتحوا بتلاوة القرآن الكريم. قلت: هذا بدعة، ما حصل هذا من الرسول صلى الله عليه وسلم ومجالسه كثيرة، وهو الإمام المقتدى به. أما إذا كانت موعظة مشتملة على آيات من القرآن فما عليه حرج.

وذهب الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- أنه لا يستحب العقد بالمسجد، لكنه إن حصل، فلا بأس به، كأن يحدث مصادفة، بوجود الولي والزوج بالمسجد، أما التواعد عليه فليس هناك أصل لاستحبابه.

وعلل الشيخ ابن العثيمين أنه يجوز مع عدم استحبابه بالتفرقة بين البيع والشراء في المسجد، فهو منهي عنه، وبين العقد، لأن عقد النكاح ليس من جنس عقد البيع والشراء.

وعلى ما سبق، فإنه لا خلاف في جواز عقد النكاح بالمسجد، وعليه جماهير الفقهاء قديما وحديثا، ولكن الاختلاف في استحبابه من عدمه.

والراجح جواز قراءة القرآن والعظة، فإنها تشبه خطبة النكاح، كما يجوز قول الأناشيد إن لم يكن فيها إثارة، كأن تكون كلمات جميلة تحمل التهنئة للعريس، وقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعليقا على حديث:” أعلنوا هذا النكاح” : “وفيه إيماء إلى جواز ضرب الدف في المساجد لأجل ذلك”.

وقال المهلب: وفي هذا الحديث إعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح، وفيه إقبال الإمام إلى العرس وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح.

وعلى هذا، فإن رأى بعض الناس إعلان النكاح بالمسجد وما يصحبه من قراءة للقرآن وعظة وإنشاد طيب، فلهم من كلام الأئمة مندوحة للفعل، ومن كرهه فليس عليه حرج، و أن من فعله بالمسجد عليه أن يراعي آداب المسجد وأحكامه.

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى