- د. مسعود صبري
توحيد الأذان واحدة من القضايا التي اكتسبت شهرة في عالم الدين، وقد بدأها الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري في سبتمبر 2004، ومازال مصرا عليها، بل إنه أعلن أنها على وشك التنفيذ في القريب العاجل مع بدايات عام 2008م، وقد رأى الدكتور زقزوق أن توحيد الأذان إجراء تنظيميا لا يخالف الأمور الفقهية، بل هو مهم لتحسين صورة الإسلام في الداخل والخارج وإعادة الانضباط للأذان والقضاء على العشوائية الصوتية لأصحاب الأصوات غير الحسنة.
وتبعها في الآونة الأخيرة نداءات في أكثر من دولة عربية، من أهمها سورية التي تسعى بقوة لتطبيق الفكرة، وهناك دعاوى قضائية في بعض هذه الدول لمنع هذه الخطوة، ولكن بعيدا عما تثيره القضية من عواطف معها أو ضدها، فمن المهم معرفة وجهة النظر الشرعية فيها.
ومن خلال استطلاع عدد من آراء الفقهاء المعاصرين بدا لنا – كالعادة- رؤية منقسمة بين الفقهاء، بين مؤيد معارض.
ومن فريق التأييد فضيلة العلامة الدكتور علي جمعة مفتي مصر، الذي يبنى فتواه على أن الفقهاء الأربعة متفقون على جواز الأذان الواحد في البلدة الواحدة بلا تعدد للأذان، لأن الأصل في الأذان هو الإعلام، وهو يتم بالأذان الواحد كما يتم بتعدد الأذان على أن يكون الأذان مسموعا للجميع.
وفي نفس السياق يرى فضيلة شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي أنه لا بأس بتوحيد الأذان، لأن الأذان الموحد هو أذان شرعي، وخاصة إن اختير المؤذنون من أصحاب الأصوات الندية مما يجعل النفوس تميل إلى الأذان الشرعي وترتاح إليه ، ورأى أن استماع أهالي المنطقة الواحدة إلى أذان واحد في وقت واحد أفضل من الاستماع إلى عشرات المؤذنين في أوقات ربما تكون مختلفة بين مسجد وآخر.
الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق يذهب إلى ضرورة توحيد الأذان ؛لأن عدم توحيده يؤدي إلى ارتفاع الأصوات بشكل مؤذ،ولكن بشرط أن يتم التأكد من أن الأذان الموحد يسمعه الجميع وفي وقت رفعه كما أشار مفتي مصر.
الرافضون
ومع كون الفكرة يعرضها فقهاء كبار كشيخ الأزهر ومفتي مصر ومفتي سوريا ومن تبعهم، غير أن هذه الدعوة لاقت معارضة صارمة من عدد كبير من الفقهاء غير الرسميين.
فالدكتور عجيل النشمي عميد كلية الشريعة بالكويت سابقا يرى أن الفكرة تستهوي الناس، لكنه يرى أن فيها سلبيات تجعلها للترك أقرب، من ذلك أن المطلوب في الشرع القيام بعملية الأذان وليس مجرد صدى صوت، قياسا على الصلاة، فإن كانت الصلاة مطلوبة لذاتها وليس مجرد نقلها فالمطلوب الأذان بذاته لا مجرد نقله، وخاصة أن الأذان عبادة والعبادة الأصل فيها التوقف.
وقد جعل الله الأذان سنة وشعيرة، وشرع أن يقيم الصلاة من أذن، بل يستحب الأحناف أن يكون الإمام هو المؤذن، كما أن الوسيلة المطروحة تحصر فضل الأذان فيمن يؤذن وحده دون غيره، بل ربما يفقد الثواب مطلقا إن كان الأذان الكترونيا، وهو يناقض الأحاديث الواردة في فضل التأذين وفي قوله صلى الله عليه وسلم :” من أذن فهو يقيم ” ، كما أنه فرق بين سماع الناس ومشاهدتهم للمؤذن بما يضفي على الأذان من روحه ونفسه وبين كونهم يستمعون لأذان مسجل.
الدكتور عبد الصبور شاهين كان من أشد المعارضين للفكرة، ويستنكر على من يطرحها أنه يطرحها بلا سند شرعي، وأن الفكرة تخالف الهدي النبوي، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من عين مؤذنا، وفي عهد عثمان جعل مؤذنين للفجر والجمعة، وهذا يعني أن الفكرة تخالف ما سارت عليه الأمة من تعيين مؤذن لكل مسجد.
بل يرى الدكتور عبد الصبور شاهين أن توحيد الأذان بدعة منكرة، تأتي في سياق استجابة الوزارة للضغوط الأمريكية التي تسعى لهدم شعائر الدين.
ومن داخل الدائرة الرسمية يرفض الدكتور جمال الدين حسن عضو مجمع البحوث الإسلامية الفكرة ويراها تحدث بلبلة وضجة في أوساط المجتمع، مؤكدا أن الفكرة لم تلق قبولا بعد من مجمع البحوث الإسلامية.
ويرد الدكتور زكي عثمان الباحث في الثقافة الإسلامية على أن الداعي لطرح الفكرة غير صحيح، فتوحيد الأذان سيحرم الناس من أصحاب الأصوات الندية وما أكثرهم، كما أن النظام الالكتروني قد يؤخر الأذان عن وقته، وهذه مشكلات فقهية يجب مراعاتها .
بينما يرى الدكتور منيع عبد الحليم عميد كلية أصول الدين سابقا أن توحيد الأذان لا يراعي اختلاف المواقيت من مكان لآخر، ومن محافظة لأخرى في موعد الأذان، ومن الأولى إنفاق هذه الأموال فيما ينفع المسلمين.
وترد الدكتورة سعاد صالح عميد كلية الشريعة بكلية البنات سابقا أنه إن كانت المشكلة في الأصوات غير الحسنة فيمكن للوزارة أن تقوم باختيار للمؤذنين قبل تعيينهم ، وأن الأجدى تعليم الناس الطرق الصحيحة للأذان لا إلغاءه.
أما الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية وعميد كلية أصول الدين سابقا فيرى أن هناك تعنتا في اقتراح توحيد الأذان، وهو يخالف ما سارت عليه الأمة منذ مئات السنين من رفع الأذان في المساجد، كما أن قيام الفكرة على الشكل الالكتروني يعرضها للتوقف مما قد يؤدي إلى تأخير الأذان عن وقته، وهو غير مقبول شرعا.
ويتعجب الدكتور محمد سيد أحمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر من إعادة طرح فكرة توحيد الأذان وقد رفضت عام 1992، وأن من أهم أخطارها أنها تجعل شعائر الدين الحية آليات الكترونية لا روح فيها، مما قد يدفع إلى جعل خطبة الجمعة منقولة من خطبة قديمة، ومن حرمان المؤذنين ثواب الأذان وأنهم أطول الناس أعناقا يوم القيامة كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ويرى الدكتور المسير أن من أخطر ما في الموضوع هو التعامل مع الدين بآلية مادية وروتين مادي يرتبط بأزرار كهربائية وبموجات أثيرية وتصبح المسائل بعيدة عن روح الدين.
ومن فريق المعترضين الدكتور رشاد خليل عميد كلية الشريعة – سابقا – ورأى أن الدعوة لتوحيد الأذان اجتراء وتحايلا على ثوابت الدين، فالأمور التعبدية المتصلة بالعبادات ترتبط بميقات ونظام معلوم ولا يجوز الاجتهاد فيها بالزيادة أو النقصان، فالاجتهاد يكون غير شرعي في الأمور والأحكام الثابتة كمواقيت الحج والصلاة والصيام والزكاة ، و أن عمارة المساجد لا تكون عمارة مكانية فقط ولكن تكون بذكر الله والتكبير ورفع الأذان، وأن هناك حكمة من أن يكون هناك فروق في توقيت الأذان ينتهي في منطقة و يبدأ في منطقة أخرى وهكذا ليظل ذكر الله متواصلاً في الأرض كلها.
بل يرى الدكتور رشاد خليل أن تعدد المؤذنين سنة مشروعة ، فمع أن عدد المسلمين في العصر الأول كان قليلا، إلا أن ابن أم مكتوم كان يؤذن الأذان الأول من باب تهيئة المسلمين للصلاة، ثم يجيء بلال للأذان الثاني، وكذلك فعل عثمان بن عفان بالنسبة لصلاة الجمعة ، فكيف والمسلمون اليوم بهذه الأعداد الطائلة ، مؤكدا على أن الإسلام لا يحارب ماديا فقط ، بل يحارب معنويا أيضا.
ويرفض الدكتور عزت عطية الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الفكرة، مقترحا أنه يمكن بقاء الأذان في المساجد الكبرى دون الصغرى في الأحياء والمدن، محذرا أن هذه دعوة يقصد بها الحرب على شعائر الإسلام في ظل العولمة الأمريكية .
وإذا كانت هذه بعض آراء عدد من الفقهاء معهم غيرهم كثير من المعترضين، فإن هذا الرفض تمثل أيضا في قرار المجمع الفقهي الإسلامي –التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة المنعقد بدورته التاسعة في مكة المكرمة من يوم السبت 12/7/1406هـ إلى يوم السبت 19/7/1406هـ وانتهى إلى عدم جواز هذه الدعوة.
غير أن اللافت للنظر أن غالب من يوافق أو يدعو إلى فكرة توحيد الأذان جاء من داخل المناصب الرسمية، وأن غالب الرافضين جاءوا من غير الفقهاء الرسميين، ويبدو أن الأصوات الرافضة تعادل أضعاف المؤيدين، فهل سيعلو صوت المنصب متناسيا كل الفقهاء الرافضين، أم سيكون لعلماء الشريعة الرافضين صوت مسموع؟! أم أن الأمر اجتهاد لا علاقة له بالسياسة لا من قريب أو بعيد؟؟