الصيامالعبادةالفتاوىفقهيةقضايا معاصرة

اختلاف المطالع في صيام رمضان

  • د. مسعود صبري

مع اقتراب شهر رمضان كل عام هجري يثار الجدل حول توحيد المطالع، وهل يصوم المسلمون  في كل البلاد إذا رأت بعض الدول الهلال عندها، أما يبقى الأمر فيه سعة لكل دولة أن تصوم إن رأت هلال رمضان، ومن لم تر فلا يجب عليها الصيام، حتى تتم شعبان ثلاثين يوما.

وهل الخطاب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم  “صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته” هو عام لكل الأمة، أم أنه خطاب لكل جماعة مسلمة في كل بلدة على حدة.

ومع كون الحديث الوارد واحدا، إلا أن أفهام العلماء اختلفت فيه، مما حدا بهم أن يكون لهم رأيان في المسألة:

  • الأول:

أنه لا عبرة في اختلاف المطالع، فمتى ثبتت الرؤية في بلد؛ وجب الصيام على كل المسلمين. وهو رأي الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه، والشيخ عبد اللطيف حمزة –مفتي مصر الأسبق، والشيخ أحمد هريدي مفتي مصر الأسبق، والشيخ عطية صقر – رحمه الله، وهو ما يفهم من فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله، كما أنه  ما ذهب إليه مؤتمر علماء المسلمين المنعقد بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف فى دورته الثالثة فى جمادى الآخرة 1386 هجرية – أكتوبر 1966 م فى تحديد أوائل الشهور القمرية من أنه لا عبرة، باختلاف المطالع وإن تباعدت الأقاليم متى كانت مشتركة فى جزء من ليلة الرؤية وأن قل ويكون اختلاف المطالع معتبرا بين الأقاليم التى لا تشترك فى جزء من هذه الليلة.

  • الثاني:

أن اختلاف المطالع معتبر، وهو مجمع الفقه الإسلامي وهيئة كبار العلماء بالسعودية، والدكتور علي جمعة مفتي مصر، والشيخ ابن عثيمين – رحمه الله، وعليه غالب جمهور الفقهاء المعاصرين.

 

  • واستند الرأي القائل بوجوب الصيام عند ثبوت الرؤية في أي بلد مسلم على ما يلي:

*قوة دليل القول بتوحيد المطالع، حيث أجمع المسلمون على أن استبصار هلال رمضان واجب كفائى وليس فرض عين فيكفى أن يلتمسه بعض المسلمين سندا على ما هو ثابت فى السنة الصحيحة من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. وما رجحه عدد من فقهاء المذاهب الأربعة في مذاهبهم.

* أنه يتفق ما يقصد إليه الشارع الحكيم من وحدة المسلمين وجمع كلمتهم.

 

  • أدلة من قال باعتبار اختلاف المطالع:

* أن المسألة خلافية بين الفقهاء، فإن كان هناك من الفقهاء من لا يعتبر الاختلاف، فهناك من يعتبرها.

* الاستناد إلى ما ثبت من أن وجوب الصيام مرتبط بوجوب الرؤية، وأن الهلال لا يظهر في جميع الأقطار، فقد تتحقق الرؤية في بلاد دون أخرى.

وهناك من فصل في المسألة، فأفتى بأنه يمكن لهم رؤيته في أقرب البلاد إليهم،  أو بتحقيق رؤيته في أي بلد إسلامي قريب من بلادهم. أو إذا قطع علماء الفلك برأي في بلادهم فيجب أن يصار إليه؛ رفعا للخلاف.

  • والراجح

أن الاختلاف في اعتبار توحيد المطالع واختلافهم أمر سائغ شرعا، وإن كان الأولى الأخذ بتوحيد المطالع، لكن دون إلزام، لقيام الأمر على الاجتهاد الشرعي.

و الأخذ بعدم اعتبار اختلاف المطالع، و الصيام إن رؤي الهلال في أي بلد، هو رأي مجمع الفقه الإسلامي، حيث نص في قراره على أنه:

“إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة لاختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار، كما قرر وجوب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد ومراعاة للأحاديث النبوية والحقائق العلمية. لكننا نرى أنه ليس من باب الوجوب؛ لاعتبار الاختلاف الوارد فيها، مع جواز اعتماد الاختلاف، وهو ما رجته هيئة كبار العلماء بالسعودية،  كما أن العمل بالاختلاف هو ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي، واستند في ذلك على ثلاثة أمور:

  1. السنة النبوية، ومنها حديثَ كريب، من أن معاوية – رضي الله عنه- رأى الهلال ليلة الجمعة فصام والناس معه، وأن ابن عباس رآه ليلة السبت فصام يوم السبت والناس معه، فلما سئل ابن عباس:” أولا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (رواه مسلم).
  2. ما عليه جمهور الفقهاء من اعتبار الاختلاف في المطالع، فقد قرر العلماء من كل المذاهب: أن اختلاف المطالع هو المعتبر عند كثير، فقد روى ابن عبد البر الإجماع على ألا تراعى الرؤية فيما تباعد من البلدان: كخراسان من الأندلس، ولكل بلد حكم يخصه.
  3. الاستناد إلى العقل بجوار النقل، فاختلاف المطالع من الأمور المشاهدة، التي يحكم بها العقل، فقد توافق الشرع والعقل على ذلك، فهما متفقان على بناء كثير من الأحكام على ذلك التي منها أوقات الصلاة. ومراجعة الواقع تطالعنا بأن اختلاف المطالع من الأمور الواقعية- وعلى ضوء ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي: أنه لا حاجة إلى الدعوة إلى توحيد الأهلة والأعياد في العالم الإسلامي؛ لأن توحيدها لا يكفل وحدتهم ، كما يتوهمه كثير من المقترحين لتوحيد الأهلة والأعياد. وأن تترك قضية إثبات الهلال إلى دور الإفتاء والقضاء في الدول الإسلامية، لأن ذلك أولى وأجدر بالمصلحة الإسلامية العامة. وأن الذي يكفل توحيد الأمة وجمع كلمتها، هو اتفاقهم على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شؤونهم.

 

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى