الصيامالعبادةالفتاوىفقهيةقضايا معاصرة

هل مشاهدة الأفلام والمسلسلات تفسد صيام رمضان؟

  • د. مسعود صبري

يمثل شهر رمضان في حياة المسلمين منذ فرضية الصيام فيه في العام الثاني من الهجرة شهرا لتزكية الأنفس والتسابق إلى الخيرات والعمل الصالح والقرب من الله تعالى، والإقبال على القرآن تدبرا وتلاوة واجتهادا في العبادة به، ووصلا للرحم التي تكاد تكون منقطة في غيره، وبذلا للإنفاق والصدقات في سبيل الله، ونوعا من التكافل الاجتماعي، والارتقاء الروحي والأخذ بيد النفس في طريقها إلى الله تعالى.

غير أنه مع ثورة الاتصالات والتقدم التكنولوجي أضحى رمضان موسما أيضا فرصة للتلفزة والفضائيات، فبات الناس ينتظرون المسلسلات الدرامية التي ستعرض أول ما تعرض في رمضان، والبرامج الجديدة بأنواعها المختلفة اجتماعية أو فنية أو أدبية أو سياسية أو اقتصادية، وتحول جزء كبير من وقت المسلم في إنفاقه ليس في بيت الله تعالى، ولا بين يد العلماء لتلقي العلم، ولا لا التهجد في المساجد، بل إلى البقاء في البيوت لمشاهدة ما يعرضه العارضون من أفلام ومسلسلات وبرامج وغيرها.

فهذه مشاهدة هذه المسلسلات والأفلام تبطل الصيام أم أنها لا تعدو مجرد تسلية في شهر الصيام.

يجمع العلماء المعاصرون على أن رؤية المشاهد الإباحية والعري ونحوها حرام شرعا، وأنه لا يجوز مشاهدته لا في رمضان ولا في غيره، وهذا محل اتفاق بين العلماء، كما اتفقوا على أن رؤية الأمور التي قد يختلف في حكم حرمتها والتي تبتعد عن الإباحة والعري مما يتنافى مع أخلاق المسلم في شهر رمضان الذي جعل للعبادة والتقرب إلى الله تعالى.

لكنهم اختلفوا: هل مشاهدة الأمور المحرمة تفسد الصيام، أم أنها لا تفسده، لكنها تقلل ثوابه؟

جمهور الفقهاء المعاصرين يرون أن مشاهدة الحرام تخدش الصيام ولا تفسده؛ لأن مفسدات الصيام عند العلماء معلومة، ولم يذكر منها النظر إلى المحرمات، وإن كان الواجب على المسلم تركها حتى يتم صيامه على أكمل وجه. ومن هؤلاء العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ عطية صقر رئيس لجنة الإفتاء بالجامع الأزهر – رحمه الله-، والشيخ ابن باز – رحمه الله،  والشيخ الدكتور سفر الحوالي وغيره من الفقهاء والشيوخ.

حيث يرى الشيخ عطية صقر – رحمه الله- أن مشاهدة الأفلام والمسلسلات إن اشتملت على حرام كعري ونحوه، فهي حرام شرعا، لكنها لا تفسد الصيام  إلا إذا حدث أثر جنسى بسببها، ومع عدم البطلان فاتت فرص كثيرة لشغل الوقت بالعبادة وقراءة القرآن وسماع البرامج الدينية، يقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبرانى “أتاكم رمضان شهر بركة،لم يغشاكم اللّه فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ويباهى بكم ملائكته، فأروا اللّه من أنفسكم خيرا، فإن الشقى من حرم فيه رحمة الله عز وجل.” فليكن تنافسنا فى رمضان فى الخير لا فى اللهو ولا فى الإقبال على الملذات.

العلامة القرضاوي مع كونه يرى أن مثل هذه الأمور لا تفسد الصيام، ولكنها حرام في ذاتها، وتشتد حرمتها أكثر في رمضان لحرمة الشهر الكريم.

ولم يوقف العلامة القرضاوي الحرمة على المشاهد، بل جعلها على القائمين والمسئولين أيضا، وأنه من الواجب عليهم، أن يتقوا الله فيما ينبغي أن يقدم للجمهور دائمًا، وفي رمضان خاصة، رعاية لحرمة الشهر المبارك، وإعانة للناس على طاعة الله، والاستزادة من الخيرات، حتى لا يحملوا إثم أنفسهم، وإثم المشاهدين معهم، كالذين قال الله فيهم: (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ). النحل: 25

وقد سئل العلامة ابن باز – رحمه الله- :أن بعض الصائمين يقضون معظم نهار رمضان في مشاهدة الأفلام والمسلسلات من الفيديو والتلفاز ولعب الورق، فما هو رأي الدين في ذلك؟
فأجاب أنه من الواجب على الصائمين وغيرهم من المسلمين أن يتقوا الله سبحانه فيما يأتون ويذرون في جميع الأوقات، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم من مشاهدة الأفلام الخليعة التي يظهر فيها ما حرم الله، من الصور العارية وشبه العارية، ومن المقالات المنكرة، وهكذا ما يظهر في التلفاز مما يخالف شرع الله، من الصور والأغاني وآلات اللهو والدعوات المضللة..

وإن كان جمهور الفقهاء يرون حرمة مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تشتمل على مشاهد محرمة، وإن كانوا يقولون بأنه يجوز مشاهدة ما فيه نفع كالبرامج الدينية، أو البرامج العامة التي فيها نفع للمسلم في دينه أو دنياه، فإنه من الأولى أن يقلل المسلمون تلك المشاهدة في هذا الشهر الكريم، حتى مما هو مباح، وأن يتفرغوا أكثر الوقت للعبادة والطاعة، فمع وقت العمل لا يبقى وقت كثير للمتعة والمشاهدة، فإن كان لا بد فلتكن في حدود المعقول مما لا يجوز على الإفادة من بركات هذا الشهر الكريم.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى