الصيامالعبادةالفتاوىفقهيةقضايا معاصرة

إفطار لاعبي كرة القدم في رمضان

  • د. مسعود صبري

احتلت كرة القدم مساحة كبيرة في حياة الشعوب الإسلامية والعالمية، وأضحت تلك الألعاب مما تعد له العدة، وتجهز لها الدول بل والقارات، وينشئون دورة بعد دورة، وأضحى هناك نوع من الهوس الرياضي للشعوب، ليس لأن الرياضة شيء مذموم؛ فتلك التجهيزات والاستعدادات والاحتفالات إنما هي للمشاهدة، وليس للممارسة، ويحدث خلط بين مشروعية ممارسة الرياضة لما لها من نفع للجسد، وبين إنفاق الملايين على المسابقات، وما يدفعه الناس لأجل المشاهدة فحسب.

وتعدى ذلك إلى بعض الآراء الفقهية التي أباحت للاعبي كرة القدم أن يفطروا في نهار رمضان، وعدوا السفر، ولو لأجل لعب كرة القدم مما يجيز للاعب أن يفطر.

فقد أصدرت دار الإفتاء المصرية من أمانة الفتوى رأيا يجيز للاعبي كرة القدم الإفطار أثناء المباريات الرسمية التى لا يمكن اعتذار اللاعبين عنها، كما وافق على هذه الفتوى بعض أساتذة جامعة الأزهر، وبهذا الرأي قال الشيخ عبد الباري الزمزمي أحد علماء المملكة المغربية الهاشمية.

وقد قوبل الرأي القائل بالجواز برأي آخر، رأى رفض هذا الاجتهاد، وحرم على لاعبي كرة القدم أو غيرهم أن يفطروا لأجل سفرهم في لعبهم واشتراكهم في مسابقات كرة القدم، وممن قال بالتحريم جبهة علماء الأزهر، وعلى رأسهم الدكتور يحيى إسماعيل أستاذ الحديث وعلومه بجامعتي الأزهر والكويت، كما قال بالتحريم الشيخ محمد التاويل أحد علماء المغرب.

واستند من قال بجواز إفطار اللاعبين في نهار رمضان على أن اللاعب المرتبط بعقد مع ناديه مثله مثل الأجير الملزم بأداء عمل معين، وفى حالة تأثر العمل بالصوم فإن له رخصة للإفطار، وهذا مقصور على المباريات الرسمية دون  التدريبات أو المباريات غير الرسمية.

كما استندوا إلى أن السفر رخصة شرعية تبيح للصائم أن يفطر، وهو ما نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة/183، 184]، وإذا كانت الشريعة تجيز للمسافر في نزهة أن يفطر، فللاعبي كرة القدم أن يفطر. فإن رخصة المسافر تعتبر مثل رخص أخرى من قبيل القصر في الصلاة وغير ذلك، سواء كان السفر من أجل السياحة أو من أجل لعب كرة القدم.

وعلى من أفطر من اللاعبين أن يقضي ما فاته من أيام الصيام بعد انقضاء الشهر.

واستدل من رأى تحريم الفطر للاعبين المسافرين إلى أن  أن السفر من أجل لعب كرة القدم أو لعب أي رياضة أخرى لا يبيح إفطار رمضان، لأنه يشترط للمسافر في الفطر أن يكون سفره شرعيا، وهذا السفر غير شرعي؛ لأنه بهدف اللهو، فاللعب اللعب يبقى مجرد لعب، أما صوم رمضان فهو فريضة، وما ينبغي أن يُضحى بالفريضة من أجل اللعب.

فمن حق  الجميع أن يلعب ترفيها لا امتهانا ولا وظيفة، فإن اللعب ليس رسالة وليس وظيفة يبيح الشارع لأحد أن يمتهنها طلبا للرزق، وإن مجاوزة الحدِّ فيه تؤذن شرعا بالمؤاخذة العاصفة،يقول تعالى(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) (التوبة:65).

والسبب في اختلاف الفتوى ليس اعتبار السفر مبيحا للفطر، ولكنه فهم السفر لأجل لعب كرة القدم، فهل امتهان كرة القدم مباح أم لا؟ وهل يعد من سفر الطاعة أم من سفر المعصية، أم من سفر النزهة، أم أنه سفر مباح؟

 فالفقهاء – كما يرى الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- يرون أن السفر المبيح للفطر يجب أن يكون على مسافة 82 كيلو مترا، أو ما تعارف عليه الناس أنه سفر، كما نقل الشيخ سلمان العودة ذلك عن الإمام ابن تيمية، ويجب أن يكون سفر طاعة، وليس سفر معصية، ونقل ابن عثيمين أن من الفقهاء من لا يفرق بين سفر الطاعة وسفر المعصية، فكل سفر مبيح للفطر عند من يرى السفر في حد ذاته.

وإذا كانت هناك بعض الآراء التي خرجت بجواز الفطر للاعبين، فإن اللاعبين في البلاد التي خرجت فيها الفتوى في مصر والمغرب أعلنوا رفضهم للفتوى، وأنهم سيصومون، بل إن الأجهزة الفنية للأندية أعلنت عدم إجبارهم على الفطر، وتركتهم لهم حرية الرأي التي انتهت باللعب في حال الصوم.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى