العبادةالفتاوىفقهيةقضايا معاصرة

أحكام الاعتكاف في رمضان

  • د. مسعود صبري

من عبادات رمضان إحياء سنة الاعتكاف، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف في رمضان، وكان يعتكف كل سنة عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً. والحكمة منه كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يلتمس فيها ليلة القدر،التي هي خير من ألف شهر.

والمطلوب من المعتكف -كما يقول الدكتور حسام الدين عفانة- أستاذ الفقه والأصول بجامعة القدس: أن يلبث في المسجد وينشغل بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار وعليه أن يبتعد عن الخوض في أمور الدنيا ، وأن يجتنب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ويجتنب أيضاً المراء والجدال والسباب ويقلل الكلام في أمور الدنيا ولا يتكلم إلا بخير. ويكره للمعتكف أن يترك الكلام تركاً مطلقاً معتقداً أن ذلك قربة لله لأن ذلك بدعة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نذر ترك الكلام تركاً مطلقاً أن يتكلم.

ويجوز للمعتكف أن يأكل ويشرب وينام في المسجد مع وجوب محافظته على نظافة وطهارة المسجد ويجوز له أن يتطيب ويلبس ما شاء من الملابس الحسنة، ويجوز أن يخرج للوضوء والغسل والأعمال الضرورية لأن الخروج من المسجد يفسد الاعتكاف.

ويشترط في الاعتكاف أن يكون في المسجد الذي تقام فيه الجماعة، وأما ما ذهب إليه الشيخ الألباني من أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، فلا يصح، والحديث في ذلك ضعيف. يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله-: “فكل مساجد الدنيا يُسن فيها الاعتكاف، وليس خاصا بالمساجد الثلاث، كما روي ذلك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فإن هذا الحديث ضعيف. انتهى.

وكما يقول العلماء في هذا الحديث: لا يصح رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من قول حذيفة واجتهاده ورأيه الذي خالف فيه باقي الصحابة رضوان الله عليهم، كما خالف فيه ظاهر القرآن الكريم الذي جاء بإطلاق محل الاعتكاف فقال : (وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة/187.

وجمهور الفقهاء أنه يسن للمرأة الاعتكاف كالرجل، ورأى البعض كراهته، وخصص البعض أنه يكره للفتيات خشية الافتتان بهن.

واستدل الجمهور بعدد من الأدلة، كما يسوقها الدكتور خالد المشقيح، من أهمها:

عموم أدلة مشروعية الاعتكاف وهي تشمل الرجل والمرأة الشابة. وما حكاه القرآن عن اعتكاف مريم – رضي الله عنها، كقوله: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً) مريم:17، وقوله: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب) آل عمران: 37. ولم يرد في شرعنا ما ينسخه، بل أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة وحفصة أن يعتكفا معه، وكانتا شابتين. متفق عليه. وغير ذلك من الأحاديث.

ويرى الشيخ محمد صالح المنجد من فقهاء المملكة العربية السعودية أنه يجوز أخذ حبوب منع الدورة للتمكن من أداء العبادة كالاعتكاف والعمرة والحج، ولكن بشرط ألا تكون مضرة بالبدن، فلابد من الرجوع إلى الطبيبة أولا، فإن أخبرت بأنه لا ضرر من أخذها، فيجوز أخذها للاعتكاف وغيره، وإن كان هناك ضرر، فيحرم أخذها، ويحرم معها الصيام والاعتكاف.

ومع انتشار الهواتف الجوالة، فإن من الأولى شرعا أن يقلل من استعماله حتى ينشطي للذكر والدعاء، وأن ينسى شواغل الدنيا، وذلك من مقصود الاعتكاف، لكن- كما يرى الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الأسبق- رحمه الله: فلا مانع من أن يتصل المعتكف بالهاتف؛ لقضاء حوائج الناس ونحو ذلك من أعمال الخير، بل السنة إذا طلب منه قضاء حاجة للناس أن يخرج من المسجد؛ ليقضي تلك الحاجة، كما فعل ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ حين استدعاه إنسانُ، وكان معتكفاً في المسجد، فخرج من المسجد ليقضيها له، ولما أمسك به أحد المعتكفين قال له: إني سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “إن من قضى حاجة إنسانٍ خيرٌ له من اعتكاف عشر سنين” ، والحديث وإن كان ضعيفاً فلا مانع من الأخذ به في هذا الباب، لأنه من فضائل الأعمال.

ومع طبيعة الحياة، نجد أن كثيرا من الناس يعتكف اعتكافا بشكل جديد، حيث يذهبون إلى أعمالهم ثم يعتكفون في الليل دون النهار، وقد ذكر العلماء ما يبطل به الاعتكاف من الخروج لغير حاجة، والجماع، والحيض والنفاس وقضاء العدة، وجعل الخروج المباح في حالات الضرورة، كالخروج للطعام والشراب إن لم يجد من يأتي له بهما، وعند بعض الفقهاء لتشييع الجنازة وزيارة المرضى وإن كان ترك ذلك أولى .

ولكن لم يذكر أحد من الفقهاء أن من الضرورة أن يخرج المرء لعمله، فالاعتكاف مطلوب فيه أن يتفرغ المسلم لعبادة الله تعالى، ولكن إن لم يستطع الإنسان التفرغ للاعتكاف، فلينو عند دخوله المسجد نية الاعتكاف، فعند الشافعية يجوز أن تكون مدة الاعتكاف لحظة، ولكنه ليس ذلك الاعتكاف الشرعي المطلوب، فالخروج إلى العمل يفسد الاعتكاف. وكما يقول الشيخ محمد صالح المنجد: “وفي فترة الاعتكاف لا يحق للمسلم أن يخرج إلا لحاجة إيجابية ترتبط بتسهيل أمر الاعتكاف في المسجد ، وما عدا ذلك يجب أن يمتنع عنه وإن كان مباحاً.

وإن كانت هذه بعض أحكام الاعتكاف، فهل تحيى سنة الاعتكاف التي تكاد تكون نسيت في زمن العولمة؟ وهل يترقي المسلمون بأرواحهم من خلال تلك العبادة بدلا من الانشغال بالمسلسلات والأفلام، أو أن ينشغلوا بكماليات وإن كانت مباحة، حتى تكون هذه الأمة أمة عابدة لربها، وأن تخرج من رمضان بثمرته، والعشر الأواخر هي الفرصة الأخيرة.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى