الأسرةالعبادةالفتاوىفقهيةقضايا معاصرة

تزويج الشباب من مال الزكاة

  • د. مسعود صبري

مع انتشار ظاهرة العنوسة، وما تبعها من تحلل وتفكك في بنية المجتمع المسلم، وما وضعته طبيعة الحياة المعاصرة من عراقيل أمام الزواج، طرح البعض فكرة تزويج الشباب من خلال أموال الزكاة، مما أثار الحفيظة الفقهية والاجتهاد في المسألة من كون هذا الأمر جائز أم لا.

واتجهت آراء الفقهاء بين  من يرى حرمة إخراج مال الزكاة في زواج الفقراء، وإليه مال كل الدكتور نصر فريد واصل، وهو ما رجحه الشيخ عطية صقر، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقا- رحمه الله.

في حين يرى البعض الآخر أنه يجوز إخراج مال الزكاة في تزويج الفقراء، وهو رأي العلامة القرضاوي، و والعلامة مصطفى الزرقا – رحمه الله، و الشيخ ابن جبرين ورأى أن هذا رأي عدد من مشايخه فقال:
“وقد أفتى مشايخنا بجواز دفع الزكاة كمساعدة للشباب على الزواج لأهميته وضرورته فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج”،  ونقل هذا الرأي – أيضا- الدكتور سعد البريك من علماء المملكة، كما أنه رأي الدكتور علي جمعة مفتي مصر، وقال به الأستاذ الدكتور: رفعت العوضي أستاذ الاقتصاد جامعة الأزهر، و الأستاذ الدكتور عبد الفتاح عاشور أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر، و الأستاذ الدكتور عبد الرزاق فضل الأستاذ بجامعة الأزهر، و فضيلة الشيخ جعفر الطلحاوي من علماء الأزهر الشريف وهو قبل كل هذا محفوظ عن عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه.

  • دليل التحريم:

واستند الرأي القائل بالحرمة على ما يلي:

  • أن مصارف الزكاة محددة في القرآن، وليس فيها هذا المصرف. كما قال تعالى :(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة : 60 ، وليس من مصارفها الزواج. 
  • أن الله تعالى طالب بالتعفف لمن لا يجد القدرة على الزواج حتى يكون عنده القدرة عليه، وذلك في قوله :( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) النور: 33 
  • دليل الجواز
  • واستند جمهور الفقهاء المعاصرين، على عدة اعتبارات أهمها أن النكاح من تمام كفاية الفقير، فيجوز إعطاؤه من مال الزكاة، وهذا الرأي هو ما ذهب إليه جماعة من العلماء من المالكية والحنابلة في اعتبار أن الزواج من تمام الكفاية.

وسبب هذا الخلاف هو في اعتبار الزواج من مصارف الزكاة أم لا.

والذي يبدو أن الزواج من تمام كفاية الفقير، فيجوز إخراج الزكاة لتزويج  الفقراء،  وذلك أن القرآن أطلق الزكاة للفقير و المسكين؛ لسد حاجاتهم، وليست هناك نصوص تحد الزكاة للفقير في الطعام والشراب والكسوة فحسب، وإنما هو من اجتهاد الفقهاء، وإن كان سد  الجوع والعطش والعري من مقاصد الشريعة؛ وذلك من باب الحفاظ على النفس؛ فإن الزواج من وسائل حفظ الدين، وحفظه من مقاصد الشريعة ، بل الراجح تقديم الدين على النفس في مقاصد الشريعة، وإنما جعل التقوي على الطعام والشراب لأجل حفظ البدن، حتى يقوم الإنسان بالخلافة المأمور بها، وحتى يقوى على طاعة الله تعالى، فإن كان حفظ البدن مقصودا به – في وجه من الوجوه- حفظ الدين، فلا يجوز قصر الزكاة على الحفاظ على البدن، دون الحفاظ على الدين، وهو الزواج.

أن الجواز مشروط بعدة أمور، هي:

  • أن إخراج الزكاة يأخذ حكم الزواج حسب حالة الفقير، فإن كان الزواج في حق الفقير واجبا؛ كان إخراج الزكاة في حقه واجبا، أو مستحبا كان إخراج الزكاة مستحبا، أو كان حراما، أو مكروها أو جائزا؛ أخذ حكمه. 
  • أن يأخذ الفقير من مال الزكاة الكفاية بما يزوجه دون إسراف أو تبذير؛ حتى لا يجور الزواج على غيره من حاجات الفقير الأخرى. 
  • أنه يجب مراعاة الأولويات في حاجات الفقير، وما يحتاجه حسب وقته وحالته.

أنه مع انتشار الفتن فيما يتعلق بالناحية الجنسية – خاصة في عصرنا- ومع حالة الفقر وعدم مراعاة الحدود والعورات، وانتشار الاختلاط المحرم والفساد الذي عم، وسهولة ارتكاب المحرمات، كان إخراج الزكاة في زواج الفقراء من باب درء المفاسد والحفاظ على كيان المجتمع المسلم من الانحراف و وقوع شبابه في الهاوية، وهذا ما قد يفهم من عدد من القواعد الفقهية الدالة على جلب المصالح ودرء المفاسد ورفع الضرر بأنواعه دون اقتصاره على الضرر المادي، وكما كان حفظ النسل من مقاصد الشرع، وهو أمر واجب، فكل وسيلة إليه تصبح واجبا؛ إذ الوسائل تأخذ حكم المقاصد، والزواج وسيلة لحفظ النسل والعرض، فيعطى الفقير من الزكاة ما يسد حاجته بما فيها الزواج.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى