الصيامالعبادةالفتاوىفقهيةقضايا معاصرة

الجمع بين قضاء رمضان و صيام ستة شوال

  • د. مسعود صبري

سن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان، فقال صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصوم الدهر.” (أحمد ومسلم وأصحاب السنن) ومنها حديث الطبراني: “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.”

وإن كان لصيام ستة أيام من شوال هذا الفضل العظيم، فإن بعض الناس -خاصة النساء- ممن فاته صيام بعض أيام رمضان لعذر ونحوه يحب أن يجمع بين الأمرين، فيصوم جمعا بين نية قضاء ما فاته من رمضان، وبين صيام ستة أيام من شوال، غير أن هذا الجمع ليس محل اتفاق بين الفقهاء، فقد اختلف الفقهاء في جواز الجمع بين صيام قضاء رمضان في شوال، وهو صوم واجب، وبين صيام ستة شوال، وهي من باب النافلة.

وممن قال بجواز الجمع بين النيتين: دار الإفتاء المصرية، و الشيخ عطية صقر – رئيس لجنة الإفتاء بالجامع الأزهر الأسبق – رحمه الله، و الدكتور محمد سيد أحمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر وغيرهم.

ومن الفقهاء من لم يجز الجمع بين صيام قضاء رمضان وصيام ستة أيام من شوال، وأوجب الفصل بينهما، ومن هؤلاء: اللجنة الدائمة للبحوث  العلمية والإفتاء بالسعودية، ووقع على الفتوى الشيخ ابن باز – رحمه الله، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد الله بن غديان، وجاء في نص الفتوى: “لا يكفي من عليه قضاء من شهر رمضان أن يصوم ستا من شهر شوال عن القضاء تطوعا بل يجب أن يصوم ما عليه من القضاء ثم يصوم ستة أيام من شوال إذا رغب في ذلك قبل انسلاخ الشهر”، وهو ما أفتى به  الدكتور حسام الدين عفانة، أستاذ الفقه والأصول بجامعة القدس، والشيخ جعفر أحمد الطلحاوي من علماء الأزهر، والشيخ موافي عزب بدولة قطر، وعدد آخر من الفقهاء.

ويشترط من يجيز الجمع أن ينوي المسلم الجمع بين النيتين، وعند الشافعية يحصل ثواب ستة شوال دون نية إن صام قضاء في رمضان، وإن كان ثوابا أقل من وجود النية، كما أن ثواب الجمع أقل من ثواب إفراد القضاء بصيام، ونافلة صيام شوال بصيام، والأخير أولى.

واستدل من قال بالجواز قياساً على من دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس بنية صلاة الفرض أو سنة راتبة فيحصل له ثواب ركعتي تحية المسجد لكون هذه الصلاة التي أداها قبل أن يجلس.

واستدل من قال بوجوب الفصل بينهما أن قضاء رمضان واجب، وقضاء ستة أيام من شوال سنة، ويجب تقديم الواجب على السنة، وأن القضاء فرض به تتم عدة رمضان، أما الأيام الستة فسنة ولا تحل السنة محل الفرض، ولقول بكر رضي الله عنه واعلموا أن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة.

ويبين الشيخ عطية صقر – رحمه الله- أن الحكمة في صيام الست من شوال بعد الصيام الطويل في شهر رمضان –والله أعلم- هي عدم انتقال الصائم فجأة من الصيام بما فيه من الإمساك المادي والأدبي إلى الانطلاق والتحرر في تناول ما لذ وطاب متى شاء، فالانتقال الفجائي له عواقبه الجسمية والنفسية، وذلك أمر مقرر في الحياة.

كما اختلف الفقهاء فيمن يقدم، هل يقدم صيام ما فات من رمضان أولا، أم يقدم صيام ستة أيام من شوال، فإن كان يجمع للإنسان أن يصوم ما فاته من رمضان وأن يصوم ستة أيام من شوال، فهذا أولى، فيقدم أولا الفريضة ثم النافلة، وهو ما أفتى به العلامة ابن باز – رحمه الله-، لكن من لم يستطع الجمع بين صيام مافات وصيام ستة أيام، فقد اختلف الفقهاء، فمنهم من رأى وجوب تقديم صيام ما فات من رمضان، حتى لو خرج عنه صيام شوال، ومنهم من أجاز تقديم صيام ستة شوال أولا، لأنه مرتبط بزمن، وهو شهر شوال، ثم له أن يصوم ما فاته من رمضان بعد شوال حتى شعبان قبل دخول رمضان الآخر، ويستدلون بأن السيدة عائشة -رضي الله عنها- كانت تصوم ما فاتها من رمضان في شهر شعبان قبل رمضان الآخر، وهو الذي يترجح في الفتوى، من باب السعة، وحتى لا يضيع على المسلم ثواب شوال.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى