- د. مسعود صبري
ناقش عدد من العلماء فكرة إنشاء هيئات أهلية تقوم بجمع الزكاة لأجل تحقيق العدالة، وهي فكرة طرحها الدكتور حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري، وقد انقسم العلماء حول هذه الفكرة إلى مؤيد ومعارض.
وممن وافق على هذه الفكرة الشيخ علي سعود كليب مدير مكتب الشئون الشرعية ببيت الزكاة الكويتي، والدكتور خالد المذكور رئيس هيئة تطبيق الشريعة في الكويت، الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية.
واستندوا لجواز إنشاء هيئات أهلية للزكاة على ما يلي:
- أن هذه الوسيلة تؤدي إلى جمع عدد كبير من أموال الزكوات من الناس مما يترك، على أن يكون تحت مظلة الدولة لضمان توزيع المصارف الزكوية في نطاقها الشرعي السليم، وسدا لاحتياجات الفقراء ومستحقي الزكاة.
- أن إنشاء هيئات للزكاة تيسير على الأغنياء إخراج زكاتهم، كما تيسر على الفقراء أن يعرفوا منافذ استحقاقهم للزكاة، فهي وسيلة تنظيمية لفريضة شرعية. وأن تدخل الدولة يقتصر على دور المراقبة وليس التدخل المباشر، على أن يشترط وجود مراقبين ومدققين ومحاسبين في الهيئات الأهلية للزكاة يحول دون وقوع خلل في التوزيع وما إلى ذلك، ويشترط أن يكون القائمون عليها من المشهود لهم بالخلق الفاضل والعدالة كما أن جعل تلك الهيئات معتمدة من الدولة يوجد نوعا من الثقة لدى صاحب المال في توصيل زكاته للمستحقين.
- أن وجود هيئات لتوزيع الزكاة يجعل مساحة توزيع الزكاة في أبواب أوسع من توزيع الأفراد.
رفض شرعي
وإن كان من الفقهاء من قبل فكرة إنشاء هيئات خيرية، فإن فقهاء آخرين رفضوا الفكرة ورأوا أنها غير جائزة، وعلى رأس هؤلاء الدكتور وهبة الزحيلي رئيس رابطة علماء الشام، وينحو نفس النحو الدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بالأزهر الذي يرى أن جمع الزكاة مهمة الدولة وليس الأفراد.
فقد اعتبر الدكتور الزحيلي هذه الفكرة أنها “فاشلة” وأن مثل هذه الهيئات تحوم حولها كثير من الشبهات، وتحدث كثيرا من المشكلات، فالأولى أن تكون تبعا للدولة، وأن يكون لها فروع في كل المحافظات، كما هو الشأن في الكويت والسودان.
غير أن الزحيلي يدعو إلى تكون تلك الهيئة مستقلة مع كونها تابعة للدولة؛ لأن هناك حالات اتهمت فيها الدولة بأنها تنفق الزكاة في غير وجوهها المشروعة، ولكن المطلوب من الدولة – حسبما يراه الدكتور الزحيلي – أن تضع الدولة له قانونًا يمارس به هذا العمل بحيث يكون للهيئة نشاطها، فهي تشرف وتراقب من بعيد.
ويرى الدكتور محمد عبد الحليم عمر أن الأصل في جمع الزكاة مسئولية الدولة، بحيث يقوم الحاكم بتحصيل الزكاة ويتولى توزيعها؛ مستشهدا بقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، وهو خطاب للرسول وللأمة من بعده، فإن لم تقم الأمة بها فهي مهمة المجموع وليس الأفراد، فإن لم تكن هناك مؤسسات للدولة، فأقل ما يجب أن تقوم به الدولة هو دور التنظيم، بحيث تكون هناك مستندات ودفاتر حتى تصل الزكاة لأهلها.
و يرى عمر أن هذه الجمعيات لا بد أن تخضع لأربعة أنواع من الرقابة:
أولها: رقابة العاملين إذا كانوا يفعلون الأمر تطوعا ولوجه الله.
والثاني: رقابة جهاز الدولة للمحاسبات،
وكذلك رقابة الشئون الاجتماعية،
ورقابة مراجع الحسابات بكل جمعية. بالإضافة إلى التنسيق بين الجمعيات لمعرفة المستحقين وعدم تكرار إعطائهم مما يؤثر على عملية التوزيع.
ويبدو أن الخلاف بين العلماء ضعيف، فغالب ما يفهم هو أن تكون هناك جمعيات، البعض يرى أن تكون أهلية، والبعض يرى أن تكون خاضعة للدولة، والواقع يجعل الأمر واحدا، فلا يمكن لجمعية أن تقوم بجمع الزكاة دون أن تخضع لرقابة الدولة شاءوا أم أبوا، وبهذا يرتفع الخلاف، بالإضافة إلى تفعيل جمعيات النفع العام وجمعيات المجتمع المدني ولا يوكل كل شيء بتفاصيله وتنفيذه للدولة من باب توزيع الأدوار، وإعادة دور هام للمجتمع في خدمة الناس.