الزكاةفقهيةقضايا معاصرة

هل تخصم الضرائب من الزكاة؟

  • د. مسعود صبري

أضحت الضريبة التي تفرضها الدولة على المواطنين تمثل ركيزة أساسية من موارد الدخل للدولة فيما تنفقه من مشاريع تنموية وخدمية للمواطنين، وإن كان يدخل بعض الأنظمة نوعا من الإجحاف في احتساب الضرائب مما حدا بالناس التحايل على الدولة للهروب من ثقل الضريبة عليهم بأنواع شتى، منها ما هو تهرب من الضرائب من خلال اللعب بدفاتر الحسابات الخاصة بالشركات والمؤسسات، أو من خلال رشوة موظفي الضرائب.

ومن تلك الصور أن البعض يرى أن زكاة ماله لا تجب عليه؛ لأنها خرجت ضمن الضرائب التي يدفعها للدولة، فما دام يخرج الضرائب فقد سقطت عنه الزكاة.

وهذا الحكم ليس له سند من الشرع، ولم يقل به أحد من الفقهاء، بل إن الناس أفتت به نفسها تحت تأثير ضغوط الضرائب، وإن كان جمهور الفقهاء المعاصرين يجيزون للدولة فرض ضرائب على مواطنيها إن كانت بحاجة إلى ذلك، ولم يكن هناك فائض من المال العام للقيام بتلك المشاريع التنموية وغيرها من مصارف الدولة، وألا يكون فيها إجحاف في نسبتها، وأن تصرف في مصارفها التي تعود بالنفع العام على الشعب، فإن أحدا من  الفقهاء لم يفت بجواز احتساب الضرائب من الزكاة، وأن هذا الحكم مما لا يعلم فيه خلاف بين الفقهاء المعاصرين، فقد أفتت به دار الإفتاء المصرية على مر تاريخها، وبهذا قال الشيخ جاد الحق علي جاد الحق – رحمه الله- حين كان مفتيا للديار المصرية في (فتوى رقم 18 سنة 1980، سجل : 113، بتاريخ : 5 مارس سنة 1980)، وبهذا قال أيضا الشيخ الدكتور عبد اللطيف حمزة – رحمه الله- مفتي مصر الأسبق وغالب المفتين بدار الإفتاء المصرية. وهو رأي فضيلة الشيخ عطية صقر- رحمه الله، ورأي العلامة الشيخ القرضاوي – حفظه الله،  كما أن هذه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء بالسعودية، وعلى رأسها سماحة الشيخ  ابن باز – رحمه الله. ( فتاوى اللجنة الدائمة 9/285)، كما أفتى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في مايو 1965 م: أن ما يُفرَض من الضرائب لمصلحة الدولة لا يُغنِي القيام بها عن أداء الزكاة المفروضة.

وقد استند الفقهاء المعاصرون على عدم جواز احتساب الضرائب من الزكاة المفروضة على عدد من الأدلة الشرعية، من أهمها:

  • أن الزكاة فريضة بنص الكتاب والسنة والإجماع، فهي فريضة شرعية، أما الضريبة فهي تصرف مشروع لولي الأمر باعتبار أنه المنوط به القيام على مصالح الأمة التى تستلزم نفقات لا مورد لها إلا تلك الضرائب. 
  • أن مصارف الزكاة محدودة بنص الكتاب “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”( التوبة:60) فلا يجوز الخروج عنها، أما مصارف الضريبة فغير محدد بنص شرعي، وهو يعود للمصلحة التي يراها ولي الأمر. 
  • أن الضرائب تحتسب من رأس المال الذي تجب فيه الزكاة، لا من القدر الخارج زكاة باعتبارها دينا وجب فى ذمة صاحب المال للدولة والزكاة لا تجب إلا إذا بلغ المال نصابا محددا. 
  • أنه يجب التفريق بين ما ثبت بالنص الشرعي، فهو أمر توفيقي، وبين ما جاز؛ بناء على المصالح المرسلة، ولا يجوز إثبات ما دخل بالمصلحة فيما ثبت بالنص الشرعي؛ إذ فرق بين الوحي وبين الاجتهاد. 
  • أن أموال بيت المال لم تكن في عهد الدولة الإسلامية  محصورة في الزكاة، ففى عصر عمر بن الخطاب كانت تشمل الزكاة وخمس الغنائم وخراج الأراضى وجزية الرءوس وما يؤخذ من تركة الميت الذي لم يترك وارثا أصلا .ويدخل في هذا رواتب الموظفين ونفقات الدفاع والمشاريع العمرانية. 
  • أنه يجوز لولى أمر المسلمين أن يجبر الأغنياء على أن يؤدوا من أموالهم جزءا غير الزكاة دفعا للضرر الواقع على المسلمين بسبب النوازل العامة أو صد عدوان وقع عليهم. 
  • الاستناد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه (إن فى المال لحقا سوى الزكاة)  ففرق الحديث بين الزكاة وغيرها مما قد يفرض على المسلمين من ولي الأمر.

وإن كان فقهاء الأمة يرون أنه لا يجوز احتساب أموال الضريبة من الزكاة الواجبة، فليس لأحد أن يحتال على شرع الله تعالى، وإن كان ثمة ظلم يراه بعض الناس واقعا بينهم وبين الدولة، فإنه لا دخل للزكاة في هذا، فإنها حق الله تعالى للفقراء والمساكين وغيرهم من مصارف الزكاة، والزكاة تخرج من ملك الإنسان إن حال عليها الحول، فلا يجوز له التصرف فيها، ولا يجوز تأخيرها، بل لابد أن تخرج لأصحابها، ومشاريع الدولة ليست من أصحابها.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى