فقهيةقضايا معاصرة

إحرام الحاج بالطائرة من جدة

  • د. مسعود صبري

مع تطور وسائل المواصلات يسافر عدد كبير من حجاج بيت الله الحرام بالطائرة، وهذا يعني أنهم ينزلون بمطار جدة، والواجب على الحاج أن يحرم من المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم كل حسب بلده، وليست “جدة” من المواقيت،

فهل يجوز أن يحرم الحاج القادم بالطائرة من جدة، لأنه لم يمر على المواقيت؛ إذ إنها مواقيت مكانية، وأن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم كان أن يمر الحاج على الميقات فيحرم منه، وهذا يعني أنه لا يجب على من لم يمر على الميقات أن يحرم منها؟ أم أن أمر الإحرام من الميقات واجب لا يجوز التخلف عنه؟ وماذا يفعل من يأتي مسافرا للحج بالطائرة إن لم يكن الإحرام من ” جدة” جائز؟

اختلف الفقهاء المعاصرون في جواز الإحرام للمسافر بالطائرة من جدة، على عدة آراء:

  • الأول:

اعتبار مدينة جدة ميقات، وإن اختلف  المجيزون بين اعتبارها ميقاتا مطلقا لمن يأتون جوا وبحرا وجوا، وبين من يعتبرها لمن يسافر جوا أو بحرا دون البر. وممن أجاز اعتبار جدة ميقاتا الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس محاكم قطر – رحمه الله، والشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر الأسبق رحمه الله.
و الشيخ محمد الطاهر بن عاشور مفتي تونس الأسبق – رحمه الله، والدكتور محمد الحبيب بن الخوجه أمين عام مجمع الفقه الإسلامي،  والشيخ عبدالله كنون من علماء المغرب، و الشيخ عبد الله الأنصاري من علماء قطر، وغيرهم.

ومنهم من جعلها للقادم من غربها مباشرة، كسكان جنوب مصر وشمال السودان، وهو رأي  الشيخ عبد الله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية سابقاً، و الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام السعودية سابقاً، و الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء السعودي و الشيخ أبو بكر محمود جوفي عضو المجمع الفقهي ، و الشيخ عبد الله بن الجبرين عضو الإفتاء سابقاً في السعودية وغيرهم.

  • الرأي الثاني:

أن جدة ليست ميقاتا مطلقا، ولابد من الوقوف على المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بهذا الرأي أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في الدورة الثالثة ، حيث جاء فيها:

إن مجمع الققه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ / 11-16 تشرين الأول (أكتوبر ) 1986م، بعد اطلاعه على البحوث المقدمة بخصوص موضوع الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة، قرر ما يلي: أن المواقيت المكانية التي حددتها السنة النبوية يجب الإحرام منها لمريد الحج والعمرة، للمار عليها أو المحاذي لها أرضاً أو جواً أو بحراً لعموم الأمر بالإحرام منها في الأحاديث النبوية الشريفة.

واستدل أصحاب الرأي القائل بجواز الإحرام بعد الهبوط من الطائرة إن لم يمر على الميقات بعد وصوله على عدد من الأدلة، وهي:

  • أن تحديد الميقات الجوي لم يأت عليه نص من السنة النبوية، بل ولا الميقات البحري، لأن الناس لم تكن زمن النبي صلى الله عليه وسلم تحرم لا بحرا ولا جوا، فيبقى الأمر خاضعا للاجتهاد. 
  • واستدلوا بما قاله الفقهاء قديما: إن من لم يمُرّ بأحد هذا المواقيت، بل سلك طريقًا بين مِيقاتين، فإنّه يتَحَرَّى ما يحاذي أحدهما من طريقه بغلبة الظّنِّ فيُحْرِم منه، فإن لم يَتبيّن له قال الحنفيّة: يُهِلُّ عندئذٍ بالإحرام على بعد مرحلتَيْن من مكّة؛ لأن هذه المسافة هي أدني تلك المواقيت إلى مكة.أدلة من قال بعدم الجواز:

     

  • واستدل جمهور الفقهاء بأن المواقيت هي من العبادات التوقيفية التي لا يجوز الاجتهاد فيها؛ لورود النص، ولا اجتهاد مع مورد النص، و أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع مواقيت خمسة وجعلها لأهلها ولمن مر بها من غير أهلها؛ليشمل ذلك كل الناس. 
  • والأئمة الأربعة متفقون على أنه لا يجوز تجاوز الميقات، أخذا بظاهر النص النبوي الذي أخرجه الشيخان: “هن لهنّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة.” 

فمن نوى الحج وجاوز الميقات ونزل “جدة” ، فإما أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه إن كان ممكنا، أو يذبح شاة توزع على فقراء مكة. .

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى