- د. مسعود صبري
مع كون المملكة العربية السعودية قامت بتوسعة المسعى بين الصفا والمروة بأوامر من جلالة الملك عبد الله، لأجل التيسير على الناس في أداء المناسك، مع كثرة التعداد ممن يأتون للحج والعمرة، إلا أن هيئة كبار العلماء اختلفت حول التوسعة، وبعد النظر والتأمل من المجلس -كما يقول الشيخ عبد الله المنيع العضو بالهيئة- قرر المجلس بالأكثرية عدم الموافقة على ذلك.
حيث إن المسعى الحالي قد صدر بتحديده قرار من أكابر علماء البلاد في وقته. وقد خالف ذلك بعض أعضاء المجلس، وقرروا الموافقة على التوسعة؛ بحجة أن التوسعة يجب ألا تخرج عن أن تكون بين الصفا والمروة، والتوسعة المطلوبة لم تخرج عن أن تكون بين الصفا والمروة، وأن السعي في هذه الزيادة هو سعي بين الصفا والمروة.
ومع كون هيئة كبار العلماء قد انقسمت، وخرج رأي الأكثرية بالرفض، فإن فقهاء الأمة أيضا اختلفوا في جواز التوسعة الجديدة، مما يترتب عليه بطلان السعي بين الصفا والمروة عند من قال بعدم جواز التوسعة.
وممن قال بعدم الجواز موافقا الأكثرية من كبار هيئة العلماء الشيخ صالح الفوزان والشيخ صالح اللحيدان وغيرهما، ويستدلون على رأيهم على أن الأصل في العبادات التوقف، وأنه قد تمت توسعة سابقة شملت ما يجوز فيه التوسع، ويوافقون من قال بأن العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها، ويمكن عند الحاجة حل المشكلة رأسيا بإضافة بناء فوق المسعى رأسيا وليس أفقيا.
غير أن هذا الرأي خالفه عدد أكبر من الفقهاء، وعلى رأسهم الشيخ عبد الله المنيع الذي تراجع عن رأيه بالمنع، وقال بالجواز. ومنهم العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ سعود بن عبد الله الفنيسان ، وغيرهم من علماء الأمة.
- واستدل القائلون بالجواز على ما يلي:
– أن أوامر الدين وتوجيهاته القرآنية والنبوية تتيح لنا الفرصة لنأخذ بالتوسعات لمواجهة ازدياد أعداد الحجاج والمعتمرين في كل عام، فلا يوجد مانع شرعي في التوسعة بل يوجد ما يؤيدها، فالشرع قام على التيسير لا التعسير، لقول الله عز وجل: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، ولقوله سبحانه: “وما جعل عليكم في الدين من حرج”. وقوله عز وجل: “يريد الله أن يخفف عنكم”. وقول النبي عليه الصلاة والسلام: “إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا”.
– أن الشرع حدد بداية السعي من الصفا وحدد نهايته بالمروة ولم يأت بتحديد ولا تقييد لعرض المسعى ، وقد قال تعالى: “إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوَّف بهما”. وأن عرض المسعى متروك لحاجة المسلمين حسب عدد المعتمرين والحجاج، وأن توسعة المسعى رأسيا تمت عدة مرات بزيادة طوابق علوية والآن لا مانع من توسعته عرضيا.
– أن الفقهاء أجازوا توسعات عدة في عدد من الشعائر، و أن أعداد المعتمرين والحجاج التي تتزايد بالملايين كل عام تقتضي من أهل الفقه ومن أولي الأمر التيسير على الطائفين والعاكفين والركع السجود.
– أن تحديد عرض المسعى ليس فيه دليل نصي يوقف عنده بل كل ما نص عليه العلماء هو وجوب الاستيعاب في السعي طولا ما بين جبلي الصفا والمروة. أما عرضه فلم يشر إليه أحد من علماء المذاهب فيما اطلعت عليه. أما المؤرخون فمختلفون في تحديده فما حكاه ابن كثير رحمه الله يخالف قول مجاهد ابن جبر رضي الله عنه. في حين أن ابن كثير يرى أن الناس وسعوه ومجاهد يرى أنهم ضيقوه. ولو كان هناك نص في تحديد عرض المسعى يوقف عنده ما وقع الخلاف..
– أنه قامت البينة العادلة من سبعة شهود يتبعهم ثلاثة عشر شاهداً يشهدون بمشاهدتهم جبل الصفا ممتداً امتداداً بارتفاع مساوٍ لارتفاع الصفا حاليًّا، وذلك نحو الشرق إلى أكثر من عشرين متراً عن جبل الصفا الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة لجبل المروة، وشهادتهم صريحة في امتداد الجبلين – الصفا والمروة – شرقاً امتداداً متصلاً وبارتفاعهما.
– أنه يجوز لولي الأمر أن يختار من آراء الفقهاء، وأن الاختيار يرفع الخلاف، وقد اختار الملك عبد الله من آراء هيئة كبار العلماء، وإن كانوا قلة- القول بالجواز.
وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في المسألة، ورأي الحاكم يرفع الخلاف، فإنه من الواجب على العلماء والمؤرخين وغيرهم البحث عن المساحة الحقيقية للمسعى، حيث أشار بعض فقهاء الحنفية إلى أن الجهة الغربية والتي دخلت مساحة منها المسجد الحرام هي من المسعى، وهي تستخدم في الصلاة، كما أن القول بالتوسعة خارج المساحة المحددة يجب أن يكون قائما على أن هناك حاجة حقيقية واقعة للتوسع، وليس مجرد التوقع للازدحام.