فقهيةقضايا معاصرة

صكوك الأضاحي

صكوك الأضاحي

  • د. مسعود صبري

من شعائر الإسلام التي تتعلق بعيد الأضحى سنة الأضحية عند جمهور الفقهاء، أو “الأضحية الواجبة” على القادر عن الأحناف، وهي ما يذكى تقربا إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة. وقد حث الشرع عليها فقال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر:2.

ومن السنة حديث قوله صلى الله عليه وسلم: “من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا” (الحاكم وصححه). وقد شرعت الأضحية في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي السنة التي شرعت فيها صلاة العيدين وزكاة المال.

مشروعيتها:

أما حكمة مشروعيتها، فهي شكر الله تعالى على نعمة الحياة، وإحياء سنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز اسمه بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر ، وتوسعة على الأهل والجيران والفقراء، و إظهار الفرح يوم العيد بالأكل والشرب.

ومن السنة أن يذبح المسلم أضحيته بنفسه إن كان عالما بالذبح قادرا عليه، أو أن يشهد أضحيته على أقل تقدير، ولكن ظهرت في الآونة الأخيرة ما يعرف بـ”صكوك الأضاحي”، حيث يعرض البنك وكالته على من يريد الأضحية أن يدفع ثمنها وأن يقوم البنك بالوكالة عنه في شرائها وذبحها وتوزيعها على مستحقيها، مما يعني أن يقف دور المضحي على دفع ثمن الأضحية، وأنه يحرم من شهود تلك الشعيرة، فهل تلك الصكوك جائزة شرعا أم أنه يحرم التعامل مع البنوك أو غيرها من الهيئات التي تقوم بدور الوكالة في الأضحية.

جواز صكوك الأضاحي

ومن استطلاع آراء عدد كبير من العلماء المعاصرين يبدو أن الاتجاه الأوحد هو القول بجواز “صكوك الأضحية”، وتوكيل البنك بالقيام عن الشخص بهذا.

وهذا رأي عدد كبير من العلماء منهم: على جمعة مفتي مصر، والدكتور طه الدسوقى حبيشى الأستاذ بجامعة الأزهر، و الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، و الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية، و الدكتور مصباح حماد وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، و الشيخ فرحات السعيد المنجى -من علماء الأزهر، وإن تباينت آراؤهم في بعض التفاصيل الجزئية التي لا تخرج عن القول في النهاية بالجواز.

 والعمدة في القول بالجواز هو اعتبار قيام البنك أو المؤسسة بالوكالة عن المضحي، والوكالة جائزة شرعا، شريطة أن يلتزم الوكيل بالشروط الشرعية للأضحية من سنها وسلامتها ووقتها الذي يبدأ من بعد صلاة عيد الأضحى إلى مغرب آخر يوم من أيام التشريق، وهو رابع يوم العيد، وأن يتم توزيعها على المستحقين، وألا يأخذ الجزار منها أجره، إلى آخر الشروط الشرعية المرعية في هذا المقام.

كما اعتمد المجيزون لصكوك الأضحية أن القول بحرمتها يترتب عليه تعطيل توزيع الأضحية على الفقراء، وأنه ستكون هناك أضاحي مذبوحة لن يفيد منها أحد، فكان الأولى أن تقوم جهات ومؤسسات بالذبح والتوزيع وخاصة أن تلك الجهات عندها أسماء كثير من الفقراء المستحقين، وخاصة في البلاد الإسلامية الفقيرة التي قد لا تأكل اللحم إلا نادرا، كما ذهب لذلك الشيخ فرحات المنجي.

ومن الأدلة التي استند إليها المجيزون أيضا أن القول بجواز صكوك الأضحية يشبه ما تفعله المملكة العربية السعودية في الفدي الذي يذبحه الحجيج، حيث يدفع الحاج ثمن الأضحية لبنك مخصص لذلك في المملكة ويقوم البنك بشراء وذبح وتوزيع الأضحية على من يحتاجها سواء كان المحتاج داخل المملكة أم في أي مكان من العالم، وهذه الوسيلة منعت ما كان يحدث من عشوائيات في الذبح أثناء الحج بشكل كان يؤدي إلى وجود الكثير من الأضاحي في الطرقات. وإليه استند كل من الدكتور طه حبيشي، والشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر.

ومن دلائل القول بالجواز رفع الحرج عن كثير من المضحين غير القادرين على تحديد المكان الذي سيقوم فيه بوضع الأضحية حتى ذبحها وكذلك كيفية توزيعها بعد الذبح، وهنا فمن الممكن أن ينيب الإنسان بموجب هذا الصك البنك وله كامل الثواب، كما يستند إلى هذا الشيخ عبد الحميد الأطرش.

ومن الأولى أن توزع الأضحية كما ورد عن الفقهاء بأن يكون الثلث لصاحبها والثلث للفقراء والمساكين والثلث للهدايا، ولو أخرجها كلها للفقراء فلا بأس بذلك.

 وإن كان غالب الفقهاء المعاصرين يرون جواز قيام أي بنك بالوكالة، ولو كان بنكا تجاريا، ومنهم الدكتور محمد كمال إمام، إلا أن الدكتور كمال إمام إلا أنه يشدد على حتمية أن تكون البنوك التي تقوم بهذه الصكوك بنوكا إسلامية لأن المسألة ذات طبيعة دينية ولا بد أن يقوم بها من يؤمن بأنها شعيرة دينية.

و إن كان يجوز للبنك العادي في البلد الإسلامي القيام بمثل هذا النوع من الصكوك شريطة الالتزام بمجمل الأحكام الشرعية المتعلقة به، فإن القول بالجواز  للبنوك الأجنبية أو التابعة لغير مسلمين أمر بحاجة إلى تساؤل واجتهاد فقهي.

 وإن الفقهاء المعاصرون يقولون بجواز (صكوك الأضحية)، فإنه من الأولى ألا يلجأ إليها إلا من عجز عن الذبح وحضوره وتوزيع أضحيته، حتى لا تموت مقاصد الأضحية من شهود الشعيرة والأكل منها، والاجتماع بالأصحاب، والإنفاق منها على الأقارب والجيران، وتلك مقاصد مبتغاة، وإنما أولوية الجواز عند العجز حتى لا تسقط الشعيرة، فلا يسرف الناس في التوكيل، ولا يقف العجز عن الأضحية بتركها.

اقرأ أيضا

المكان المعتبر في أيام الأضحية

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى