فقهيةقضايا معاصرة

قتل طيور الحرم بسبب أنفلونزا الطيور

  • د. مسعود صبري

أفتى الشيخ عبد المحسن العبيكان مستشار وزارة العدل السعودية بجواز قتل طيور الحرم المكي إن كانت مصابة بإنفلونزا الطيور، أما إن كان مجرد تخوف وليس هناك ما يثبت إصابتها فلا يجوز قتلها أو إحراقها؛ لأنه يكون من باب إتلاف المال العام. وذلك بعد ظهور المرض في المملكة السعودية منذ ١٢ نوفمبر الماضي، وقامت السلطات السعودية بإعدام ما يقرب من  ٥ ملايين طائر في منطقة (الخرج) القريبة من العاصمة الرياض خوفاً من انتشار المرض في أماكن أخرى من المملكة.

وتباينت آراء الفقهاء المعاصرين اتجاه فتوى العبيكان، حيث وافقه كل من الدكتور جودة عبد الغني بسيوني أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، و الشيخ ناصر بن داود القاضي بوزارة العدل السعودية بشرط التأكد من إصابة الطيور لا مجرد التخوف

بينما أفتى عدد آخر من العلماء بحرمة قتل طيور الحرم وإن كانت تحمل فيروس أنفلونزا الطيور، وعلى رأسهم الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر.

  • واستند من أجاز قتل طيور الحرم المصابة بالمرض إلى:

أن الشريعة أجازت قتل طل ما يضر بالإنسان؛ فيقاس عليها إعدام وإحراق طيور الحرم المكي إن كانت مصابة بالفيروس؛ لما يترتب على ذلك من ضرر على الحجيج والمعتمرين.

كما أنهم أجازوا القتل والحرق بناء على أنه إن لاذ أحد المقاتلين بالحرم المكي جاز قتله؛ فيكون قتل الطيور والحيوانات المضرة من باب أولى.

ومن أدلة المجيزين القياس على دفع الصائل، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز قتل الفواسق الخمس في الحرم لضررها، وهذا يعني جواز قتل كل ما هو مؤذ ومضر، ولو كان في الحرم.

 

  • واستدل من حرم قتل طيور الحرم المصابة بأنفلونزا الطيور إلى عدة أمور، أهمها:

أن طيور الحرم محرم صيدها وأكلها، ويترتب على هذا أنها ليست مجالا لنقل العدوى، وأن طيرانها في سماء الحرم أو تواجدها قريبا منه ليس محل تخوف.

كما استند المحرمون إلى أن الأطباء يرون أن نقل عدوى الطيور إنما تكون بملامسة جسدها عند الطبخ، وإن خيرنا بين إبقاء هذه الطيور مع أمن خطرها، وبين قتلها؛ لكان اختيار بقائها أولى شرعا؛ لتعلقها بحكم شرعي.

ويبدو أن الاجتهاد الفقهي في المسألة زاوج بين النظرية والتطبيق، فاعتبرها المجيزون من باب الحكم الشرعي، في حالة إذا أصيبت الطيور بمرض أنفلونزا الطيور، وقاسوها على جواز النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الفواسق في الحرم، وذلك فيما روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خمس من الدواب كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور”، وعلة التحريم هنا الأذى الذي يصيب الناس.

أما من قال بعدم الجواز، فنحى في الإجابة نحو الفتوى وليس تقرير الحكم الشرعي، فقد بنوا على الرؤية الواقعية، وهي أن الضرر إنما يكون بملامسة الجسد، وحمام الحرم يطير فوق الناس ولا يلمسونه، بل لا يضرهم إلا عن طريق الطبخ ونحوه، ومن العجيب أن يغيب في المسألة البعد العلمي في هذا، وهو ما أعلنه وكيل وزارة الزراعة المساعد لشؤون الثروة الحيوانية الدكتور محمد بن عبد الله الشيحة حيث استبعد خطورة إصابة حمام الحرم بمرض أنفلونزا الطيور مستنداً على نتائج معظم المراجع البيطرية التي تؤكد قوة مناعة الحمام في حمل ونقل المرض من مكان لآخر، وهذا ما يعني أنه لا خوف من إصابة الحجيج بأنفلونزا الطيور.

  • ويمكن لنا أن نقول:

إن من قال بالجواز لا يختلف عمن قال بالحرمة، إذ القول بالجواز مبني على الحكم الشرعي وتقريره كقاعدة، ومن قال بالحرمة قالها بناء على فتوى وقراءة للواقع.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى