هل مكبرات الصوت في المساجد حرام؟!
- د. مسعود صبري
نشرت جريدة الأهرام المصرية يوم الأربعاء 13/10/2007م فتوى منقولة عن أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية تفتي بحرمة استعمال مكبرات الصوت في المساجد، و التي تستخدم في الأذان والإقامة، وربما في الصلوات الجهرية، و ما يقوم به بعض المشايخ بإلقاء بعض دروس العلم في المساجد.
واستندت أمانة الإفتاء بدار الفتوى المصرية، والمكونة من عدد من طلاب العلم في تحريمها لمكبرات الصوت على ما تحدثه تلك المكبرات من إيذاء لمشاعر الناس، وإحداث الضوضاء لهم، فربما يكون هناك المريض وصاحب الحاجة، داعية أئمة المساجد الامتناع عن استعمال مكبرات الصوت خارج المسجد.
وإن كانت هذه الفتوى خرجت من بعض طلاب العلم بدار الإفتاء، ولم تخرج من فضيلة مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة، فإنها وجدت أصداء من الموافقة والقبول من بعض الأساتذة والدعاة، فقد أفتى الدكتور عبد الله سعيد، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر بحرمة استعمال الميكروفون في إقامة الصلاة، وأنها بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، مستشهدا بأن بلالا رضي الله عنه كان يؤذن فوق الكعبة، ويقيم الصلاة داخلها، وأن الدافع من وراء استعمال الميكروفون في الإقامة هو الانتصار للإسلام، وهو كلام غير مقبول.
وسانده في الرأي الدكتور سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة والمساجد، وهو أحد الدعاة، ويستند في تحريم استعمال مكبرات الصوت بالمساجد إلى أن المكبرات أشياء مدنية حديثة لم يعرفها الإسلام، وأن المسلمين مكثوا قرونا دون استعمال هذه الآلات، وأنه إن تعارضت المصلحة العامة مع النافلة؛ قدمت المصلحة العامة، وعدم إزعاج المرضى والمسنين وطلاب العلم مقدم على رفع الصوت ولو كان بالقرآن، وأن هذه الفتوى نابعة من روح الإسلام وليس من الإملاءات السياسية، وأن وزارة الأوقاف ليس عليها ضغوط سياسية فيما تقوله من فتاوى.
على الجانب الآخر، رأى عدد من الفقهاء أن فتوى تحريم استعمال مكبرات الصوت خاطئة، وأنه يجوز استعمال مكبرات الصوت بالأذان والإقامة والصلاة، وإلى هذا ذهب الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، وعميد كلية الشريعة سابقا، والدكتور عبد الفتاح الشيخ رئيس لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية ورئيس جامعة الأزهر سابقا، والشيخ محمد الجزار أمين عام لجنة الفتوى بالجامع الأزهر سابقا.
واستند العلماء القائلون بجواز استعمال مكبرات الصوت أن علة التحريم التي استندت إليها أمانة دار الإفتاء وهي الضوضاء، فإن صوت الضوضاء الخارجي أعلى بكثير من مكبرات المساجد، وأن مساحة استعمال مكبرات الصوت لا تكون إلا في مساجد قليلة.
الأمر الثاني: أن التحريم جاء مقتصرا على المساجد، ولو أخذنا بقاعدة الضرر لكان أولى منها الضوضاء في الملاهي والمسارح والسرادقات والأفراح، وأن تعمم الفتوى، لكن لا يجوز تخصيص المساجد بها.
الأمر الثالث أنه ليس هناك نص يحرم استعمال المكبرات، ولا تحريم إلا بدليل، والدليل هنا منتف.
ويبدو أن المشكلة ليست في الإفتاء بحرمة استعمال مكبرات الصوت من عدمه، وإنما الدافع لهذه الفتوى، والذي يظهر جليا في كلام المفتين.
فاستعمال مكبرات الصوت في حد ذاته مباح شرعا، وكما قرر الفقهاء أن الأصل في الأشياء الإباحة، حتى يرد نص بالتحريم، وليس معنى عدم وجود مكبرات الصوت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو السلف أنها بدعة كما قال البعض، وكما قرر الفقهاء في قواعدهم : “للوسائل حكم المقاصد”، ومكبرات الصوت يقصد منها رفع الصوت بالأذان والإقامة وإعلان شعيرة من شعائر الله، فقد تصل إلى حد الاستحباب والسنية.
ولكن في ذات الوقت يجب اعتبار ما قد يترتب على بعض الممارسات في استعمال مكبرات الصوت من ضرر حقيقي متيقن، وليس ضررا متوهما، وليس هذا في كل استعمال مكبرات الصوت، وليس في كل المساجد، والضوضاء في مصر أشهر من أن تعرف.
وعليه، فاستعمال مكبرات الصوت للأذان ومعه الإقامة جائز شرعا، وخاصة أن الأذان لا يأخذ دقيقتين، والإقامة لا تأخذ دقيقة واحدة، مع اعتبار أن مصالحها أعلى من مفاسدها، فتقدم المصلحة الأعلى على المفسدة الأدنى كما يقرر الفقهاء ذلك.
أما استعمال مكبرات الصوت في الصلوات الجهرية، فهذا يرجع إلى طبيعة الصوت وطبيعة المكان، وهل هناك ضرر أم لا، فإن وجد الضرر؛ اكتفى باستعمال مكبرات الصوت داخل المسجد، وإن رأي أن في إخراج الصوت مصلحة؛ جاز استعمالها خارج المسجد.
أما استعمال مكبرات الصوت في الدروس، فإن الأولى عدم استعمالها، إلا في بعض الحالات التي يكون فيها بعض الشيوخ المشاهير التي يجتمع حولهم آلاف من الناس يريدون سماع درس العلم، على ألا يكون هناك ضرر لاحق بالمنطقة المحيطة، وأن تستعمل المكبرات في المحيط الذي يجتمع فيه الناس دون تزيد.
للمزيد عن مكبرات الصوت في المساجد
اقرأ أيضا