فقهيةقضايا معاصرة

هل تقتحم الكنائس جزيرة العرب؟

  • د. مسعود صبري

من المعلوم أنه ليس هناك من المسيحيين من يحمل الجنسية السعودية، ورغم هذا، فقد جاءت مطالبة بابا الفاتيكان لخادم الحرمين الشريفين بالسماح للمقيمين المسيحيين ببناء كنائس لإقامة شعائرهم.

هذا الاقتراح فتح باب التساؤل الشرعي حول جواز بناء كنائس في المملكة العربية السعودية هل هو حلال أم حرام.

ومن خلال استقراء آراء عدد من الفقهاء المعاصرين، فقد اتجه جمهور الفقهاء المعاصرين إلى حرمة بناء الكنائس في جزيرة العرب، وعلى رأسهم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: برئاسة الشيخ  عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، وعضوية كل من الشيوخ: عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، بكر بن عبد الله أبو زيد- رحمه الله- والشيخ صالح بن فوزان الفوزان، و الدكتور مصطفي الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية، و الدكتور محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر.

وبنت هيئة كبار العلماء الحرمة على ما يلي:

أن كل دين دون الإسلام كفر وضلال، وتحريم الكفر يقتضي تحريم معابد الكافرين، وكل عبادة دون عبادة الإسلام باطلة، وقد قال تعالى عن أعمال الكافرين: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً) (الفرقان:23).

كما أنه لا يجوز اجتماع قبلتين في بلد واحد من بلاد الإسلام، وأنه إن بنيت معابد في بلاد الإسلام هدمت، ولا تجوز معارضة ولي الأمر في هدمها بل تجب طاعته. وساقوا قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ” من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يُعبد فيها، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبَادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر.”

كما استندوا أيضا  إلى إجماع الأمة على أن بناء المعابد الكفرية ومنها: الكنائس في جزيرة العرب أشد إثماً وأعظم جرماً، للأحاديث الصحيحة الصريحة بخصوص النهي عن اجتماع دينين في جزيرة العرب، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم(لا يجتمع دينان في جزيرة العرب).

واستند الدكتور الشكعة إلى أن الكنائس تقام في وطن يكون فيه عدد ضخم من المسيحيين، أما السعودية فهي مهد الديانة الإسلامية ولا يوجد فيها مسيحي واحد حاصل على الجنسية السعودية، وبالتالي لا يجب إقامة كنائس فيها، وإن استند البعض إلى  أنه لا يوجد نص قرآني أو حديث نبوي صريح في المنع، فإن  العرف أحد الأدلة الشرعية التي نعتد بها، ولم يبن في السعودية كنيسة واحدة.

منذ ما يزيد على 1400 سنة، وإن جاز بناء كنسية للوافدين، غير أن هذا قد يفتح باب بناء الكنائس، فإغلاقه أولى.

أما الدكتور محمد عبد المنعم البري فيستند في تحريمه على قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب”، مما يتوجب على دولة السعودية إصدار قرار يفيد حظر بناء أية كنسية، بل إلى منع أي مواطن غير مسلم من العمل بها، وهو من باب احترام الآخر، فنحن المسلمين لم نطالب ببناء مسجد في دولة الفاتيكان والتي تعد المقر الأم للمسيحيين الكاثوليك حول العالم.

وإلى هذا الرأي أيضا ذهب الدكتور عبد الوهاب الطريري من علماء السعودية حيث ساق الحديث وعقب أن دلالة هذه الأحاديث النبوية ظاهرة في عدم جواز الاستيطان لغير المسلمين في جزيرة العرب، وهكذا كل ما يتفرع عن ذلك، ومنه إقامة المعابد غير الإسلامية فيها، وقد أجمع على هذا الحكم علماء المسلمين، واتفقت عليه مذاهبهم كافة.

جواز مشروط

وإن كان جمهور الفقهاء المعاصرين يرون الحرمة إلا أن بعض الفقهاء أجاز بناء الكنائس بالسعودية خارج مكة والمدينة، فيرى الدكتور محمد مصطفي الطير عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الإسلام ساوى بين المسلمين وأهل الكتاب في الحقوق والواجبات، وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، كما أن الإسلام كفل لهم الحرية الدينية في عقائدهم وكنائسهم وزواجهم وطلاقهم، ولا يجب عليهم أن يخضعوا لأحكام الإسلام  ولذلك فلا يوجد مانع من بناء كنائس بالجزيرة العربية طالما سيكون خارج مكة والمدينة لأنه لا يجوز الإقامة والدفن في هاتين المدينتين لغير المسلمين ولا يجوز إقامة غير المسلمين بالسعودية لفترات طويلة ، ولذلك لابد من تحديد مدة إقامتهم لحماية الدين الإسلامي من الفتن الأخري .

وإلى هذا الرأي ذهب المفكر الإسلامي عبد الفتاح عساكر حيث يري جواز بناء كنائس بالسعودية ، وأن رفضها نوع من إهدار حقوق الآخرين في العبادة ومخالفة لتعاليم الإسلام في معاملة أهل الكتاب معاملة حسنة ، وأن اختلاف الدين من أمر الله تعالى، كما قال: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة).

ومع اختلاف الفقهاء لابد للرجوع إلى حديث النبي الناهي عن اجتماع دينين في جزيرة العرب وموقف العلماء منه، كما أن بناء الكنائس وغيرها يدخل في باب السياسة الشرعية فينظر فيه إلى المصالح والمفاسد بما يقرره العلماء الصادقون مع ولي الأمر، مع إدراك حرية العبادة والزحف التنصيري على بلاد الإسلام، مع قراءة موقع الأمة من تاريخ العالم الآن ودورها المطلوب.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى