فقهيةقضايا معاصرة

بيع الذهب بالتقسيط

  • د. مسعود صبري

جاء النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالذهب بالأجل أو التقسيط، فعن عبادة قال: ”سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى.”

و اشترط جمهور الفقهاء في بيع الذهب بالنقود أنه لا بد من القبض العاجل للثمن، وأنه  لا يجوز دفع بعض المبلغ دون بعض، وذلك على اعتبار أن الذهب قيمة نقدية.

وهذا الرأي هو ذهب إليه عدد من الفقهاء، منهم: الدكتور أحمد الحجي الكردي خبير الموسوعة الفقهية الكويتية، و الدكتور علي محيي الدين القره داغي رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة بقطر، ورأي  الدكتور راشد بن حمد العليوي من علماء السعودية أن هذا الرأي أحوط.

بينما ذهب عدد من الفقهاء المعاصرين إلى جواز بيع الذهب بالتقسيط، منهم: الدكتور محمود عكام أستاذ الشريعة بسوريا، والدكتور نصر فريد واصل المفتي الأسبق لمصر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، و  الدكتور على جمعة مفتى جمهورية مصر العربية، وغيرهم.

واستند الفريق المحرم إلى الذهب من النقود، والنقود لا يجوز بيعها، فالذهب والفضة لا يجوز بيعهما بالنقود أو بمثلهما من الذهب أو الفضة إلا نقدا، ولا يجوز التأجيل بحال من الأحوال، لأن بيعهما اسمه صرف، وشرط صحة الصرف التقابض في المجلس.

كما استندوا إلى ما قاله الفقهاء من أنه لا يجوز المرابحة الآجلة والبيع بالتقسيط على الذهب والفضة؛ وذلك للحديث الصحيح الدال على وجوب الفورية في بيع الذهب والفضة، حيث قال الرسول(صلى الله عليه وسلم): (لا تبع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إلا يدًا بيد سواء بسواء فإن اختلفت الأجناس فبيعوا كيفما شئتم إذا كان يدا بيد).

أما الفريق المبيح فيرى أن الذهب والفضة قد خرجا عن التعامل بهما كنقدين أو كوسيط للتبادل بين الناس وصارا سلعة كسائر السلع التي تباع وتشترى بالعاجل والآجل وليست لهما صورة الدينار والدرهم اللذين كانا يشترط فيهما الحلول والتقابض فيما رواه أبو سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تبيعوا منها غائباً بناجز” رواه البخاري وهو معلل بأن الذهب والفضة كانا وسيلتي التبادل والتعامل بين الناس.

كما استندوا إلى قاعدة “أن الحكم  يدور وجوداً وعدماً مع علته”، فعلة التحريم كون الذهب والفضة نقدين، وتحولهما إلى سلعة ينفي معه وجود الحكم لانتفاء العلة.

كما أن حاجة الناس ماسة إلى بيعها وشرائها، فإذا لم يجز بيعها بالتقسيط فسدت مصلحة الناس، ووقعوا في الحرج.

وهذا ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما بشرط أن لا تكون صياغته محرمة كالأشياء الذهبية التي من شأنها أن لا يلبسها إلا الذكور من غير أن يرخص لهم فيها.
يقول الإمام ابن القيم في كتابة إعلام الموقعين (الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها.

والقول بجواز بيع الذهب المصنع بالتقسيط هو الأوفق والأرفق على الناس؛ وخاصة أنه يجب التفريق بين الذهب الخالص الذي يحرم بيعه بالتقسيط؛ لأنه سيكون من قبيل الربا، وبين بيع الذهب المحلى والمصنع، والذي هو سلعة كالثياب والطعام.

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى