فقهيةقضايا معاصرة

مكاتب استقدام الخدم .. رؤية فقهية

  • مكاتب استقدام الخدم .. رؤية فقهية               د. مسعود صبري

يمثل استقدام الخدم في دول الخليج ظاهرة عامة دون الدول العربية الأخرى، ولا يقتصر استقدام الخدم في الخليج – الذي يمثل الإسلام الدين الرسمي لدوله – على أن يكون المستقدمون للخدم -رجالا ونساء- من المسلمين وحدهم، بل هناك فئات ربما تكون غير قليلة من غير المسلمين.

وقالت دراسة رسمية قدمت إلى وزراء الشؤون الاجتماعية والعمل لدول الخليج: إن هناك جوانب سلبية يتركها التوظيف المفرط للخادمات على المجتمعات الخليجية. و على الصعيد الديني، قالت الدراسة: تأتي المسيحيات في المقدمة تليهن المسلمات ثم البوذيات والهندوسيات. وتقل نسبة العربيات بين الخادمات عن واحد بالمئة.

وطالب عدد من دول الخليج بمنح الأولوية في جلب الخادمات إلى العربيات أولا ثم المسلمات وذلك للتغلب على مشاكل لغوية ودينية سببتها الخادمات الأجنبيات وغير المسلمات للأطفال الخليجيين.

ومن أهم الإشكاليات الدينية فضلا عن أن المسيحيات يأتين في المرتبة الأولى، فإن المرأة تأتي دون محرم، ومع انتشار مكاتب الخدم في دول الخليج، فقد قدمت عدة أسئلة لمجلة المجتمع تسأل عن حكم الشرع في العمل في مكتب استقدام الخادمات بما في ذلك أن منهن غير مسلمات، ودون محرم. وعن حكم الشرع في استقدام خادمات غير مسلمات أو بلا محارم، أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية برئاسة الشيخ ابن باز – رحمه الله-  بحرمة هذا العمل ( ج 17،ص:330، فتوى رقم: 330).

واستندت اللجنة في تحريمها لاستقدام المرأة غير المسلمة على عدة أمور أهمها: 

-أنه يحرم كسب المال من عمل لا يجوز شرعا، وقد وردت نصوص السنة تحرم سفر المرأة وحدها دون محرم، من ذلك ما أخرجه أخرج البخاري، ومسلم عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تسافر امرأة ثلاثا، إلا ومعها ذو محرم.”

-كما استندت إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يجتمع دينان في جزيرة العرب“، فيحرم استقدام غير المسلمين إلى جزيرة العرب لغير ضرورة.

-كما أفتت اللجنة بتحريم سفر المرأة المسلمة –أيضا- للعمل خادمة إن كانت وحدها، استنادا لما أخرجه الشيخان من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين: “لا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ إلا مَعَ ذِي مَحْرمٍ”.

 وإلى نفس الرأي القائل بالتحريم ذهب الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية، ورأي الشيخ المنجد أن الخدم الذين يعملون في البيوت لا يأخذون حكم الأرقاء والإماء، كما يرى بعض الناس ذلك،  بل حكمهم حكم الأجير الخاص الذي استُؤجر ليعمل عند المستأجِر فقط، كالموظف، فلا تجوز الخلوة بالخادمة ولا كشف شعرها أمام الرجال، وكذلك بالنسبة للخدم من الرجال بالنسبة لنساء البيت الذي يخدم فيه واستند الشيخ المنجد إلى فتوى للشيخ ابن باز –رحمه الله- حيث رأى الشيخ ابن باز –رحمه الله- أن السائق والخادم حكمهما حكم بقية الرجال يجب التحجب عنهما إذا كانا ليسا من المحارم ، ولا يجوز السفور لهما ولا الخلوة بكل واحد منهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما”، ولعموم الأدلة في وجوب الحجاب وتحريم التبرج والسفور لغير المحارم ولا تجوز طاعة الوالدة ولا غيرها في شيء من معاصي الله.

 وفي ذات السياق يذهب الدكتور يحيى إسماعيل أستاذ الحديث وعلومه بجامعتي الأزهر والكويت إلى الحرمة، حيث يرى أن العمل في مكاتب الخدم يتقرب في التقدير من حرفة  من يتخصص في بيع أكفان للموتى من المسلمين، فبيع الكفن الأصل أنه جائز، لكن أن يكون مقصورا عليه، فهو حرام، لأنه سيسعد بمصاب المسلمين،  ومثله أن ترك البيوت للخادمات ودخول خادمات بمجاميع كبيرة بعادات خاصة لهن وعلى علاقات متشعبة بعيدة عن عاداتنا وأخلاقنا، فالأمر إذا كثر عظم الأثر والعقوبة على خلاف ما هو في القانون، ففي القانون توزع على الفاعلين، لكن في الشرع تعظم بعظم الفاعلين،  وقد رأي عمر – رضي الله عنه- قتل الجماعة بالواحد، وقال: لو اجتمع أهل اليمن على قتله لقتلهم به”.

وعلى ذلك فأصل استقدام الخدم جائز شرعا، لكن اقتصار العمل عليه يحرم، لأن عمله يكون في إذلال الغير للغير، فهي حرفة وضيعة، قربت أن تكون استرزاق من استبعاد، فإن الاحتراف في سوق الناس للناس هذا مبرر شرعا لأن فيه تيسير استبعاد، فيجب أن تكون العلاقة خاصة بين الخادم والمخدوم، و “ليس على حر رق” كما قال عمر – رضي الله عنه.

ويستند الدكتور يحيى إسماعيل على أن الفكر الإسلامي بالنسبة لعلاقة المسلمين لبعضهم أن  تكون الأمة أمة واحدة كما أراد رب العالمين، لا أن تفرق حسب الجنسية. وقد قالت الفاروق كلمته الشهيرة:” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.

 ويشير الدكتور يحيى أن القوانين التي تحكم العلاقة بين الخدم والمخدومين كلها قوانين وضعها غير المسلمين تنتهي بالاستبعاد ويترتب عليها مشاكل كثيرة، قد تصل إلى حد مقصود  الثأر بين الخدم  والمخدومين، وتعليم لغاتهم لأبنائنا وقيمنا، بل نجم عنها أحيانا أنه قد يتمثل أولادنا صورة عبادة خاصة لأن مربيتهم لها عبادة خاصة غير عبادة المسلمين، فيكون إكساب عاداتهم وقيمهم  صورة من صور الانتقام الدفين في نفوس المستخدمين الذين يرون أنهم مستعبدون من قبل مسلمين مثلهم، فضلا عن غير المسلمين.

كما يرى أن التحريم أيضا مبني على مبدأ سد الذرائع، لأن القول بإباحة هذا العمل، وإن كان هو الأصل، إلا أنه يؤدي إلى اعتبار الخدم “بضاعة” كباقي البضاعات في السوق، حتى وصل الأمر إلى الإعلان عن الخدم ببعض الجرائد الخاصة بعبارة” وصلت بضاعة جديدة” على حد تعبير الدكتور يحيى إسماعيل.

ومن المحرمات في هذا العمل هو ذهاب مندوب للكشف على الخادمات، فيظهر منهن عورات وجب سترها، وحرم كشفها.

والواجب في مثل هذا الأمر أن يكون التعامل بين الخادم والمخدوم، لا أن تكون هناك وساطة في زي “استبعاد حديث”.

ولكن الدكتور أحمد الحجي الكردي خبير الموسوعة الفقهية بالكويت رأى في سؤال وجه إليه من مجلة المجتمع أنه إذا كان العمل في مكتب الخدم ليس فيه معصية أو مخالفة لأمر الله تعالى، ولا مخالفة للقوانين المطبقة في البلد فلا مانع منه، وعند ذلك لا مانع من العمل فيه وأخذ الأجر عليه وقبول الهدية منه، وإلا فلا يجوز.

ولعل حاجة الناس – خاصة في الخليج – إلى الخدم أمر غير منكور، ولكن المطلوب هو أن تكون الوظيفة وفق الشرع الحكيم، وأن يولي فقهاء الخليج وعلماؤه وضع الضوابط الشرعية وأن تأخذ حيزا من التطبيق من خلال صوغها في صورة قوانين تعرف للغرف النيابية حتى تتبناها، فيجمع بين حاجة الناس وبين ضوابط الشرع الحكيم الذي ما يريد إلا مصلحة الناس؛ جلبا للنفع، ودفعا للضر.

للمزيد عن مكاتب استقدام الخدم اقرأ أيضا

إخراج الزكاة عن الخادمة

هل كانت المقال مفيداً ؟
نعملا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى